من المقدر لفيلم الإثارة الشهير Infernal Affairs أن تتم إعادة إنتاجه من قبل هوليوود بعد مرور حوالي عام على انتاجه في هونغ كونغ. الفيلم من إخراج مارتين سكورسيس وبطولة النجم الأميركي براد بيت.
في هونغ كونغ أصبح الفيلم ظاهرة منتشرة إذ تم عرض الجزءين الأول والثاني منه خلال سنة واحدة فقط. وكفيلم تمت إعادة إنتاجه فإنه يبدو بالكاد قابلا للترجمة الفورية على عكس فيلم الرعب الياباني الشهير Ringالذي جاءت ترجمته رائعة بسبب فكرته الجيدة. مقدمة الفيلم جاءت موجزة جدا لان فكرته واضحة وليست بجديدة تماما وهو ليس بحاجة إلى استعمال الأساليب التمويهية بقدر ما يحتاج إلى خلق تعقيدات أكثر في سير أحداث القصة.
إن ما يميز هذا الفيلم فعلا هو أنه يبدو جديدا على رغم انه في الحقيقة يحتوي على حوادث مكررة شاهدناها من قبل في أفلام سابقة. انه مثال نموذجي لقصة آسيوية مثيرة عن مطاردات الشرطة.
في الدقائق العشر الأولى من عرض مقدمة الفيلم المختصرة تتضح لنا الفكرة التي بني عليها الفيلم، إذ نصادف ايريك تسانغ، الذي يلعب دور مجرم العصابة الشرير الكادح هون سام وتراه يخبر أفراد عصابته بأنهم سينضمون إلى أكاديمية الشرطة في هونغ كونغ ليقوموا بعمليات تجسسية. وتمر السنوات سريعا لنجد أن أحد أفراد العصابة، آندي لو ذو المظهر الشرير، أصبح ضابطا كبيرا في الشرطة وفي هذه الأثناء يأمر تسانغ طالبا عسكريا آخر من عصابته وهو يان، الذي يلعب دوره الممثل توني لونغ ذو الوجه الكئيب المألوف في سلسلة أفلام المخرج وونغ واي، بالتجسس على زميله لو.
وسرعان مايبدأ لو ويان بالشعور بالذنب و بالإجهاد نتيجة تقمصهما لشخصيتين في آن واحد كما يصبحان حائرين بين الالتزام بأوامر رؤسائها المستبدين في عالم الاجرام أو الإخلاص لزملائهما في الشرطة واللذين أصبحا يشعران بمودة تجاههم.
إن موضوع انتحال العصابات لشخصيات الشرطة يعتبر فكرة رئيسية مستهلكة في معظم أفلام الإثارة في هونغ كونغ إذ أخرج هذه الفكرة من قبل مخرج الأفلام البارع جون ووه الذي حقق نجاحا باهرا في تصدير أفكاره السينمائية الى هوليوود وكذلك المخرج وونغ كار وي الذي يبرع في التحكم بالمشاهد بحسب مناسبة الفيلم تماما كما فعل في فيلم As Tears Go By والذي لعب فيه آندي لو أيضا دور البطولة. وربما يعتبر فيلم Heat لمخرجه مايكل مان أبرز أفلام هوليوود وأكثرها جدية في عرض فكرة فيلم Infernal Affairs نفسها، وهو من بطولة روبرت دي نيرو الذي يلعب دور المجرم ضد الشرطي المناضل آل باتشينو.
إن المغزى من ذكر كل هذه الأفلام هو لتوضيح مدى الشبه بينها وبين فيلم Infernal Affairs الذي يعتبر من الأفلام التي تكررت قصتها على نطاق واسع ولكنه يبدو جديدا ومشوقا على نقيض الأفلام الأخرى التي تكررت. إن إعادة تصوير الفكرة ذاتها تركت أثرا عكسيا إذ نشعر بالمتعة والتسلية عند مشاهدته وكأننا لم نشاهد فيلما مماثلا من قبل.
لاحظَ بَعْض النقّادِ التأثير الكبير الذي خلفه المخرجان مان وديفيد فينتشر في إخراج هذا النوع من الأفلام واللذان أضافا نكهة مميزة إلى مشاهد الآكشن إلى لغتهما الأصلية عن طريق الاقتراض من المصطلحات الآسيويةِ محاولين بذلك تحديد التيار العام الجاري في السينما العالميةِ.
نلاحظ أن معظم مشاهد الفيلم لا تأخذ الطابع الآسيوي ماعدا طبعا الملابس البوذية الفخمة التي يلبسها هون سام ليوحي لنا بشخصية شيطانية ماكرة. الفيلم يعتبر آسيويا من منظور فلسفي إذ إن عنوانه الأصلي الصيني يرمز إلى دائرة الجحيم الأبدي والتي تمثل المعاناة المستمرة للشخص الذي يحصر فيها والأمل الضعيف في استعادة هويته الحقيقية. ولتأكيد هذه الفكرة نلاحظ أن الحوادث في الفيلم تحصل في مكان ما غير محدد الهوية من العالم في ناطحات السحاب المرتفعة ومواقف السيارات الحلزونية والمكاتب التي تبدو كصناديق زجاجية بداخل بعضها ولولا ظهور بعض مباني هونغ كونغ الشهيرة في الفيلم لكنا اعتقدنا بوجودنا في سياتل او هيوستن. يمكننا اعتبار الفيلم أنه نسخة أخرى أحدث من فيلم Heat.
إن كلا البطلين لو ويان على علاقة غير كاملة بامرأة تماما مثل أبطال أفلام المخرج مان، ماعدا ذلك وبعض المشاهد القصيرة التي تظهر فيها الطبيبة النفسانية ليان، كيلي تشن فان، الفيلم يعتبر فيلما يسيطر فيه الذكور من بدايته إلى نهايته. وكما في فيلم Heat نتعجب من اللحظات التي يجتمع فيها البطلان لأننا لا نستطيع تصور فكرة وجودهما في المكان نفسه إذ تكون مواجهة البطلان النهائية بالمسدسات في أحد المروج. أما في فيلم Infernal Affairs فإن البطلين يتقابلان في بداية الفيلم عندما يحاول يان بيع جهاز ستيريو محلي الصنع للو.
بالإضافة لأداء البطلين يان ولو فان، أداء الممثلين الآخرين كان جيدا مثل شخصية المتحري أنطوني وونغ بحواجبه المعقوفة والشرير ذو الوجه الدائري تسانغ ذو الشخصية المروعة والأحمق تشابمان. وطبعا يبدو الجميع بمظهر قاس وحاد بسبب بدلاتهم الجلدية وأزيائهم الغريبة.
كما أن المؤثرات الصوتية والبصرية في الفيلم مثل البرق الذي يلمع على أضواء السيارة الأمامية في الشارع وانعكاس البدلاتِ في نوافذِ ناطحةِ السحاب المتحرّكةِ تزيد في تعقيد حوادث القصة. هناك أيضا مشاهد تذكرنا كثيرا بفيلم والتر هيلز The Drivermim وهو فيلم آخر عن الوحدة وضياع الهوية مثل المشهد المتوتر في مواقف السيارات المليئة بالماء.
وأخيرا فان فيلم Infernal Affairs هو تقريبا إعادة لصنع الفيلم الفرنسي Le Samourai من إخراج جيين بيير مالفيل وهو الفيلم الذي يصور رموز المحاربين الآسيوية في طراز سينمائي أميركي
العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ