العدد 580 - الأربعاء 07 أبريل 2004م الموافق 16 صفر 1425هـ

...يلح السؤال: الملف الصحي إلى أين؟

فيما لجنة التحقيق البرلمانية تعيد خلط الأوراق

كيف وصلت الأوضاع في وزارة الصحة إلى ما هي عليه اليوم، ولماذا أصبحت الشغل الشاغل وحديث الناس في المجالس ومتى آلت الأوضاع إلى ما هي عليه؟ هل الخلل وليد اليوم أو الأمس البعيد؟ أسئلة كثيرة، ومحيرة في الوقت ذاته بحاجة إلى إجابات وافية... ومهما غصنا ونبشنا في أحوال الصحة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه حاليا، لن نحصل على إجابات شافية!

هو حديث ذو شجون، بل أحاديث ذات غصص، فالبعض يصف وضع الصحة بالحصان الذي صُمدت عيناه فألوى عنانه من دون فارس، وأخذ ينطلق لا يدري أين يذهب، وهؤلاء يرون في وزير الصحة خليل حسن، الفارس الحقيقي الذي بإمكانه أن يوقف هذا الضياع، ويعيد الحصان مرة أخرى إلى رشده... ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فآخرون يعتبرون ما يجري انفلاتا حقيقيا وخطيرا، ويعتقدون أن الوزير تعجّل في بعض الأمور، وأخذوا يطالبون بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويرون أن إبعاد استشاريين وأطباء لهم باعهم وخبرتهم في المجال الطبي إجحاف بحقهم وخنق للكفاءات المحلية...

وبدأت الزوبعة برياح خجولة لم تكد تلحظ، وما لبثت أن تحولت الأمور إلى منحى خطير... وطفق الاستشاريون الذين قضوا في مجمع السلمانية الطبي ساعات طوال، وأمضوا سني عمرهم يبتعدون عن عملهم الذي طالما ألفوا القيام به، وأخذت بعض الشخصيات التي كان لها صيت في الشارع البحريني تختفي تدريجيا حتى قاربت أن تكون في عداد المنسيين (...) كل هذا كان عاديا نوعا ما، وكان كالغيمة المثقلة التي تمر مرور الكرام من دون أن تخلف أي أثر. ولكن سرعان ما تأججت الأوضاع بصورة خطيرة، حالما علم المواطنون بمنع الاستشاريين من أداء عملهم حسبما تناقلته الصحف المحلية. وانقسم الناس إلى فريقين، فريق يطالب بإرجاع الأطباء إلى محلهم، وفريق آخر يصوت لصالح الوزير الذي رأت في عهد وزارته مشروعات كثيرة النور، وأطلق سياسة الإصلاح في وزارة كلت سواعدها وأنهكها الدهر والظروف والمسئولون.

تأرجح القضية والانقسام

وأخذت القضية تتأرجح وأرجحت معها الرأي العام، وحركت معها الشارع، وأفسحت لها الصحافة صفحاتها وسخرت لها أقلامها، وبدا الانقسام واضحا حتى بين كتاب الصحيفة الواحدة... وأخذ الناس يتساءلون، هل صحيح أن ما يحدث أساسه خلاف بين الوزير وبين الاستشاريين، والوزير قال بنفسه عن الاستشاريين إنهم زملاء وأساتذة؟ وهل يمكن للوزير أن يمنع أطباء لهم باع طويلة في الطب من أداء واجبهم من دون أي سبب؟ وهل يمكن للوزير أن يقصي أشخاصا لهم بصمتهم عن مستشفى السلمانية الطبي؟ وهل وهل وهل...

وفي الوقت ذاته، تبادرت أسئلة أخرى شابها الغموض والتيه أكثر وأكثر، فهل يمكن لأطباء أن يستغلوا منصبهم لمآرب أخرى؟ وهل يمكن لأشخاص اكتسبوا من هذا العمل رزقهم وصيتهم أن يضعوا يدهم على ممتلكات غيرهم؟ وهل لهم أن يتمسكوا بمناصب لم تعد صالحة لهم، ولم يعودوا صالحين لها؟ هذه الأسئلة وغيرها، تكشف عن أن الوضع في السلمانية وصل إلى مرحلة حرجة جدا، مرحلة لا تحتمل مزيدا من اللف والدوران، ولابد أن يحسم الوضع، ولكن هذا لا يعني أن الوضع لم يكن في مرحلة حرجة قبل مجيء وزير الصحة الحالي.

ودخلنا بعد ذلك في مرحلة أخرى، وفصل آخر من فصول القصة التي لا تعرف نهاية لها، فإذا بالنائب السلفي عيسى المطوع يلوح من على منصة مجلس النواب باستجواب وزير الصحة، بعد أن أعطاه مهلة بتعديل الأوضاع، وفي هذه الأثناء قامت القيامة... وتلقت «الوسط» عدة اتصالات من المواطنين، بعضهم يطالب بثني النائب المطوع عن استجوابه الموعود، وآخرون يستنكرون ما يحدث في الصحة ويطالبون بالتعديل ودعم الاستجواب... ولم تمض سوى بضعة أيام حتى عقد موظفو الصحة مؤتمرا صحافيا، احتجاجا على تصريحات المطوع التي اعتبروها لا تستند إلى أدلة فعلية، ودعوا النائب المطوع إلى المؤتمر لكنه لم يحضر... وفي ساحة مستشفى الولادة القديم، تجمع العشرات من الموظفين من مختلف قطاعات الصحة، وأصدروا بيانا طالبوا فيه بعدم إهمال مشكلات الصحة، وعدم تغليب مشكلة الاستشاريين، وأعلنوا تأييدهم إلى الوزير الذي أجرى تعديلات جريئة بحسبهم ونقل الشخص المناسب إلى المكان المناسب. وتمخض المؤتمر عن توقيع عريضة وصلت أعداد التواقيع فيها إلى 3500. ووجهوا أسئلة كثيرة إلى صورة المطوع التي علقت على أحد الكراسي، أسئلة تتعلق بدواعي استجوابه، وأدلته، وكيفية الاستجواب ولماذا لم يتم أخذ آراء الموظفين؟ وألقى عدد من الحاضرين بمسئولية الفساد على بعض المسئولين الموجودين في الوزارة، وطالبوا الوزير بكشف أوراقه والدفاع عن نفسه ليبتعد عن الشبهات معتبرين الوزير شخصية مصلحة وأنه أفضل من مر على الوزارة على الإطلاق.

ولعل هذا المؤتمر والعريضة التي رفعت إلى النائب السلفي، ألقت بآثارها على مجلس النواب، فالتف بعض النواب بحسب تصريحات المطوع على مشروع الاستجواب وحولوه إلى تشكيل «لجنة تحقيق في أوضاع الصحة». وأبدى قطاع واسع في الصحة ارتياحه من قرار مجلس النواب، كما أبدى استشاريون تأييدهم إلى هذه الخطوة واعتبروها بادرة خير لأنها ستكشف المخطئ وستقع على الخلل الموجود في وزارة الصحة.

لجنة التحقيق خطوة عادلة

النائب السلفي عيسى المطوع أكد في تصريح نشرته «الوسط» في عددها الصادر يوم الاثنين الموافق الخامس من شهر إبريل/ نيسان الجاري أنه سيكون من أوائل الداعين إلى إحالة ملف التحقيق في شئون وزارة الصحة - إذا استدعى الأمر- إلى النيابة العامة ليأخذ كل من تثبت عليه المخالفات جزاءه، موضحا أنه لن يدافع أبدا عن تجاوزات ومخالفات أيا كان حين يثبت تورطه، سواء أكان من الاستشاريين أو غيرهم.

وقال المطوع: «إن محاسبة الوزراء لا تعني أن غيرهم من الموظفين لا دخل لهم في أي تقصير أو تجاوز أو فساد بل إن المسئولية يتحملها كل من يثبت عليه التقصير، ولكن تقصير الوزير في محاسبة من هم تحت إدارته هو تقصير من قبله».

وأبدى المسئولون في وزارة الصحة ارتياحهم الشديد من قرار مجلس النواب، واعتبروا القرار عادلا، لأنه سيوضح بطريقة ترضي جميع الأطراف وبطريقة ديمقراطية كل التجاوزات وسيكشف عن مكامن الخلل الموجودة في الوزارة منذ أمد بعيد. وقال مصدر مسئول: «لقد مررنا بجميع الأقسام في مجمع السلمانية لقياس النبض، وكان جميع العاملين والموظفين مقتنعين بضرورة دعم لجنة التحقيق والمفروض أن تتم المطالبة بها منذ البداية. و نحن على أهبة الاستعداد لكشف جميع الأوراق أمام لجنة التحقيق البرلمانية، وسنسعى إلى مد يد العون لأعضاء اللجنة من أجل الوصول إلى كافة الحقائق». واستنكر المصدر تصريحات البعض عن قيام مسئولين في الوزارة بدعم عريضة دعم وزير الصحة وقيامهم بجمع التواقيع، معتبرا ذلك التصريح «محاولة فاشلة لإقحام وزير الصحة» في أمر بعيد عنه كل البعد.

من جانبه يقول استشاري جراحة العظام في مجمع السلمانية الطبي علي العرادي: «نحن من جهتنا نرحب بلجنة التحقيق، فإذا كانت هناك تجاوزات للاستشاريين فنحن نرحب بكشف كل الأوراق التي تدينهم، بل ونطالب بكل الإثباتات على الاستشاريين لأن هذا الإثبات من مصلحة البلد، ومن الضروري محاسبة كل فاسد (...) إن المشكلة لم تعد بين الاستشاريين ووزير الصحة، بل أصبحت مشكلة عامة، مشكلة يعاني منها الطبيب والمريض وكل من له مصلحة في وزارة الصحة، وينطبق الأمر أيضا على هيكلة الوزارة ككل، والمتضرر الأول والأخير من كل ما يجري هو المواطن بالدرجة الأولى».

مؤكدا أن «الاستشاريين يتطلعون إلى كشف أي تجاوز، ومن أي إنسان كان، ومن جهتي فأنا على أتم الاستعداد لأن أضع يدي في يد لجنة التحقيق في أوضاع وزارة الصحة، ونطالب بكشف الخلل ومعاقبة المفسدين، والكتلة النيابية أعطيت المجال للوقوف على أوضاع وزارة الصحة، ونحن واثقون من أن نتائج هذه اللجنة ستكون ذات أهمية كبيرة جدا».

أسئلة بحاجة إلى أجوبة...

وكما نشرت «الوسط» في تحقيقها السابق، مجموعة من الأسئلة التي وجهت إلى الاستشاريين وإلى النائب المطوع، فهاهي تعود من جديد إلى الساحة، وتوجه مجموعة من الاستفسارات إلى لجنة التحقيق وإلى وزير الصحة لتتوضح الصورة أكثر...

يسأل الوكيل المساعد للرعاية الأولية الاستشاري محمد عبدالوهاب: تفضل الوزير بأنه بصدد تعيين وكلاء مساعدين للمرضى والمواطنين، ترى إلى أين وصلت هذه الجهود؟ ولماذا أصبحت البحرين من الدول المتأخرة في تقديم الرعاية الصحية لمواطنيها محتلة الرقم 90 من بين دول العالم تبعا لتقرير منظمة الصحة العالمية بعد سلطنة عمان وجميع الدول العربية في الخليج؟ وما هي مصانع الأدوية التي صرح الوزير بإنشائها، وهل هذا المشروع خاص بوزارة الصحة وما هو دوره كوزير في إنشاء هذه المصانع وكيف ستساهم هذه المصانع في إنعاش السياحة العلاجية واستقطاب المرضى إلى المملكة؟ هذا إلى جانب التصريحات عن عزم الصحة بناء خمسة مراكز للطوارئ في المحافظات الخمس في المملكة، فأين وصلت جهود الوزير في تحقيق هذا المطلب الجماهيري؟

علاوة على ذلك تناقلت الأوساط المحلية والصحية عدة أخبار، فما صحة ما يقال عن رحيل الخبير الوحيد في شئون الإحصاء والمعلومات الطبية، والذي انضم إلى وزارة الصحة في قطر، فهل تم تعيين بديلا له على رغم حاجة الوزارة إلى خبرات في هذا التخصص الحساس؟ وما صحة الأخبار التي تشير إلى تعيين الخبير الكندي وزوجته في مراكز ريادية في الوزارة وأعطيت لهما صلاحيات واسعة؟ وما هو السر وراء تعيين مستشار استرالي في منصب رفيع وبراتب مغرٍ في المجمع الذي كان يزخر بالكفاءات البحرينية؟ وما حقيقة أن عقارا ضروريا للمرضى بعد العمليات الجراحية لم يكن موجودا في مجمع السلمانية لعدة أسابيع أو أكثر، واضطر الأطباء في غرف العمليات إلى الاستعانة بمستشفى قوة دفاع البحرين لحل هذه المشكلة ولأكثر من مرة؟

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يقول عبدالوهاب: «نعلم باستقالة بعض الاستشاريين من مناصبهم، ومثال على ذلك الطبيبان عادل غلوم وأسامة العرادي، فما الأسباب الحقيقية وراء تلك الاستقالات؟ وهناك شكاوى كثيرة من المواطنين والمقيمين على المراكز الصحية، وكثرة المترددين وانخفاض كميات الأدوية المتوافرة، وصرح الوزير بأنه سيمدد ساعات العمل في كل المراكز الصحية، فهل تم شيء في هذا الخصوص؟

ويستمر الوضع على ما هو عليه لحين اكتمال الصورة، ولن يحصل أي من ذلك إلا من خلال الوصول إلى حل مقنع، والمفترض أن ذلك سيكون بيد لجنة التحقيق في أوضاع وزارة الصحة، والتي يرى البعض أنها ستخلط الأوراق من جديد وتعيد الحكاية من بدايتها، فيما يرى آخرون أنها الحل الأمثل بل والوحيد. فهل ستكشف اللجنة الأوراق وتقع على الخلل في الوزارة؟ و حتى ذلك الحين، ستبقى المسألة مبهمة، لا يعرف فيها الجاني من المجني عليه، وسنراقب الوضع وننتظر مع المنتظرين، ومن جانب «الوسط». فإننا سنكمل فتح الملفات وسنعرض جوانب أخرى قد تجيب على سيل الأسئلة في وقت قريب

العدد 580 - الأربعاء 07 أبريل 2004م الموافق 16 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً