العدد 747 - الثلثاء 21 سبتمبر 2004م الموافق 06 شعبان 1425هـ

«The Village»أداء متميز لقصة باهتة وإخراج فج!

الوسط - محرر الشئون الفنية 

21 سبتمبر 2004

لا يبدو أن لشطحات نايت شايمالان وترهاته أية حدود، فبعد أن انتهى هذا المخرج الكاثوليكي الهوليودي (ذو الأصل الهندي) من تبشيراته الدينية عبر فيلمه الخيالي «Signs» الذي عرض في العام 2002 وحصل عنه المخرج على اشادة الكثير من النقاد السينمائيين وعلى مختلف التكريمات، وكذلك بعد أن شفى غليله بتعذيبنا و«تنشيف حلوقنا» في فيلم The Sixth Sense الذي كان عرض قبل سابقه بما يقرب من ثلاثة أعوام، جاء الآن لينقلنا الى مساحة أخرى من مساحات خياله الغريبة التي تبدو وكأنها تمت بالصلة لعالم لا علاقة له بأي من العوالم التي نعرفها مادية، أم روحية، أم غيبية، أو حتى تلك التي ترد في الخرافات أو الأساطير.

شايمالان ينقلنا هذه المرة عبر فيلمه الجديد The Village الى قرية تقع في ولاية بنسلفانيا وهي قرية كوفنغتون، ليروي لنا قصة تدور مجرياتها في العام 1897، وعلى مدى 120 دقيقة يعرض لنا شيمالان مقطعاً من حياة هذه القرية التي تقع على مسافة نصف نهار من حيث تقع المدن، تحجزها عنهم أسوار عالية لا يمكن بأي حال عبورها لأي بشر يحمل قدرات بشرية اعتيادية.

أهالي هذه القرية أنشأوها باختيارهم، وبالأحرى انشأها الأعيان باختيارهم هرباً من قسوة المدينة وشرورها، وبعد تعرضهم لصدمات مريرة اضطرتهم للهروب بعيداً والفرار بجلودهم وبما تبقى لهم من شعور بالأمان. وشعور الأمان هذا يجده الأعيان وباقي سكان القرية في هذه البقعة النائية التي تلفها غابة محرمة، لا يمكن أن تطأها أي من أقدام سكان القرية والا حل به ما يحل بالمواشي التي يعثر على جثثها ملقاة كل صباح بالقرب من منازل القرويين، بعد أن ينزع عنها ريشها وصوفها، كإنذار ممن يطلق عليهم «الذين لا نذكرهم» وهي مخلوقات تسكن الغابة المحيطة وتحرمها على سكان القرية بل وتمنعهم من عبورها للمدن التي يسكنها البشر الآخرون.

سكان القرية يبدون فزعين مرعوبين على الدوام يخشون دوماً سخط «الذين لا نذكرهم» ويتجنبوه، فهم لا يقربون الغابة المحرمة ويتجنبون اللون الأحمر وهو لون التوت البري الملعون الذي تكثر اشجاره في وسط الغابة وهو لون يجذب «الذين لا يذكرون»، ولا يكتفون بذلك بل يحمون أنفسهم بأردية صفراء حين يقربون حدود أشجار الغابة. مجلس الأعيان يحاول أن يوضح الصورة للسكان وأن يحميهم، في المقابل يستجيب القرويون بعدم الاقتراب من الغابة على الاطلاق وبالابتعاد عن اللون المحرم، وبتقديم الاضاحي والقرابين «للذين لا نذكرهم».

وعلى رغم أن الأعيان ينجحون في حماية القرية من شرور المدينة ويكادون ان يحموها من أذى «الذين لا نذكرهم» الا انهم يبدون عاجزين أمام شرور أخرى كالمرض والموت، وتبدو القرية وكأنها في حاجة ماسة إلى الاتصال بعالم البشر وهو ما يطلق عليه في الفيلم (المدن)، وهي حاجة لا يستشعرها الكثيرون من أبناء القرية لكن يستهلها لوكيوس هنت (جواكين فونيكس) الشاب الهادئ المنطوي على نفسه، إذ يقدم طلباً لمجلس الأعيان للسماح له بعبور الغابة والوصول الى المدن لاحضار بعض الأدوية واللقاحات التي تحتاجها القرية للوقاية من كثير من الأمراض، لكن طلبه يرفض لخوف الأعيان من انتقام المخلوقات من لوكيوس أولا ومن أهالي القرية فيما بعد.

ويحاول لوكيوس ثانية ويأتيه الرفض مرة أخرى، ويبدو بعدها وكأن المخلوقات على علم بما يدور في النفوس إذ تبدأ بإرسال تهديداتها لأهالي القرية بين الحين والآخر بالقاء جثث الماشية المشوهة، بل ويصل بها الأمر في احدى المرات لأن تهاجم القرية تاركة علامات ترسمها باللون الأحمر الملعون على أبواب المنازل.

تتطور مجريات الفيلم بطريقة تجبر مجلس الأعيان على قبول طلب خوض الغابة، لكن ليس من قبل لوكيوس بل حين تطلبه فتاة عمياء وهي ابنة احد الأعيان وتدعى ايفي والكر (برايس دالاس هوارد)، التي تقوم بمغامرتها لتكشف سر الغابة الملعونة ومخلوقاتها المرعبة على الأقل بالنسبة إلى المتفرجين، وكذلك لوضع اليد ذاتها على كثير من أخطاء الفيلم وتناقضاته.

سيناريو الفيلم ونصه هما من تأليف مخرجه نايت شيمالان، ولعل ذلك يفسر الكثير من اللامنطق الذي يسود هذا الفيلم، فشيمالان معروف باسلوبه الشاذ في تقديم أفلامه وفي عرض أفكاره الغريبة، وهو هنا يقدم قصة رمزية لا أعرف ان كانت لها ايحاءات دينية ام سياسية وان كنت اشك في ان تكون لها ادنى علاقة بالسياسة!

شيمالان يغوص دائماً في عوالم غريبة ليسرب بعض المبادئ الدينية الكاثوليكية ولعله هنا ينتقد فكرة الهروب من الواقع الحياتي بكل مرارته وآلامه، باتخاذ اسلوب التنسك والبعد عن الحياة، ربما يكون كذلك، وربما يريد أن يشير عبر فيلمه هذا الى بعض عمليات التضليل التي تمارسها بعض الجهات كالأعيان في الفيلم وهم الذين يمسكون بزمام أمور الأهالي ويبدون أصحاب الرأي الأول والأخير في كل ما يتعلق بالقرية إذ يقومون بتضليل الأهالي وايهامهم بقصص غريبة، متخذين ما شاء لهم من الوسائل، وهكذا فإنهم يمارسون فساداً يبررونه بالخوف من شرور المدينة وأهوالها، وهي الشرور التي طالت بعضا منهم حين فقدوا بعض أحبتهم، الأمر الذي أحدث مرارة في نفوسهم جعلتهم يتركون الحياة ويديرون ظهورهم لها مكتفين بحياة بدائية بسيطة تعود بهم الى قرون مضت.

قد يكون تحليلي للفيلم مبالغا فيه لكنها الطريقة الوحيدة التي اهتديت لها لتبرير تناقضات الفيلم وترهاته التي لم تتوقف على مدى الساعتين، من بين تلك التناقضات كون القصة تدور في العام 1897، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع المشهد الذي نجده في المدينة، وإن كنا لم نرَ منها سوى القسم المجاور للقرية، إذ كيف يمكن أن تدور مجريات هذه القصة في القرية منذ أكثر من قرن مضى بينما تبدو الحياة في المدن وكأنها تمت لفترة تأتي بعد ذلك بسنوات طوال، تقاد فيها سيارات كالتي شاهدناها في الفيلم، وتنتشر فيها محميات برية محاطة بأسوار عالية، وتتوفر فيها مضادات ومراهم لمعالجة الالتهابات يتم الاحتفاظ بها في ثلاجة حديثة تقبع في أحد أركان مكتب حديث؟!

إذاً، يجب أن يكون الأمر كما ذكرت أي ان المخرج قدم الزمن بصورة رمزية تحمل ايحاء معيناً وتنقل فكرة المخرج عمن عزلوا أنفسهم عن حياة المدنية خوفاً من شرورها.

عموماً، اعتمد المخرج اساليب غريبة لعرض قصة الفيلم مستخدماً تقنيات عدة منها طريقة الفلاش باك التي اعتمدها لكشف عملية التضليل التي يقوم بها الأعيان، كذلك اعتماد عنصر المفاجأة وان كان لم ينجح في ان يفاجئنا ولو لمرة واحدة.

أما أفضل ما فعله المخرج فهو أنه قام بحرف اتجاه الفيلم وتحويل انتباه المشاهد من التركيز على «الذين لا نذكرهم» إلى قصة الحب التي تنشأ بين لوكيوس وايفي، بل وجعلها الأساس لظهور الكثير من المفاجآت.

من ناحية أخرى بدا أداء الممثلين جميعاً رائعاً ومقنعاً، جميعهم يتألقون من دون استثناء، وخصوصاً ادريان برودي (الذي ظهر سابقاً في فيلم The Pianist وهو الفيلم الذي حصل عنه على جائزة الأوسكار لأفضل تمثيل)، وهو هنا يبدع مرة آخرى في تقديم شخصية نوح، الأبله الذي يساهم في كشف الحقيقة، ولعل هذا الأداء الرائع هو ما يخفف من غضب المشاهد الذي قد تستثيره اساليب المخرج الغوغائية في عرض مجريات القصة وتفاصيلها.

أخيراً اذا كنت ترغب في زيارة عوالم أخرى لا تمت للحقيقة ولا الخيال بصلة فشاهد هذا الفيلم الذي يبدأ عرضه صباح هذا اليوم في دور العرض التابعة لشركة البحرين للسينما (سينما السيف وسار والجزيرة)، لكن إن لم يعجبك الفيلم فرجائي ألا تصب جام غضبك عليّ وعلى دار السينما، بل اعتبرها مغامرة من نوع آخر!

The Village 4002 القرية

تمثيل: جودي غرير، برايس دالاس هوارد، ويليام هبرت، جوكين فينيكس، ادريان برودي، سيجورني ويفر، بريندان غليسون.

كتابة النص والإخراج: نايت شيمالان

العدد 747 - الثلثاء 21 سبتمبر 2004م الموافق 06 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً