العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ

قراءة في قانون الآثار البحريني الجديد للعام

إن التراث الثقافي المادي «الأثري» لأي بلد، هو دلائل مادية على هوية أرضه وشعبه. والاهتمام بهذا التراث وصيانته هو دليل على الانتماء الوطني للبلد الذي يضمه. وهذا الاهتمام بشكل أولي لا يتأتى إلا بوجود قانون صارم يضمن لهذا التراث سلامته وحمايته. والحكومات التي تعي أهمية تراثها دائماً ما تسعى الى تنفيذ مواد قوانينها على أتم وجه ساعية إلى ردع ومنع أي اعتداء على ما تملكه من تراث أثري.

والبحرين بتاريخها العريق الموغل في القدم، بلد يمتلك كماً هائلاً من المواقع الاثرية والمباني التاريخية والتراثية والتقليدية، يبلغ عمر بعضها أربعة آلاف سنة، ومنتشرة على مساحات واسعة من أرض البحرين. ولكن ما تتعرض له هذه الآثار في البحرين من تخريب وتدمير وإزالة بشكل مستمر بين الفينة والأخرى جعلني أتساءل: لماذا لا تسعى الحكومة الموقرة إلى وضع قانون لحماية هذه الآثار من التعديات الحاصلة عليها؟ ولكنني صدمت عندما تقصيت ووجدت أن البحرين تمتلك قانوناً تم إصداره حديثاً في العام تحت عنوان «قانون حماية الآثار». ولكن هذا ارجعني إلى السؤال مرة أخرى: إذا كنا نمتلك قانوناً لحماية الآثار، إذاً لِمَ هذا التدمير المستمر للآثار، أهو عيب في القانون نفسه أم في تطبيقه أم جهل لدى المجتمع البحريني بأهمية هذا التراث الأثري؟ وهذه الأسئلة المستمرة هي ما دفعتني إلى البحث عن هذا القانون وقراءته لعلي أجد أين الخلل.

وعندما قرأت هذا القانون أعجبني عموماً، ولكن كانت لي فيه عدة وقفات ألا وهي:

أولاً: أرى أنه من الأفضل تغيير اسم القانون «قانون حماية الآثار» إلى «قانون حماية التراث الثقافي البحريني»، فهو اسم أعمّ وأشمل لا يقتصر فقط على الآثار وإنما يشمل أيضاً المباني التاريخية والتراثية والمباني التي تمثل التراث المعماري للبحرين وكذلك المكتشفات والمقتنيات الأثرية والتراثية، بالإضافة إلى التراث غير المادي مثل العادات والتقاليد والألعاب والملابس الشعبية. وبناءً على تغيير الاسم يتم تغيير مضمون القانون ليضم ما سبق ذكره.

ثانياً: القانون ينقصه في بدايته فصل مستقل يضم تعاريف دقيقة للكلمات والمصطلحات الواردة في مواد القانون، بالإضافة إلى مفاهيم المصطلحات الأثرية. ومن بين هذه المصطلحات التي تحتاج الى التعريف بمفهومها «الموقع الأثري، المنطقة التاريخية، المبنى الأثري، المبنى التراثي، الترميم، الصيانة، التطوير... إلخ»، إذ إن القانون لم يتطرق سوى إلى التعريف بالفرق بين «الآثار الثابتة والآثار غير الثابتة» في المادة رقم ().

ثالثاً: التواريخ الموجودة في المادة () والتي تحدد العمر الذي يمكن اعتبار الشيء فيه أثراً، غير واضحة المقصود، وجاءت في القانون بالنص الآتي: «يعتبر أثراً أي شيء... ما يرجع تاريخه إلى سنة ميلادية» وأيضاً جاء في القانون: «كما تعتبر من الآثار بقايا السلالات البشرية والحيوانية التي يرجع تاريخها إلى ما قبل سنة ميلادية».

رابعاً: يذكر القانون في المادة () أنه «يتعين عند وضع مشروعات المدن والقرى وأعمال توسيعها و... فلابد من المحافظة على المناطق والمعالم الأثرية فيها، طبقاً لما تقرره الجهة المختصة بالآثار». وهنا لي وقفة في أنه يجب استبدال عبارة «طبقاً لما تقرره الجهة المختصة بالآثار» بعبارة «طبقاً لما ينص عليه قانون حماية التراث الثقافي البحريني»، إذ لابد أن يخصص فصل مستقل في القانون يحدد مبادئ لضبط أعمال ومشروعات التخطيط الحضري والعمراني بالقرب من المواقع الأثرية والمباني التاريخية، وذلك من حيث احترام حدود المواقع والمباني الأثرية واحترام الوسط المحيط بها.

خامساً: تتحدث المادتان () و() عن تنظيم أعمال البعثات الأجنبية، وهنا يفضل أن تضاف إلى إحدى هاتين المادتين أن هناك إلزاماً بأن يكون ضمن أفراد فريق التنقيب شخص متخصص في صيانة ما يتم الكشف عنه من آثار. وهذا الشرط معمول به في بعض البلدان مثل جمهورية مصر العربية.

سادساً: يذكر القانون في المادة () في النقطة «ج» أنه يجب أن تلتزم البعثات الأثرية «بعدم إزالة أي جزء من المباني الأثرية المكتشفة أو إجراء أي تغيير فيها إلا بعد موافقة الجهة المختصة بالآثار» وهنا يفضل أن يستبدل الجزء الأخير من العبارة السابقة بعبارة «إلا بما يتناسب مع القوانين والمواثيق الدولية المتخصصة في هذا المجال».

سابعاً: بالنسبة إلى الفصل السادس (فصل العقوبات) الذي كنت أعتقد أن نقطة الضعف موجودة فيه، إذ وجدت أن ما نص عليه القانون من عقوبات هي كافية لردع أي اعتداء على أي معلم أثري في البحرين. ولكن في هذا الفصل يفضل أن يتم توسيع دائرة الأعمال المحظورة وأن يتم تحديدها بشكل دقيق حتى ولو كانت مخالفات التي يعتقد غير المختص بأنها أعمال بسيطة مثل لصق وعرض الإعلانات واللافتات أو رمي المخلفات أو إزالة الرمال من المواقع الأثرية أو حتى الأعمال التي ممكن أن تشوه السمات العامة للموقع أو المبنى أو المنطقة التاريخية. ويجب أن يحدد لكل عمل غير قانوني تجاه التراث الثقافي عقاب رادع.

ثامناً: أرى أن القانون يفتقر إلى مادة مهمة جداً وهي ضرورة العمل على رفع مستوى الوعي العام بأهمية التراث الثقافي البحريني، وهي مسئولية تقع على عاتق الجميع.

وفي نهاية قراءتي لقانون حماية الآثار البحريني، أجد نفسي أمام محورين أساسيين للمشكلات التي يتعرض لها التراث الأثري في البحرين وهما:

- عدم وعي المجتمع البحريني سواء الحكومة الموقرة أو أفراد الشعب بأهمية هذا التراث.

- تقاعس الأجهزة الرسمية في تفعيل وتطبيق هذا القانون، لكي يكون رادعاً لكل جاهل بأهمية هذا التراث.

نوال عبدالله منصور

العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً