العدد 1300 - الثلثاء 28 مارس 2006م الموافق 27 صفر 1427هـ

«كازا نوفا» أسطورة أم حلم جميل

يعرض حالياً في «السيف»

هل «كازا نوفا» شخصية حقيقية أم مختلقة؟ هذا ما يحاول الفيلم الإجابة عنه. فيلم «كازا نوفا» يعرض الآن في «السيف» ويتحدث بلغة ساخرة عن خرافة ذاك «الزير» الذي تعشقه النساء.

عاش «كازا نوفا» كما تقول الاسطورة في مدينة البندقية حين كانت أهم نقطة تجارية في حوض البحر المتوسط. هذه المدينة البرمائية شهدت الكثير من التحولات وتنافست الدول للسيطرة عليها وضمها إلى مناطق نفوذها. ففي البندقية تعايشت الاضداد. فهناك فن العمارة الساحر، وهناك جاذبية قوية للأغنياء والتجار، وكذلك هناك مجموعة كتل تضم الفقراء إلى الطامعين في الثروة والباحثين عن الفن والجمال.

في هذا الفضاء المشحون بالاضطراب عاش «كازا نوفا» وعاصر كل تلك التحولات كما تقول الاسطورة. فهذا الشاب الوسيم تركته أمه طفلاً عند جدته ووعدته بأنها ستعود يوماً إليه وتأخذه. وذهبت الأم ولم تعد وكبر الطفل في وهم الانتظار.

لعل الانتظار أسهم في توسيع دائرة مخيلة الطفل/ الشاب. فهذا الذي حرم من عطف أمه صقلته التجربة وحولته من طفل ينتظر الأم إلى شاب عاشق يبحث عن عطف المرأة. الحرمان من عطف الأم ايقظ ذاك الحلم الجميل وشكل تلك القوة الخفية الدافعة التي تتدفق بالحنان الذي لا تكفية امرأة واحدة.

«كازا نوفا» كما تروي الاساطير عن حكاياته عاش في القرن الثامن عشر حين شهدت أوروبا تحولات جذرية في حياتها الثقافية. ففي ذاك القرن ولدت حركة التنوير وبدأت تنتشر أفكارها في تلك الدائرة التي توسطت فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا. ومثل كل عصر يشهد فترة انتقالية من حال إلى أخرى تعرضت المدن إلى صراعات داخلية بين ماض يرحل ومستقبل لم تتضح معالمة.

قصة «كازا نوفا» واحدة من تلك الشخصيات الاسطورية التي انتشرت حكاياتها في العام 1753 وتنوعت وتشعبت لتطاول الكثير من زوايا الإنسان الخفية.

هل «كازا نوفا» شخصية اخترعتها المخيلة وتحولت مع الأيام إلى اسطورة أم أنها حقيقة عادية شاءت المصادفات أن تتخذها نقطة بداية لنسج حكايات تدور حول الجمال في مدينة تحيط بها سلسلة من المحرمات التي فرضتها الكنيسة؟

كل هذه الخيوط موجودة في الفيلم. فالسيناريو يتناول حالات المدن في فترة كانت الكنيسة الكاثوليكية تفرض نفوذها على عالم بدأ يشهد انكسارات في ثقافته السابقة والسائدة.

المخرج تعمد أن يروي قصة«كازا نوفا» في إطار مرح وفكاهي. فهذه الشخصية موجودة وغير موجودة. وهي إذا لم تكن صحيحة فإنها على الأقل تشكل حاجة إنسانية لكل فرد. فالاسطورة ليست بالضرورة أن تكون مختلقة ومتوهمة. فالاسطورة حين تعكس حاجة تصبح حقيقية تلبي رغبات مكبوته أو أهواء تريد العبث بالدنيا ولكن المحرمات تكبحها وتحد من خيالاتها.

المخرج لا يعطي جواباً عن الموضوع، فهو فتح المسألة على نهايات يمكن أن يتصورها المشاهد. فالسيناريو يلمح إلى إمكان وجود أكثر من شخصية لعبت هذا الدور وتوارثته عبر الزمن. فهناك احتمال إذاً... احتمال أن تكون شخصيات متداخلة لعبت هذا الدور وتقمصت شخصية «كازا نوفا» فتحولت الحكايات إلى اسطورة شعبية تتناقلها الاجيال من دون توثيق أو تحديد للمكان والزمان.

القصة بريئة وفي الان جريئة لأنها تتطاول على «قدسيات» كانت لاتزال أوروبا تعيش تحت وطأة كنيستها التي تتهم كل من يخالف رأيها بالهرطقة. «كازا نوفا» ليس مفكراً إنه مجرد عاشق. ومع ذلك كان مدار مطاردة لمخالفته تقاليد العادة. مجرد وجوده يثير المشكلات من دون قرار منه. انه معارض على نمطه. والنمط هذا غير مرغوب فيه وتطارده الكنيسة والشرطة والقضاء لا لسبب فكري أو سياسي وانما لشدة إعجاب النساء به.

الفكرة طريفة وغير واقعية ولكن الاسطورة سجلت حكاياتها المتنافرة والممتدة التي تصدق أولا تصدق... ولكنها حفرت في الذاكرة كصورة متوارثة يريد الكثير من الشباب تقمصها وتلبي في الآن حاجة كثير من العاشقات اللاتي يبحثن عنها ولو في المخيلة.

هذا هو «كازا نوفا». انه حلم جميل لم يتحقق وجمال الاسطورة ان تبقى كذلك في المخيلة.

نبيل عبدالكريم

العدد 1300 - الثلثاء 28 مارس 2006م الموافق 27 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً