قال تقرير لبيت الاستثمار العالمي (غلوبل) صدر مؤخراً (13 أكتوبر/تشرين الأول 2011)، وتناول فيه بقراءة تحليلية القطاع العقاري في دولة الكويت، إن قطاع العقارات السكنية سيواصل عمله مدعوماً بأسس قوية في ضوء المنظورين الاقتصادي والسكاني الإيجابيين في البلاد في الوقت الحالي. فالطلب على فرعي قطاع العقارات السكنية الخاصة والاستثمارية في ارتفاع مستمر نظراً إلى تزايد عدد السكان، إلى جانب ارتفاع معدلات الإشغال في الوقت الحالي.
أما بخصوص قطاع المكاتب، فقد أبقى بيت الاستثمار العالمي على نظرته المستقبلية السلبية للقطاع بسبب الفائض الحالي في المعروض من المكاتب، وانخفاض معدلات إشغالها وتراجع أسعار الأصول وقيمة الإيجارات؛ إذ يرى «أن الوضع سيبقى على حاله على المدى القصير، ما لم يطرأ تحسن ملحوظ في طلب الأعمال على المساحات المكتبية، وهو احتمال ضئيل.
كما توقع أن يبقى الطلب على قطاع عقارات التجزئة قوياً، وخاصة على العلامات التجارية الفخمة ومراكز التسوق الكبرى الحديثة التي تقدم إلى جانب أعمالها وسائل ترفيهية.
وجاء في التقرير أنه «من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الحقيقي للكويت بمعدل 4.4 في المئة في العام 2011، بعد نموه بمعدل قدّر بنسبة 2 في المئة في العام 2010، وانكماشه بمعدل 4.5 في المئة في العام 2009، كما يتوقع أن يسجل نمواً بمعدل سنوي مركب مقداره 3.8 في المئة حتى العام 2014. ووفقاً للبيانات الصادرة عن بنك الكويت المركزي، قدّرت مساهمة قطاع النفط والغاز بنسبة 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009؛ ما يشير إلى اعتماد البلاد الكبير على المواد الهيدروكربونية. بينما بلغت نسبة مساهمة قطاع التطوير العقاري في الناتج المحلي الإجمالي 3.8 في المئة، في حين قدرت نسبة مساهمة قطاع البناء والتشييد بنسبة 1.9 في المئة خلال العام نفسه.
من جهة أخرى، سجّل المؤشر الوطني لأسعار المستهلكين في الكويت ارتفاعاً بمعدل 28 في المئة خلال الفترة الممتدة من الربع الأول من العام 2007 حتى الربع الثاني من العام 2011، في حين سجل مؤشر المساكن ارتفاعاً بمعدل 36 في المئة خلال الفترة ذاتها. علماً بأن مؤشر المساكن قد سجّل أعلى ارتفاع له خلال الربع الثالث من العام 2007 مرتفعاً بمعدل 5.1 في المئة. هذا، وقد تباطأ معدل نمو التضخم الوطني بشكل ملحوظ منذ منتصف العام 2008 بعد فترة شهد خلالها ارتفاعات متتالية، نتيجة لتصاعد أسعار المواد الغذائية في العالم وكذلك أسعار المنتجات الزراعية».
المنظور السكّاني
بلغ إجمالي تعداد السكان في الكويت 3.6 ملايين نسمة حتى نهاية العام 2010. فقد تضاعف إجمالي عدد السكان بمعدّل سبعة أضعاف، مرتفعاً من أقل من 0.5 مليون نسمة في الستينيات إلى أن بلغ الرقم المسجَّل حالياً. هذا، وقد سجّلت الكويت نمواً سكانياً مضطرداً بمعدل 5.2 في المئة خلال السنوات الممتدة ما بين العام 2005 والعام 2010، في حين بلغ هذا النمو ذروته في العام 2007 عندما ارتفع عدد السكان بمعدل 9 في المئة، نتيجة تزايد النشاط التجاري، بينما وصل أدنى مستوياته في العام 2009 مسجلاً معدّل نمو مقداره 0.85 في المئة نظراً إلى انخفاض عدد المغتربين المقيمين في البلاد بمعدل 0.3 في المئة، في حين شهد العام 2010 نمواً سكانياً معتدلاً بلغت نسبته 3.6 في المئة. هذا، وقد سجلت الزيادة السكانية في الكويت نمواً بمعدل سنوي مركب مقداره 3.2 في المئة بين العام 2005 والعام 2010.
وشكَّل المواطنون الكويتيون ما نسبته 32 في المئة من إجمالي عدد السكان، أو ما يوازي 1.4 مليون نسمة، في حين شملت النسبة المتبقية السكان المغتربين. وكما هو الحال في الدول الخليجية الأخرى، يشكل السكان الذكور 60 في المئة من إجمالي عدد السكان، نتيجة ارتفاع عدد العاملين المغتربين من الذكور الذين شكلوا 44 في المئة من إجمالي عدد المقيمين في البلاد، في حين يتوزع عدد السكان الكويتيين بالتساوي فيما بين الإناث والذكور. من ناحية أخرى، يشكل المغتربون الذكور 62 في المئة من إجمالي حجم القوى العاملة في البلاد.
ويتميّز المنظور السكاني لدولة الكويت بسمة أساسية هي ارتفاع عدد السكان العاملين الذين يتألفون من أفراد تتراوح أعمارهم ما بين 15 و59 عاماً. ويمثل السكان العاملون 72 في المئة من إجمالي عدد السكان في البلاد، نظراً إلى ارتفاع عدد المغتربين العاملين والمقيمين في الكويت، وهو ما يشير بدوره إلى انخفاض نسبة الإعالة، وارتفاع نسبة إدرار دخل الفرد، والذي يتبين من الإنفاق الاستهلاكي المرتفع. وبلغت نسبة الإعالة الكويتية 32 في المئة حتى منتصف العام 2010، ومع ذلك، يشكل اعتماد البلاد على العاملين المغتربين مخاطر جسيمة تهدد النمو السكاني، ويثير حساسية شديدة تجاه الظروف الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للسكان الكويتيين، تعتبر محافظتا الفروانية وحولي أكثر المحافظات سكاناً. معظم سكان هاتين المحافظتين من المغتربين الذين يقيم معظمهم في أبراج سكنية شاهقة الارتفاع، تقع في المناطق التجارية ومناطق الأعمال وما حولها. من جهة أخرى، تعتبر محافظة مبارك الكبير أقل المحافظات الكويتية سكاناً، ومعظم سكانها من المواطنين الكويتين وهي تتسم بقلة النشاط التجاري. وفيما يتعلق بمدينة الكويت، التي تعتبر عاصمة دولة الكويت، فيبلغ عدد سكانها 509,692 نسمة، وهي تضم منطقة الأعمال المركزية (CBD)، إضافة إلى المؤسسات الحكومية والمناطق السكنية.
الأسس الاقتصادية لقطاع العقار الكويتي
يعتبر قطاع العقارات السكنية في الكويت أكثر القطاعات ازدهاراً، نتيجة تزايد عدد السكان ونقص المعروض من هذه الفئة من العقارات. فوفقاً لوزارة العدل الكويتية، ينقسم قطاع العقار السكني إلى قطاعين فرعيين: الأول، هو قطاع السكن الخاص، وهو من فئة السكن المستقل المخصص لأسرة واحدة، ويقع في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ومعظمه مملوك إلى المواطنين الكويتيين. ويعتبر القطاع السكني الخاص، أكثر القطاعات العقارية نشاطاً من حيث الكمية والقيمة المتداولة؛ إذ يحتل أكثر من 50 في المئة من إجمالي الصفقات المبرمة على مدى الأعوام الخمسة الماضية. وشهدت أسعار المساكن الجاهزة للانتقال إليها وقطع الأراضي المخصصة للسكن الخاص زيادة مستمرة، باستثناء فترة الربع الثاني من العام 2008 والنصف الأول من العام 2009، عندما سجلت أسعار الأراضي انخفاضاً طفيفاً، في أعقاب حدوث الأزمة المالية العالمية وما ارتبط بها من مشكلات واجهها القطاع العقاري. وكان هذا الاتجاه مدفوعاً بشكل كبير بزيادة أسعار الأراضي نتيجة ندرة المعروض الجديد من الأراضي المجهزة بالبنية التحتية الأساسية.
أما ثاني قطاع عقاري فرعي، فهو قطاع السكن الاستثماري، الذي يشمل المباني المشيدة على هيئة عدة طوابق مخصصة للتأجير. ويستحوذ على هذه الوحدات الاستثمارية السكنية، السكان المغتربون. عادة ما تكون معدلات الوحدات الشاغرة في المساكن الاستثمارية منخفضة بشكل ملحوظ؛ إذ تبلغ 5 في المئة، في حين ترتفع معدلات الإشغال بشكل كبير؛ ما يدل على ارتفاع الطلب على هذه الوحدات. وتترواح نسبة إيرادات تأجير المساكن الاستثمارية ما بين 7 و9 في المئة، وفقاً لموقع وعمر البناء والمرافق المتاحة به. وقد استحوذت المساكن الاستثمارية على المركز الثاني من حيث إجمالي كمية وقيمة الصفقات العقارية المبرمة، لتشكل ما بين 35 إلى 40 في المئة من إجمالي الصفقات المبرمة على مدى الأعوام الخمس الماضية.
من جهة أخرى، سجل قطاع العقارات التجارية أكبر خسارة بسبب الفائض الكبير في المعروض منها والذي دخل إلى السوق خلال الربع الثاني من العام 2008 والنصف الأول من العام 2009. وتتأرجح معدلات العقارات التجارية الشاغرة عند مستويات تتراوح ما بين 20 و25 في المئة، فيما انخفضت قيمة الإيجارات في عديد من المباني بأكثر من 50 في المئة للمتر المربع، مقارنة بأعلى مستوى لها خلال الربع الرابع من العام 2008. إضافة إلى ذلك، انخفضت أسعار بيع العقارات التجارية وخاصة في منطقة الاعمال المركزية (CBD) في عاصمة الكويت، بمعدلات تترواح ما بين 50 و60 في المئة بسبب المعروض الجديد الذي دخل السوق. وفي الربع الأول من العام 2011، أعلنت الهيئة العامة للاستثمار (KIA) اعتزامها تخصيص مليار دينار كويتي لاستثمارها في السوق العقارية التجارية المحلية، في محاولة منها لتحقيق التوازن في هذا القطاع الذي يشهد ركوداً من خلال ضخ سيولة مالية جديدة، مع استمرار الحالة المعنوية السلبية للمستثمرين بشأن هذا القطاع. وفي رأينا، سيظل القطاع العقاري التجاري يسجل خسائر بسبب الفائض في المعروض الحالي على المدى المتوسط. وباعتقادنا أنه حتى لو وصلت أسعار الأصول، وقيم الإيجار إلى حالة من الاستقرار في المستقبل القريب؛ إلا أنه لا توجد في الأفق أي علامات جوهرية تشير إلى احتمالية ارتفاع أسعار العقارات التجارية.
على صعيد عقارات التجزئة، تعتبر منطقة السالمية من الناحية التاريخية، مركزاً تجارياً للكويت؛ إذ تضم مجموعة متنوعة من مراكز التسوق الصغيرة ومتوسطة الحجم إضافة إلى الأسواق التقليدية. وتمتلك الكويت أكثر من 50 مركزاً للتسوق من مختلف الأعمار والنوعيات توفر 681 الف متر مربع من المساحة الإجمالية المتاحة للتأجير. ومن الناحية التاريخية، كانت معدلات الاستخدام والإشغال مرتفعة في هذا المراكز، نظراً إلى نقص المعروض من مساحات التجزئة الحديثة، غير أن هذا النموذج من العقارات، يشهد حالياً تحولاً تدريجياً؛ إذ توافرت مراكز تسوق أكثر حداثة؛ ما سيتيح وضع حد أقصى لقيمة الإيجارات في مراكز التسوق القديمة والأسواق التقليدية.
وتحقق جميع مراكز التسوق تلك معدلات إشغال مرتفعة؛ ما يدل على ارتفاع الطلب على منافذ التجزئة الحديثة. ونعتقد أنه على رغم وجود مراكز تجارية جديد تحت الإنشاء في الوقت الحالي والتي يتوقع أن تدخل السوق في غضون العامين المقبلين، فإن الطلب على عقارات التجزئة الفخمة سيبقى قوياً وخاصة أنها لا تمثل مراكز للتسوق فحسب، بل أنها تعتبر أيضاً إحدى الوجهات الترفيهية الجذابة للغاية للزائرين. ونرى أنه مع وجود شريحة كبيرة من السكان الشباب الكويتيين، مع توافر دخل مرتفع للفرد نسبياً سيوفران لقطاع التجزئة العقاري المحركات الأساسية اللازمة لنموه في المدى المتوسط
العدد 3332 - الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 23 ذي القعدة 1432هـ