إن الزمان في واقع الأمر لا يتغير، وإن تغيرت الأوضاع ومجريات الأمور المختلفة فيه، فالزمان لم يتغير قط منذ عهد أبينا آدم وأمنا حواء - عليهما السلام - ولن يتغير ولن يتبدل الزمان، وسيبقى على ما هو عليه تتوارثه الأجيال كابرا عن كابر، حتى قيام الساعة التي لا ريب فيها وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
في الواقع وفي الحقيقة، الناس والبشر هم الذين يتغيرون من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع على مدى الزمان والأيام، وبمختلف الدهور والعصور، وتتغير أحوالهم وطبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وقد يتنكرون ويجحدون وينقلبون على واقعهم وواقع آبائهم وأجدادهم، ويسلكون طرقا وسبلا تختلف عما كان عليه آباؤهم وأجدادهم.
ومن الناس من يتخذ الدين مطية للوصول إلى مآربه وأهدافه، ولكنه عندما تصادفه الصعاب والمعوقات أو يحل به البلاء، أو يتعرض للمحن أو تتقطع به السبل أو يواجه المضايقات والضغوطات أو قد يتعارض الدين مع مصالحه وأطماعه الدنيوية، تراه يتنكر لهذا الدين حبا وطمعا في الدنيا الفانية، ومن طبيعة البشر التفاني في حب الدنيا وبهرجها وزخرفها والتشبث بأذيالها.
وكما جاء في أقوال الإمام الحسين (ع) والتي تعد من مأثورات الأقوال والحكم والأمثال، والتى يقتدى بها على مر العصور والأجيال، وهي تعكس واقع الناس في كل مكان وزمان: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يدرّونه ما دّرت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون». وهذه هي طبيعة الناس الذين يبيعون آخرتهم بدنياهم، لا يراعون ذمة ولا ضميراً تاركين الدين وراء ظهورهم، طمعا في حب الدنيا وزيفها، وهم لا يتعلمون الدروس والعبر، ولا يتعظون بما حدث لمن قبلهم من الناس الذين نهجوا وساروا على الدرب والطريق نفسه، وهذا هو شأن كل الطغاة والمستكبرين على مر العصور، وعلى مدى التاريخ حتى تقوم الساعة.
ومع تغيير أنظمة الحكم في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وتطبيق أنظمة سياسية طبقتها دول أخرى في الغرب والشرق، واتخذت بعض الدول من الدين الإسلامي الحنيف منهجا وتشريعا لها في الحكم، وهو ما يعرف بالنظام الإسلامي، وجمعت بعض الدول بين النظام الإسلامي والنهج الديمقراطي في تسيير دفة الحكم. ونتيجة ما آلت إليه الأمور في الكثير من هذه الدول، فإن قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أميركا، أصبحت تتدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في شئونها الداخلية، وتفرض عليها الوصايا وتطالبها بالتغيير الذي يتماشى مع رغباتها وأهوائها، وهو ما تطلق عليه بإصلاح أنظمة الحكم في تلك الدول، وتطالبها بإطلاق الحريات العامة وتطبيق الديمقراطية ليتسنى لها بسط هيمنتها وسطوتها، ومطالبتها بما هو أكثر من ذلك، وهو التدخل في كل كبيرة وصغيرة، كتغيير المناهج الدراسية، وإلغاء بعض السور القرآنية من تلك المناهج التي تحض وتدعو إلى الجهاد، وهو ما تدعيه - أميركا زورا وبهتانا - بأنه يحرض على تبني الإرهاب.
فهم يريدون أن يخدعوا الشعوب ويقولون لها: لقد تغير الزمـــان، في حين أنهم يكذبون ويسعون إلى تغيير العادات والتقاليد، والمبادئ والمعتقدات التي تؤمن بها تلك الشعوب، ويعملون على حرفها وإبعادها عن التمسك بدينها والالتزام بمبادئها ومعتقداتها، ضمن مخططاتهم العدوانية لمحاربة الإسلام والمسلمين والقضاء عليهم. قال الله عز وجل في محكم كتابه العـزيز «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون» (التوبة - 32).
محمد خليل الحوري
العدد 832 - الأربعاء 15 ديسمبر 2004م الموافق 03 ذي القعدة 1425هـ