قصة ملفتة للانتباه، تقدم مغزى كبيرا لمن يريد تثبيت الحقوق وتأكيدها، وهي رسالة مهمة وضرورية للعاملين في مجال حقوق الإنسان للاستفادة منها في رفع التمييز عن المواطنين في الوظائف على أي أساس اعتمد هذا التمييز، بل تقدم برنامجا عمليا لمحاربة هذه الآفة سواء على مستوى فردي أو جماعي أو مؤسسي، وهي في ذلك تقدم الرسالة أيضا لكل مواطن يخاف على رزقه ورزق أولاده إن هو جاهر برفض ظلم أو تمييز وقع عليه، وخصوصا مع وجود المنابر الإعلامية التي ترفع صوتها دفاعا عن المواطنين.
هذا المواطن عرف عن كاتب المقال أنه صحافي، فاتصل به ودعاه إلى بيته، فاستجاب صاحب المقال إلى دعوته وذهب إلى بيته للاطلاع على مشكلته، وحين وصل البيت: وجد صاحب المشكلة يقدم له ملفا متكاملا يتضمن رسائل ومتابعات حثيثة مع المسئولين في وزارة الكهرباء والماء بشأن وظيفة أراد الترقي لها، ثم أعطيت هذه الوظيفة لغيره بعد سنة من اجتيازه الامتحان المؤهل للوظيفة، وتأكيد المسئولين له أنه كان الأحق بالوظيفة، لكن اللافت في سلوك هذا المواطن أنه يعرف أن حصوله على هذه الوظيفة في حكم المستحيل بعد أن أعطيت لغيره، ومع ذلك أصر على اطلاع صاحب المقال على الملف الموثق لمراسلاته مع المسئولين بشأن الوظيفة وردودهم عليه، كما طالب بتعويضه جراء الأذى النفسي الذي وقع عليه جراء حرمانه من الوظيفة، ويمكن سرد قصة هذا المواطن بالتوثيق الذي وثقه صاحب المشكلة في وقت لاحق.
المهم أن مثل هذه الهمة العالية عند هذا المواطن لرفض الظلم والتمييز الذي وقع ضده يقابله عدم اكتراث الكثير من المواطنين بتوثيق حالات الظلم والتمييز التي تقع ضدهم، بل إن الكثير منهم يكتفي بالتأفف أو الامتعاض من دون أن يتحرك بشكل جدي لرفع الظلم والتمييز ضده، وهذا السلوك تجده لدى الإنسان البسيط والمثقف على حد سواء، بل ربما ترتفع حساسية الموظف في المناصب العليا ليعجز عن البوح بأي تمييز يقع ضده خوفا على فقدان موقعه، ومن دون أن يتم تثبيت الحقوق بالطريقة التي أكدها هذا المواطن، الذي بدا وكأنه مستعد لفقدان وظيفته من أجل تثبيت حقه. من دون هذا السلوك في المطالبة بالحقوق، لن نستفيد شيئا من عصر الإصلاح.
هذا السلوك يجب أن يكون بآلية سليمة طبعا، إذ إن الكثير من المستغلين لتعاطف المنابر الإعلامية معهم يحاولون ابتزاز هذه المنابر من خلال عرض كاذب لقضاياهم، وهذه دعوة لكل من يبدأ سلم الحياة إلى أن يجد ويجتهد في وظيفته أولا، وأن يطالب بحقه من أجل مستقبل أفضل له ولعياله، ولكن من خلال التوثيق الدقيق للقضايا، بل إنها دعوة إلى عدم تجاهل أي ظلم أو تمييز صغيرا كان أم كبيرا، لترسيخ ثقافة الحقوق بين الناس وتثبيتها، قبل أن يأتي زمان نبكي فيه على ما فاتنا من فرص ضيعناها.
على مستوى المؤسسات الحقوقية، فهذه دعوة للقائمين على رصد التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان في مؤسسات الدولة، وتحديدا التمييز في الوظائف سواء كانت دنيا أو عليا، إلى توسيع دائرة الرصد وتشجيع المواطنين على البوح بمشكلاتهم، وتوسيع دائرة المتعاونين مع المؤسسات الحقوقية للقضاء على هذه الآفة، وليكون هذا المواطن الجريء الذي يوجد على شاكلته أشباه كثيرون نموذجا مهما لتثبيت ثقافة الحقوق وتوسيعها، تمهيدا لاجتثاث كل السلوكيات التي تنتقص من الإنسان وحقوقه في هذا البلد، و«ما ضاع حق وراءه مطالب»
العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ