وقفت على ثوبها الأسود الطويل، فحولت وجهها نحوي، ونظرت لي نظرة خزي، ثم قالت: يمكنك الابتعاد لو سمحت عن ثوبي؟
شاهدت حذائي الأسود الأنيق جاثماً فوق ثوبها، فرفعت رجلي من فوق ثوبها سريعا واعتذرت لها بصمت، ثم عدت أدراجي أبحث عن باب الخروج متخطيا هذا الكم الهائل من الضيوف.
شعرت بالخزي من نفسي، فأطلقت زفرة صغيرة ثم تنهدت وقلت في نفسي: أعاني من مرحلة النضوب في حياتي. أنا اذبل وأذوب، لقد ولت تلك الأيام التي تنتشي النساء برؤيتي، حتى أصبح أصحابي يتهربون مني أيضا.
استندت إلى حائط الملهى ودسست يدي في جيبي الأمامي وسحبت منه علبة دخان فاخرة ثم قلت: طبعا جميعهم حمقى... جميعهم. ثم رفعت صوتي بغضب عارم وقلت: اللعنة عليكم جميعاً. بالطبع كنتم ترافقوني من أجل الحصول على الحسناوات التي تفرحون مثل الحمقى بهن بفضلي أنا. ثم مددت يدي أبحث عن عود الكبريت، أشعلت سيجارة ثم قلت باستهزاء: ذاك المغفل عادل تزوج، أجل تزوج. ثم حركت فمي أقلد صوته الضاوي: أنا سأتزوج، أريدك أن تكون شاهدا على زواجي. ثم قلت غاضباً: أحمق وغبي!
رميت عود الكبريت فوق الأرض وطوقته بحذائي الفاخر حتى لا يشتعل المكان ثم قلت مجدداً: حتى انه لا يتذكر عندما كان يبكي تلك الليلة لأنه لم يستطع الحصول على ما أحصل. أجل كنت تحقد علي، تباً لك، الآن حياتك سعيدة مع زوجتك وحياتي أنا بائسة. أنا الآن ملك البؤس والحال الذي قد...
رميت السيجارة فوق الأرض، ولم أبالِ هذه المرة بإخمادها حتى لا تتسبب بحريق هائل كحريق شيكاغو العام 1871 الذي سببته بقرة غبية رفست مصباحاً كان في حظيرتها فتسببت بإحراق المدينة بأكملها ولمدة ثلاثة أيام متتالية.
سرت مبتعداً، سرت بخفة في شوارع ميامي، وقد بدا نور الصباح يتسلل، وبدأت الملاهي في الإغلاق، بينما بدأت محلات القهوة والمحلات التجارية استعدادها ليوم جديد من الربح الوفير من أجل السكارى الذين يعانون من آثار الشراب من الليلة الماضية.
هنا، نعم قضيت معظم حياتي أعبد شهواتي، وابتعدت عن وطني وأهلي وديني، ولم أحصد طوال هذه السنين إلا التعب والمشقة وعدم الرضا عن ذاتي.
ثم شعرت بإرهاق مفاجئ، فرميت بجسدي فوق حائط شاطرته مع متشرد كان يأكل فضلات العجين من القمامة. فبكيت بحرقة، انهمرت عيناي بالدموع فجأة: كيف حالك يا والدتي في مثل هذه الصباح؟ كيف أنتِ؟
ثم تنشقت الهواء، وشعرت بصدري يجثو فوقه طفل صغير، وابتسامة عذبة من أجمل جميلات الشرف التي لم تكن ترضي ظلال لذتي، فهجرتها. لا أصدق أني هجرت جنة أهلي ووطني، وقدمت إلى جهنم برجلي.
تلذذت بكل أنواع الرجس، وعفت ألذ اللحظات وحتى لم أتمكن من سماع أول كلمة نطقها ولدي: «بابا».
مرت عليّ جميع مراحل حياتي بتعس، لم أشعر فيها بالرضا عن نفسي، بينما كانت زوجتي المهجورة وولدي اليتيم بوالد مثلي وأمي الثكلى بولد عاق مثلي سعداء طوال غربتي عنهم، وعلى رغم الوجع الذي سببته لهم فهم يشعرون بالرضا والسعادة دوما. وأنا الذي هجرت حياتهم وجئت إلى هنا.
مضت أكثر من ستة عشر عاما وأنا في هذا الجحيم. رفعت جسدي من فوق الأرض بثقل، وذهبت إلى أقرب متجر قهوة وابتعت لنفسي قهوة قوية، علها توقظني من غفلة عمري التي غفيت فيها ستة عشر عاماً، توجهت مباشرة نحو شقتي وفتحت الباب بهدوء قاتل، وهرولت سريعاً نحو صندوق لم أفتحه منذ سنين طويلة حتى كساه الغبار. نفضت الغبار من فوقه وسحبت من داخله مصحفاً صغيراً ورفعته بيدي وهي ترتجف بقوة هائلة.
فاضت عيناي بالدموع فتساقطت فوق المصحف بغزارة، قربته نحو أنفي فاستنشقت رائحته العذبة، فشعرت برائحته تغسل قلبي كالماء البارد الذي يصب فوق الجروح فتهدأ أوجاعها، طوّقته بقوة فوق صدري حتى كدت أكسر عظام صدري، فقبّلته ووضعته فوق جبيني وأعدته إلى صندوقه. ونهضت سريعاً نحو حقيبة سفري معتزماً العودة لله وللوطن.
لكني توقفت لحظة، فكل حلة من بين ملابسي لها رائحة الحرام، وجميع أموالي خولطت إما بالربا أو بالقمار، فاعتزمت أن لا أعود لربي ولوطني ولأهلي بأي رجس. حملت جوازي ومصحفي فقط، وتوجهت مسرعاً نحو المطار عائداً غير مكترث بملابسي ولا أموالي الكثيرة، وقلت لنفسي: إن من منّ علي بنعمة التوبة العظيمة مِن بعد أن كنت في حضيض الأعمال سيمن علي برزق حلال سأرتضيه بخجل من ربي طوال حياتي. ودوى الصوت في أذني «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (البقرة: 160).
حواء الأزداني
ونزلت من فوق الحصان الجودري
هي ضربة في الصدر عند المنحر
حر أبي قد تلامس اسمه
بالفكر والرأي السديد المسفر
لم يعتنق فكر الطوائف وانبرى
للحق ينشده فنعم المنبرى
قد ضمه الإيمان في كلماته
أن يبيع حقاً بالأذية يشتري
فخرت به أرض المحرق كلها
وبمثل عيسى حقها أن تفخر
أن الرجال بنو الرجال تفوقوا
تركوا «أوال» في نحيب تعتري
أبكيك عيسى ما أهلت فكرة
قد كنت قائلها زماناً فاعذري
هذه هي البحرين وتلك رجالها
قد جددوا العهد القديم الأزهر
هم قد مشوا قدماً إلى أمجادهم
في حين غيرهم مشى للقهقري
علي سالم العريض
في مرة من المرات طلب مني أحد الأخوة التوسط من أجل إصلاح ذات البين بينه وبين صديق لنا حيث حصل سوء تفاهم بينهم نتيجة إصدار صديقي الحكم مسبقاً على صاحبنا دون أدنى تفكير بما سبب الزعل فيما بينهم. وأحسّ الصديق بأنه أخطأ بحق صاحبنا وأراد أن يعتذر منه وعليه أرسل له رسالة عبر الهاتف النقال يعتذر عما حصل ولكن لم يحصل على رد من صديقنا ولجأ إليه كوسيط بينهم وقصّ إليه القصة من أولها إلى آخرها وبعد انتهاء صديقي من قصته قلت له لو حصل الأمر معي أنا لزعلت أيضاً وذلك لأن العِشرة و الأخوّة والمحبة بيننا تذيب الفواصل وبالتالي يجب عليك أن تثق بصاحبك ثقة لا نقولها عمياء ولكن ثقة تجعلك تتوقف أمام أي خبر أو موقف ينقل لك عن صديقك وألا تتسرع بإصدار الأحكام... قلت لصاحبي إن موقفه هذا يذكرني بقصة أرسلت إليه عبر البريد الإلكتروني وتحكي القصة عن مدرسة دخلت يوماً ما صف في إحدى المدارس، وكعادتها قامت بتوجيه سؤال للتلاميذ حول عمل والدهم وطبيعة عمله وتوقفت أمام تلميذ: وسألته ماذا يعمل والدك؟... صمت التلميذ ولم يجب. فسألته مرة أخرى: ماذا يعمل والدك؟... فاكتفى التلميذ بالصمت ولم يجب! صرخت المعلمة في وجهه أمام التلاميذ، وقالت: يا غبي ألا تعرف ماذا يعمل والدك؟!... رفع التلميذ رأسه وقال: بلى! إنه نائم في قبره.
أحسّت بالذنب ولم تتمالك نفسها وأسرعت خارج الصف لأن الموقف كان أكبر منها. هكذا نحن في كثير من الأحيان نصدر أحكامنا دون أن نفكر في عواقبها وكثير من الأحيان نتسرع في كلماتنا ونجرح من أمامنا. وأيضاً علينا قبل أن نقوم بالرد أو الحكم على شخص من تصرف أو ما شابه ذلك، علينا أن نعطي فرصة للمقابل، لكي نتعرف ما الحكمة من تصرفه، لكي لا نندم.
مجدي النشيط
في حياتنا، عندما ينسدل الستار فجأة قبل انتهاء العمل، وعندما يتغير مجرى الأمور من غير تخطيط مسبق، تتبعثر فيها الأوراق، يقف ابن آدم حيراناً لا يعلم ماذا يفعل حينها، قد تسودّ الدنيا في عينيه وخاصة إن كان هول الأمر كبيراً عليه وليس بيده أي حل أو ليس بمقدوره عمل شيء، يتخبط يميناً ويساراً، وقد ييأس بسرعة فلا يجد حلاً لمشكلته، فيركز على أسباب المشكلة وقد يلوم نفسه أو يؤكد على ظلم الآخرين له. نعم... قد تكون مظلوماً أو تكون أنت المخطئ، فكلا الأمرين محتمل، نعم، يجدر بابن آدم أن ينظر نظرة ثاقبة في أسباب المشكلة، ولكن يجب ألا يقضي عمره كله يلوم نفسه أو يحمّل الآخرين مسئولية الظلم الذي وقع عليه.
يا ابن آدم، اعلم أن الله لم يغلق باباً إلا وأوجد ألف باب غيره، وإن كنت تنظر في مشكلتك وهمك فتسودّ الدنيا في عينيك فاعلم أنك في غرفة مظلمة، واعلم أن العالم به الكثير من الغرف، فتأكد أن في الغرفة المجاورة بصيص أمل، وكل ما هو مطلوب منك أن تنظر إلى الصورة كاملة فتستدرك الحلول ولا تيأس وتوكل على الله.
كن دائماً مبادراً بالحلول لأية مشكلة عندما تحدث ولا تكتفي بالحديث عن المشكلة، كن إيجابياً في حياتك واستغل الصعاب لتبني شخصاً بداخلك لم تتعرف عليه بعد، شخصاً أقوى مما كان، ولا تركن للمشاكل والهم في الحياة فتكبرها، فلا تقل عندي هم كبير، وإنما قل يا هم عندي رب كبير، فالله إنما يمتحن الناس ليرى مدى إيمانهم وشكرهم وثقتهم به (عز وجل)، واعلم إنما الإيمان والشكر والثقة بالله ليس بالتوكل فقط وإنما بالعمل، فبادر بحلحلة همومك وتوسيع مداركك لإيجاد حل لها لثقتك بأن الله يقويك ويساندك، فاعمل وتوكل على الله فإن في الغرفة المجاورة بصيص أمل.
أم نور
كم استمارة لكم في هالزمن مليت
أنا كفو وما يوم ليكم قلت مليت
إذا إنتو مليتوا تراني ما مليت
يا ربعي وينكم رحتوا عني بعيد
ما ألقاكم أبد حتى في يوم العيد
يا زمن عيد الفرح بعجل لي عيد
لو إنتو تواسوني انچان ما مليت
أسمع بطاريه
أسمع بطاريه يا ليت القلب شافه
قالوا لي تعبان من زمان يا رحيم شافه
ومن الألم قالوا بعد ترجف اشفافه
ودي أظمه بالقلب يا ناس إله عنه
كم وكم عنه سألت كل البشر عنه
لي أرسلوا الجواب مادروا عنه
يا بخت من راح اله وبين الملا شافه
جميل صلاح
العدد 3318 - الجمعة 07 أكتوبر 2011م الموافق 09 ذي القعدة 1432هـ
اقتراح يا وسط
لماذا لا تضيفوا خانه جديده كما للتعليقات, لموضوع جديد بإمعان التسميه هذه (كشكول رسائل ومشاركات القراء)