كلما أذكركِ أذكر أني كنت أما لملاك... كلما أذكر هاتيك العيون... أذوب بها حتى الجنون... رحلتِ عني يا ابنتي ومازال صوتك الخافت يصل صداه إلى مسامعي.

رحلتِ ومازالت ابتساماتك و نظراتك تحلق بين عيني... مازالت تمتمات صوتك ترن في أذنيّ... مازالت أحلام المنام التي أراها هي نفسها التي كانت قبل رحيلك... لقد احتواك تراب الأرض باكرا... باكرا جدا يا بنيتي. كنتِ -بين عينيَّ- أجمل طفلة بين أطفال الدنيا حتى وإن لم تكوني. كانت عيناك الجميلتان تجوبان بي في فضاءات الدنيا وتشعراني بأن الكون رحب وجميل... وجهك البريء لا يفارق مخيلتي، و كيف يفارقني وأنا أراك في كل ركن من أركان الغرفة، كيف وأنا أرى وجهك في وجه كل طفلة؟

منذ أن وعدتُ برحيلك وأنا لم أعرف معنى الارتياح... لم أعرف معنى الأمن والأمان... لم أعرف معنى الاستقرار... لكن كان هناك شيء أكبر من وعودهم وتكهناتهم، وهو الأمل مع الدعاء؛ أعظم نعم الله تعالى على عباده وهما سلاح كل مؤمن في هذه الحياة... والحمدلله على هاتين النعمتين العظيمتين فلولاهما لما استطاع الإنسان أن يعيش لحظة واحدة. ولكن على رغم كل شيء يبقى القضاء والقدر وتبقى إرادة الله تعالى هي الغالبة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن... وتبقى التقادير الإلهية مرسومة لكل حي قبل أن يكون، فهذا قدرنا أن نفارقكِ، وهذا قدركِ أن ترحلي إلى مقر راحتكِ إذ لا خوف عليك ولا هم يحزنون...

وكيف الخوف و أنت رحمة بين يدي رحيم... كيف الخوف وأنت بين يدي من هو أرحم بكِ من أمكِ و أبيكِ... كيف الخوف وأنت ملاكٌ طاهر من أي ذنب أو خطيئة... فإلى جنان الخلد يا ملاكي الصغير... إلى جنان الخلد حيث لا تعبٌ ولا مرضٌ ولا سقم... إلى جنان الخلد حيث لا حزنٌ ولا همٌ ولا غمٌ ولا ألم.

اللهم لك الحمد حمدا دائما أبدا لا تحصي له الخلائق عددا، اللهم لا اعتراض على حكمك وقضائك، اللهم إنا رضينا وارتضينا بما كتبت لنا، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ونسألك العفو والعافية، اللهم ارحمها وارحمنا برحمتك واجعلها شفيعة لي ولأبيها يوم القيامة واجمعنا بها في جنانك وعوضنا عنها خيرا وصبرا وثوابا يا أرحم الراحمين.

والدتكِ التي لا تقوى على نسيانكِِ

أم فاطمة