العدد 1398 - الثلثاء 04 يوليو 2006م الموافق 07 جمادى الآخرة 1427هـ

فيلمان عربيان يدفعان حدود الصراحة الثقافية

«ماروك» و«يعقوبيان»

فتاة مراهقة تلبس بلوزة ضيقة وتنورة قصيرة تقف قرب أخيها وهو يصلي، لتسأله «هل أنت مريض؟»، «هل وقعت على رأسك؟ هل أصبحت متطرفاً أصولياً الآن؟». لكن شقيقها، الذي أصبح أخيراً مسلماً متديناً، يتجاهلها. تسير إلى باب غرفة نومه، وتصرخ «أبي، أمي، أريد فقط أن أخبركما أن ابنكما أصيب بالجنون».

هذا واحد من المشاهد الكثيرة في فيلم «ماروك» الذي يرى المشاهدون المغاربة أنه إما هجومي بشكل غير ضروري أو صريح بشكل جريء.

وفي مصر بدأ فيلم رُصدت له موازنة ضخمة ( ملايين دولار) ويشارك فيه عدد من النجوم في مجريات توتر حتى قبل عرضه على شاشات السينما. الفيلم هو «عمارة يعقوبيان»، الذي يعرض هذا الشهر ليعري الكثير من الحقائق المزعجة التي تواجه مصر اليوم، من بينها التطرف الإسلامي والفساد الرسمي ووحشية الشرطة وعدم المساواة في الطبقات الاجتماعية والنوع الاجتماعي.

بوجود ضغوط داخلية وخارجية على العالم العربي لإدخال المزيد من الليبرالية، أصبحت الأفلام السينمائية مخرجاً رئيسياً لحرية التعبير وشكلاً من أشكال اختبار العادات التي تنمو وتتطور. وهكذا اصبح مخرجو الأفلام المصرية يدفعون حدود الانفتاح والتأثير، مثلهم مثل النشطاء والصحافيين وأصحاب مواقع «البلوغر» الذين يختبرون هذه الحدود.

يقول رئيس مهرجان القاهرة الدولي للسينما شريف الشوباشي «الأمور بدأت تتحرك في العالم العربي وأصبح الناس يشعرون أكثر فأكثر بأهمية وجود حرية التعبير، والسينما بالتأكيد ستعكس ذلك».

فيلم «عمارة يعقوبيان» المأخوذ من رواية تحمل الاسم نفسه يحيك معاً حوار عدد من الشخصيات، بما فيها عسكري إسلامي ورجل أعمال فاسد وصحافي مثلي. الفيلم يحكي قصة مصر الحديثة ومشكلاتها من خلال سكان بناية يعقوبيان، وهي مبنى موجود فعلاً في وسط القاهرة. المبنى السكني الفخم الذي شيّد العام لسكن النخبة البرجوازية في القاهرة تداعى بحلول تسعينات القرن الماضي، وقد اختير لتصوير الفيلم فيه.

تقول الناقدة ماري غضبان «الفيلم صريح وخلافي أكثر بكثير من أي فيلم شاهدناه حتى الآن»، أما منتج الفيلم عماد الدين أديب فيؤكد أن «هذا هو هدف الفيلم» وان «عمارة يعقوبيان» «ليست هذه مجرد قصة حب تتناول وانت تشاهدها البوب كورن والكولا وتذهب إلى بيتك، بل إنك أمام فيلم يصيبك بالصدمة. إنه فيلم يدعو إلى الصحوة والتنبه إلى أن هناك أمراً خاطئاً» الفنانة يسرا التي تؤدي احد أدوار الفيلم والمشهورة لدرجة تجعلها تستغني عن اسمها الثاني تعلق بأنه «عندما يرى المصريون هذا الفيلم يتوجب عليهم إعادة النظر في حياتهم ليعرفوا كيف يتجنبوا الأخطاء نفسها مرة أخرى. نحن بحاجة للصدمة حتى ندرك مدى سوء الأمور وتراجعها وسرعة ذلك التراجع».

وبحسب قول النقاد فانه على رغم أن الفيلم يتعرض لأمور كثيرة تعتبر ممنوعة، فإن أكثر ما يثير الاستغراب فيه هو أنه نجح في تخطي الرقابة المصرية من دون حذف لأي من مشاهده وحواراته، بل إن رئيس الرقابة المصرية علي أبو شادي يقول إنه أحب الفيلم فعلاً.

ويواصل «انه فيلم جيد. إنه ينتقد الحكومة والتطرف والشذوذ الجنسي، ونحن لا نريد أن نغلق أعيننا على هذه الموضوعات».

على رغم ذلك، وبنسخته غير المقطعة، يتفق أبوشادي ومنتجو الفيلم على أن «عمارة يعقوبيان» قد يغضب الجمهور المصري والحكومة المصرية على حد سواء ويهينهما. وبحسب قولهم فإن الأصوليين الدينيين قد يحتجون على الصورة التي يعرض فيها الفيلم الإسلام، وقد يناقش آخرون أنه يعطي صورة سيئة عن مصر، كما سيرى البعض أن قضية الشذوذ الجنسي الواردة في الفيلم ستشوه سمعتهم.

مثله مثل «بناية يعقوبيان»، حصل «ماروك» على الضوء الأخضر من الرقابة الرسمية، وبحسب الكاتب في مجلة فرنسية أسبوعية جديدة كريم بوخاري يعتبر هذا القرار جزءاً من إدخال الليبرالية إلى المغرب تحت حكم الملك الشاب محمد السادس، وهو يعكس «سياسة رسمية للحكومة المغربية للتسامح في هامش ضيق من الحريات في المجالات الابداعية».

أما عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض عبد الاله بنكيران، فيرى الأمر بصورة مختلفة، إذ إن القرار، بالنسبة إليه، اتخذ من قبل أناس يعتقدون أنه «من أجل محاربة التيار الإسلامي يتوجب إغراق الشباب في جو من الإغواء والفسق».

مخرجة فيلم «ماروك»، ليلى مراكشي التي تعيش الآن في فرنسا تقول إن الفيلم يدور حول مراهقتها، وتضيف «هذه أمور عشتها أو حكايات أخبرني بها أصدقاء. الفيلم هو سيرة ذاتية لكنه شخصي، إنه أمر أعرفه جيداً».

ويحكي فيلم ماروك قصة حياة مراهقي الدار البيضاء الأغنياء، الذين يشربون الكحول ويدخنون الحشيش ويمارسون الجنس في السيارات، وهو يكسر حدود قائمة طويلة من الممنوعات السينمائية، كما أن بطلته ريتا ترفض الصيام في رمضان، وتقيم علاقة مع شاب يهودي.

قبل عرض الفيلم على شاشات السينما بفترة طويلة، كان موضع نقاش حاد بين القوى والتيارات العلمانية والليبرالية والمجموعات الإسلامية في المغرب، إذ أشاد أنصار الفيلم به كإثبات على تنامي حرية التعبير.

يقول بوخاري «في مغرب تحدث أمور كثيرة لا يتم الحديث عنها أو عرضها، قد تكون مغايرة للقوانين الإسلامية والتقاليد الاجتماعية. ونحن لا نتحدث عن هذه الأمور لأنها ممنوعات، ولأننا نخاف. هذا الفيلم يساهم في إثارة حوار، وهو حوار مبرر نحييه ونسانده».

لكن أعداء الفيلم انتقدوه لأنه جرح وأهان المشاعر الدينية المغربية، يقول بنكيران «هذا الفيلم صدم جميع سكان المغرب، إنه فيلم لا يستحق المشاهدة ويتوجب عدم التصريح بعرضه في بلد مسلم».

أما حزب العدالة والتنمية فقد طلب من الحكومة منع الفيلم، يقول عضو البرلمان الممثل للحزب الإسلامي عبدالقادر عمارة «هناك قانون في هذا البلد، هناك قانون واضح جداً. لا نستطيع التصريح بعرض أفلام تهاجم دين المغاربة، وعليهم أن يطبقوا القانون».

مراكشي تقول إن الخلاف على الفيلم أخذ أبعاداً لم تكن تتوقعها «لم أكن أقصد الصدمة أو الإثارة. أردت أولاً وقبل كل شيء أن أسرد قصة، وكنت على معرفة تامة بأن هناك موضوعات حساسة».

وتضيف مصرة أنه «يتوجب على الناس مشاهدة الفيلم قبل مقاطعته. عليهم أن يتحدثوا عن الفيلم وليس عما يحيط به».

ينشر المقال بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند

العدد 1398 - الثلثاء 04 يوليو 2006م الموافق 07 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً