حاتم طرابلسي، اللاعب التونسي الدولي مسلم متدين، ولكن هذا الظهير الأيمن الذي يلعب في أحد أعرق الفرق الأوروبية فريق أياكس أمستردام، هو يهودي بالنسبة إلى مشجعي فريقه، على رغم أن طرابلسي لا يسر لسماع هذا الكلام ويفضل دائما عدم التعليق. وحمل مشجعو فريق أياكس ذات يوم لافتة كتبوا عليها باللغة الهولندية "Trabelsi is een Jood". ومعناه "طرابلسي يهودي". وشوهدت هذه اللافتة مرفوعة بين فرقة مشجعي الفريق الذين يختارون مكانا معينا في ملعب فريقهم الكائن في طرف مدينة أمستردام.
وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن هذا الوصف أعلى تقدير شرفي، لأن مشجعي فريق أياكس أمستردام يحتفلون دائما بفريقهم على أنه فريق يهودي وينشدون أغنية حين يلعب فريقهم على أرضه: قم وانتفض إذا كنت يهوديا. ويرسم هؤلاء نجمة داوود على أجسادهم ويرفعون الأعلام الصهيونية. منذ وقت بعيد تعاني إدارة الفريق من الحرج بسبب هذه الظاهرة الغريبة على ملاعب كرة القدم في أوروبا، ولكن في الفترة الأخيرة اشتدت الرغبة في التوصل إلى حل وسط يقنع جمهور الفريق بالكف عن تهويد الفريق ورفع أعلامه عوضا عن أعلام الدولة العبرية.
وبصورة أصح، ترغب إدارة فريق أياكس أمستردام في التحرر من سمعته بصفته فريقا يهوديا، وأن يتم التركيز على نشاطاته الرياضية. وتعتبر هولندا على الصعيد السياسي مؤيدة للدولة العبرية، ولكن الممارسات التعسفية والمنافية لحقوق الإنسان التي تقوم بها منذ زمن بعيد ضد الشعب الفلسطيني أدت إلى تغيير كبير في تعاطف الأوروبيين مع الدولة العبرية.
ويعتقد المراقبون أن هؤلاء يستغلون مباريات فريق أياكس أمستردام التي تنقل وتعرض في أنحاء متفرقة من العالم لاستعراض أعلام هذه الدولة. ولأول مرة أشار مسئول كبير في الفريق إلى ضرورة وقف استغلال شعبية الفريق الرياضية لأغراض سياسية، إذ قال رئيس الفريق جون جاكي في كلمة ألقاها مطلع العام انه "ينبغي وضع حد لهذه الظاهرة التي تجعلنا نبدو كفريق يهودي".
بعد الحرب العالمية الثانية انضم أعضاء يهود إلى النادي بينهم يوري جورونيل الذي لقي أعضاء من أسرته حتفهم في معتقلات النازية وكان يشغل منصبا في إدارة فريق أياكس أمستردام في الفترة من 1989 حتى العام .1997
وفي الغضون، أصبح جورونيل عضوا فخريا في الفريق، ولكن هذا ليس كافيا من وجهة نظر مشجعي الفريق الذين يصرون على منح فريقهم هوية يهودية ويجلس هؤلاء خصوصا في الجناح F ويرفعون نجمة داوود. وشكا لإدارة الفريق كثير من اليهود الذين يشعرون أن تصرف مشجعي فريق أياكس أمستردام يسيء إلى ضحايا الهولوكست، واستخدام نجمة داوود بهذه الطريقة يعيد إليهم ذكريات أليمة.
واضطر جورونيل شخصيا إلى حث المشجعين على وقف تهويد الفريق من دون نجاح. وصارح جورونيل صحيفة "هيت بارول" الصادرة في أمستردام أنه طلب عقد اجتماع بين إدارة الفريق وممثلين عن المشجعين لمناقشة هذه المسألة، وأضاف قائلا: "ليست هناك ضرورة لوصف الفريق بأنه يهودي، فهذا الفريق لم يكن في تاريخه يهوديا".
وبالنسبة إلى جورونيل الذي لم يسبق أن أثار هذا الموضوع في السابق، فإن هذه السمعة تضر بالفريق. وكتبت صحيفة "ألجمين داجبلات" الصادرة أيضا في أمستردام عن ماضي الفريق الذي برز بصفته أعرق وأقوى فرق كرة القدم في أوروبا إبان عقد السبعينات، وضم بين أبرز نجومه الهولندي الطائر يوهان كرويف، إن الهوية اليهودية أتى بها اليهود بعد الحرب العالمية الثانية الذين انضموا لفرقة المشجعين ووجدوا من يقدرونهم كثيرا من لاعبين يهود في الفريق أمثال سياك سفارت وبيني مولر وجاب فان براغ الذي كان في مرحلة الانتصارات الكبيرة رئيسا للفريق. وكان جاب فان براغ نجا من النازيين الألمان خلال احتلالهم هولندا خلال الحرب العالمية الثانية حين ظل مختبئا في مكان ما حتى انتهت الحرب بهزيمة ألمانيا النازية. كما استغلت جهات يهودية مدعومة من الدولة العبرية المباريات التي يلعبها فريق أياكس أمستردام على ملعبه لإبراز أعلامها في إطار حملة إعلامية مدروسة. في نهاية المطاف كسب الفريق هوية يهودية حتى أنه "المشجعين" اليهود يطلقون على كل لاعب جيد في فريقهم لقب يهودي حتى لو لم يكن يهوديا لأنه في السابق كان البعض حين يشتمون أحد لاعبي أياكس أمستردام كانوا ينادونه باليهودي.
في الغضون، يستغل جمهور الفرق المنافسة لأياكس في الدوري الهولندي هذه الصفة للاستهزاء والسخرية من جمهور أياكس، وتجمع الصحف الهولندية على أنه غالبا ما تنشأ مشادات تستخدم فيها عبارات تنم عن معاداة السامية. بالنسبة للجالية اليهودية في هولندا هذه هي المعضلة، إذ يزج مشجعو أمستردام أنفسهم باسم اليهود في نزاعات مع جماهير الفرق الأخرى ويدفعونهم إلى إهانة الهوية اليهودية.
وتعتبر مدرجات ملاعب كرة القدم في هولندا ساحات للشجار، كما يحسب للمشجعين الهولنديين حسابات أمنية عندما يرافقون منتخب بلادهم وفرقهم الوطنية للعب في الخارج. كما تفرض إجراءات أمنية مشددة حينما يزور مشجعو أياكس أمستردام ملاعب فرق منافسة في الداخل، وخصوصا ملعب الخصم اللدود لأياكس فريق فاينورد روتردام، إذ يستقبل مشجعو فريق روتردام مشجعي أياكس بتحية "هاي هتلر" أي يعيش هتلر، بداية حملة استفزازية لحاملي الأعلام الصهيونية.
وأبلغ جورونيل الصحف الهولندية أن بعض مشجعي الفرق المنافسة ينادون أيضا باسم "حماس" خلال المباراة، كما يصيحون بصوت يشبه صوت تسرب الغاز إشارة لمقتل الكثير من اليهود داخل حمامات الغاز في معسكرات الاعتقال. باعتقاد جورونيل ان تصرفات مشجعي فريق أياكس أمستردام تسيء لليهود وللفريق في آن واحد معا.
وكتبت صحيفة "هاندلزبلات" الألمانية الصادرة بمدينة دوسلدورف تقول ان العنف في الملاعب الهولندية يزيد كثيرا عما عليه في الملاعب الألمانية، وقالت الصحيفة إنه لا يمكن القول ان مشجعي فريق أياكس حمائم وديعة، إذ يثيرون الشغب عندما يزور فريقهم مدينة روتردام للتباري ضد فريق فاينورد ويعبثون بأمن المناطق القريبة من أرض الملعب. كما يستخدم مشجعو أياكس حوادث الحرب العالمية الثانية أيضا لاستفزاز مشجعي فريق فاينورد روتردام. فهم على سبيل المثال يحتفلون في المدرجات بذكرى تدمير روتردام على أيدي سلاح الجو الألماني في مايو/أيار العام 1940 .
وتسجل وسائل الإعلام الهولندية أن هناك ما يشبه الانشقاق يجري بفعل التصرفات في الملاعب بين أبناء الشعب الهولندي. فشباب روتردام يبغضون شباب أمستردام والعكس صحيح. وشكت الصحف الهولندية مجتمعة من تضاؤل التسامح والتعقل، وكذلك الشعور بالانتماء لوطن واحد. فشباب روتردام يطالبون مشجعي أياكس أمستردام الهجرة إلى الدولة العبرية. أحيانا تفلت زمام الأمور. فخلال لقاء كروي تم في عاصمة هولندا "لاهاي" بين فريق أدو ومنافسه بي أس في ايندهوفن الذي نشأ فيه النجم البرازيلي رونالدو قبل انتقاله إلى برشلونة الإسباني في التسعينات، طلب عمدة مدينة لاهاي وقف المباراة قبل عشر دقائق على نهايتها بسبب تبادل جمهور الفريقين عبارات عدائية كل طرف يندد بالآخر.
منذ وقت، تحاول إدارة فريق أياكس أمستردام الفائز مرات كثيرة بمسابقات كروية أوروبية وصاحب الرقم القياسي بالفوز ببطولة الدوري الهولندي، إقناع مشجعي الفريق ليتخلوا عن منح الفريق هوية يهودية.
وقال يوري جورونيل ان نسبة النجاح في ذلك ليست قوية، ولكن ليس أمامنا مفر غير مواصلة مساعينا. الفرق الألمانية لم تسلم من استفزازات الجوقة اليهودية المرافقة لفريق أجاكس. ففي اللقاء الذي تم في ألمانيا بين باير ليفركوزن وأياكس في إطار مسابقة دوري أبطال أوروبا تدخل إداريو فريق أياكس في اللحظة الأخيرة وسحبوا لافتات من مشجعي أياكس كتب عليها: "اليهود ينتقمون من النازية".
وفي الشهر الجاري، سيتوجه المنتخب الألماني إلى روتردام للتباري وديا مع نظيره الهولندي. لا أحد يتحدث عن لقاء ودي. فحين يقف لاعبو الفريقين على أرض الملعب، تعود ذكريات الحرب لتلقي أوزارها وتهيمن على الحدث
العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ