العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ

سوء تنظيم و«عفسة»... هل يتلاشى «السوق المركزي»؟

المزارعون وباعة الفواكه يعيشون على الذكريات!

الساعة تشير إلى الرابعة والنصف فجراً... السكون يخيم على كل شيء، والحركة تكاد تكون مشلولة في الشوارع ما عدا بعض المركبات التي تمر مرور الكرام. اقتربنا من السوق المركزي، وكان في انتظارنا مشهد من نوع آخر.

عندما تصل إلى السوق المركزي، يتبادر إلى ذهنك سؤال واحد: ما الساعة الآن؟ فكل الدلائل تشير إلى أنك في وضح النهار، إلا أن الليل لما ينقشع بعد، ومازال يحجب بردائه أشعة الشمس التي تنتظر دورها... المواقف محجوزة بالكامل تقريباً، وأصوات الباعة تتعالى في كل مكان، مزارعون يحومون بما استطاعوا إخراجه من مزارعهم، وأناس ينسلون من كل حدب وصوب نحو سوق المزارعين... هناك من بعيد جداً، تسوقك روائح الخضراوات التي لاتزال تحتفظ بنضارتها، وكأنك تجول في بستان أو مزرعة كساها اللون الأخضر وافترشت تربتها بحلة ولا أجمل... وعلى رغم كل ذلك، وعلى رغم روعة المنظر هناك هموم يخفيها المزارعون البحرينيون الذين يعدون على أصابع اليد.

حتى طلوع الشمس...

يجلس الحاج أحمد أمام «كراتينه» بعد أن يصلي صلاة الفجر، العامل يرش خضراواته بالمياه ليبقيها نضرة غضة وطرية تسر الناظرين. اقتربنا منه وفتح قلبه قبل أن يفتح فرشته لنجلس ونتحاور عن حركة السوق ونعود به إلى الأيام الخوالي... «في كل يوم، آتي إلى سوق المزارعين عند المغرب، أصف الكراتين، وأحمل البضاعة التي تجود بها الأرض، وأغطيها وأعود إلى المنزل من جديد. في الصباح التالي، يوصلني ابني إلى السوق وأبقى حتى تطلع الشمس لأن أشعتها هي الأذان لانصرافنا».

ويتحدث الحاج عن ظاهرة غريبة في السوق بقوله: «قبل فترة ليست ببعيدة، قدمت إلى السوق ورأيت أن الكراتين والخضراوات مرمية على الأرض وآثار عجلات سيارة عليها، لا أدري فعلا من قام بذلك، ولكن ما حدث معي حدث لكثيرين من البحرينيين - وفي ذلك اليوم عدت مكسوراً إلى المنزل، على رغم وجود حراس في السوق، أو يقولون إن هناك حراساً لكن يبدو أن ما حدث لم يشهد عليه أحد أو لعل الجن فعلوا ما فعلوا... من يدري».

تنظيم سيئ...

يؤكد المزارع إبراهيم جعفر أن التنظيم في السوق المركزي معدوم، وخصوصا في سوق المزارعين، ويقول: «الموظفون المسئولون عن التنظيم في السوق ليسوا على درجة كبيرة من الكفاءة، ولا نبالغ حين نقول إنه لا يوجد مراقب أو مفتش فعلي في السوق». ويضيف «نحن نرى اثنين من المفتشين، يجلسان حالهم حال بائعي الخضراوات... من المفترض وجود تنظيم أكثر دقة، وخصوصا للباعة، على سبيل المثال وجود تراخيص محددة للباعة لمنع استشراء وجود الأجانب الذين أكلوا الأخضر واليابس».

وفي منتصف سوق المزارعين، استدعتنا مجموعة من المزارعين الذين افترشوا الأرض يأكلون التمر ويتسامرون ويتقاسمون هموم الحديث عن السوق... يقارن الحاج عبدالله حسن عبدالله بين الماضي والحاضر: «في السابق كنا نشاهد الحركة بشكل مختلف جدًّا عما نشاهده الآن، البائع البحريني لا يدري أين يذهب، ونحن الزبائن نحتار بين الباعة، وخصوصا إذا كانت البضاعة هي نفسها، ونعني بذلك أن الأجنبي يمكن له أن يبيع البضاعة بنصف السعر لأنه لا يرتبط بمصروفات أخرى، أما البحريني فيلتزم بسعر السوق وهذا ما أرهق البحرينيين».

عشوائية و«عفسة»!

يقول المزارع محمد محسن: «وضع السوق يحز في النفس»... أحد المزارعين يدخل على الخط «البائع والمزارع وصاحب البرادة أجانب، لماذا يسمحون لهم بتضمن الأراضي، ألسنا نحن الأولى بخير البلد». يعود المزارع محمد محسن من جديد وعن دور الدولة في ضبط وضع السوق يشير «الدولة تركت كما يقولون الحابل على الغارب»... يستدرك «الحابل على النابل»، لو تذهب إلى السعودية مثلا ترى السعوديين هم الوحيدون الذين يبيعون»! ولا يمكن قطعاً القبول بكلمته هذه بكل دقة! ففي كل دول الخليج، استشرت العمالة الوافدة في كل مكان.

ويتحدث محسن عن مسألة أخرى تؤرق المزارعين وهي رمي الخضراوات التي تبقى بعد طلوع الشمس، موضحاً إلى أن غالبية الخضر التي لا تباع في الفجر يضطر المزارع إلى رميها لعدم صلاحيتها للأكل، وخصوصا أن سوق المزارعين غير مسقوفة، فيضطر المزارعون إلى تجرع مرارة رمي محاصيلهم في الصيف حين تصهرها الشمس الحارقة، وفي الشتاء حين تغرقها مياه الأمطار!

مر الوقت سريعاً وانقشع السواد وبانت الشمس، وكانت تلك إشارة إلى المزارعين ليحملوا بضاعاتهم مزجاة في سياراتهم ويعودوا من حيث أتوا... مشهد المغادرة حزين للغاية، فبعد يوم تعيس كبقية الأيام كما يؤكد المزارعون، هاهم يجرجروا أذيالهم بعيداً عن سوقهم، حملوا همومهم مع بضاعاتهم في «بياكبهم» وحملوا آمالاً بالعودة في غد جديد، لعل وعسى يحمل هذا الغد أحلاماً جميلة...

بعضهم يتوجه إلى المنزل ويقنع بأقل من القليل، ويبيع ما تبقى له من مزروعات بأرخص من الرمل، وآخرون عقدوا اتفاقات مع بعض المطاعم ليبيعوا عليهم خضراواتهم بسعر مغر... ويستمر ركب الحياة.

سوق الفواكه... قصة أخرى

بعد أن غادرنا سوق المزارعين، توجهنا إلى سوق الخضراوات المسقوف والمعروف بالسوق المركزي الكبير. دخلنا فلم نشاهد وجوه بحرينيين، تعمقنا في السوق فالتقينا واحداً رفض أن يصور وأحجم عن التصريح باسمه لغاية في نفس يعقوب كما يقول. أشار بأصبعه إلى فرشات السوق وهو يردد «هنا كان الحاج فلان، وهناك فلان، وفلان وفلان، أما اليوم فلا يوجد غير كومار و...».

مشينا في زحام الفرشات، نبحث عن أي بحريني، وفي مطعم الباعة وجدنا ما كنا نبحث عنه... هناك كان الباعة يتبادلون أحاديث السوق، أحدهم كان يتحدث عن بائع الحلوى الذي مات وماتت مهنته معه، وآخر يتحدث عن بائع تركهم ورحل، وآخر يحكي قصة بائع طرد من مزرعته وظل ولده يبحث عن أي عمل في السوق رافضاً أن ينسى فرشة أبيه.

هموم وهموم... هي كل ما يملكه الباعة والمزارعون في السوق المركزي... فالمزارعون يئسوا من الحل بعد أن ملوا من انتظار فرج لم يأت بعد، ولكنهم صبروا لمجرد أنهم لا يملكون أي شيء آخر. وباعة فواكه يعيشون على ذكريات جميلة، وفتات الماضي، عله يرجع ولو بقليل مما عهدوه، ولكن هيهات هيهات أن يعود وكلهم يعرفون الحقيقة المرة..

العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً