العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ

منتديات… بلوغرز المسموم يودع فلوسه والثور يهرب بالصندقة

كتب عضو منتديات شبكة الدراز الشاملة «القلم المتأمل» في منتداه هذا الموضوع:

الحاج علي المسموم رجل من الدراز ينظم إلى مجموعة الظرفاء الفكاهيين الكثيرين في هذه القرية الطيبة، أخوه المرحوم خليل المسموم الذي مرت قصته مع الراديو المحروق، علي المسموم يمتلك من الروح المحلقة الخفيفة الظل الشيء الكثير وبعمق كبير وبتلقائية غير محدودة، سريع البديهة في الاستجابات للمواقف، وهذا يدل على ذكاء هذا الرجل، علي المسموم نحيف الجسم ضئيل القامة، بصره ضعيف جداً لا يكاد يرى من حوله، ولكنه مثابر على عمله. استأجر له «صندقة» صغيرة تقع أسفل سلم خشبي كبير في الزاوية الغربية الشمالية لسوق اللحم القديمة والمطلة على سوق الخضرة القديمة في وسط المنامة، موقعها الحالي فندق نصف القمر المشاهد لفندق صحاري من الشرق. الحاج المسموم يبدأ عمله الصباحي بتبكير النارجيلة إذ يجلس متكئاً على رجليه النحيفتين ويمد يديه (يهبش) بحثاً عن الدوة أو البنقلة، ويوقد له ناراً مع الفحم الأسود. يمسك النارجيلة ليمارس معها معزوفة النفيخ والشهيق، فتخرج موسيقى يترنح له قلبه فتلتصق خدوده اليابسات مصفقة مع بعضها، ودخنة عميقة محبوسة في فمه تخرج من فمه وأنفه كلما توقف برهة لتستقيم المعزوفة بشكل متوازن، بعدها يخرج ما في جوفه من دخان عميق، كدخنة منجم فحم، فحين ما ينتهي مرتوياً يضع قلمة النارجيلة التي يجذب منها الدخان على خده كأنما يقول لها قد اكتفيت وشكراً، وهي عادة لكثير من المدخنين، فها هي ساحرة القلب توضع في زاوية الصندقة لحين خطب ودها بعد خمس أو عشر دقائق أخرى لتعود حليمة لعادتها القديمة، فتكون تلك الصندقة دخنة في دخنة وتساوي «برابك»... يعود المسموم إلى جلسته مرة أخرى عند باب «الصندقة» على هيئة نصف جلسة وعلى رجليه النحيفتين ودرزن من الجح المتوسط ونصف درزن من البطيخ البحريني أخرجهما من الداخل ووضعهما على مدخل الصندقة، يرتقب من يقول له على الأقل السلام عليكم، بكم هذه الجحة أو البطيخة (كوة، معونة)... ولكنه لا يسمع إلا أصوات بائعي الخضرة والشراة وأصوات بعض الغنم المتكررة وصوت بقرة بين فترة وأخرى تدلع لسانها بصوتها المدوي (امبآآآآآع)، فكلما سمع المسموم صوت البقرة رجع إلى آلته الموسيقية (النارجيلة) ليمارس طقوسه معها. صوت البقرة هي المنبه الوقتي له، فالمسموم لم يدر ان معه مستأجراً آخر في تلك «الصندقه» يأكل ويشرب مجاناً وقد انتفخت تلافيفه وغدا كطبل منفوخ، لم يشعر إلا بملامسة رجليه، ونداوة ماء الجح السائل من بعض الزوايا وبرائحة القشور البطيخية التي آل على نفسه بتثقيبها، وكأن هذا المقيم قد أدرك ضعف حال الرؤيا لدى المسموم فآمن واطمأن بإقامة مستديمة وبعقد طويل المدى حتى إشعار آخر أو استبدال هذا المشروع في ذلك الفندق العجيب فندق البطيخ والجح الأحمر، إنه حارس «الصندقة» الفأر العجيب... جاء رجل يقود ثوراً سميناً فلم يجد موقعا إلا أن يربط الثور الراهي في خشبة قوية خارجة من «صندقة» المسموم، وبسلام المعرفة المتعود عليها، وبفحوى قبوله باستضافة الثور لحين رجوع ذلك الرجل من شراء بعض المستلزمات، ومن ثم عرض هذا الثور للبيع والمساومة... الثور الراهي كأنه تعرف على شخصية المسموم فأراد أن يؤدي له التحية بأشكال مختلفة، فمرة يركل برجليه المتينتين على الأرض كأنه يقول له (سلاآآآآم خذ) فيصطلب المسموم في مكانه واجماً خائفاً مرتبكاً لا يستطيع الخروج من الباب، ومرة أخرى يهز رأسه لتلامس قرونه بخشب «الصندقة» فتنبهت قوته ويتيبس في مكانه، وهو يقول متحلطماً: «يا من شرا له من حلاله علّه»، والفأر يمارس تثقيبه للجح والبطيخ، ضاحكاً من موقفه، وما كادت تلك البقرة البعيدة تدلع لسانها بذلك الصوت إلا وتأهب للنارجيلة لكنه يجلس مكانه متيبساً لا يقدر الوصول إليها مادام الثور يؤدي له التحية بطريقته الخاصة، وتزداد كثافة الحركة وخصوصاً بعد سماعه صوت تلك البقرة، وهو يقول: «ويش اسوي انا في عمري، وين اروح على راسي؟ والله غربال اتغربنا بهلبلوى، الناس اتبيع وتشتري وانا زبايني الفيران والبقر والغنم ولفواره بعد»، سمع الثور تحلطُم المسموم وكأنه قال: «الجلسة أمام هذا الحجي ما تييب فايدة، الظاهر عليه (فقر في فقر) لازم اشوف لي حل لأصل لتلك البقرة»، قام الثور بثورة هائجة فمرة يضرب برجليه الشارع، ومرة يحك بقرونه «الصندقة» التي لخلخها، ومرة يصدر أصواتاً كأنها صافرة إنذار، ومرة يضرب برأسه الخشب، ومرة يميل بجسده الضخم عليها، والمسموم (متزيبك) لا يدري كيف يتصرف، يحاول يخرج من باب «الصندقة»، فبمجرد يخرج رجله اليمنى يعفر الثور فما تراه إلا ودفع بجسده النحيف للوراء، ثم ما يلبث بإعادة المحاولة بحذر وتحسس شديد يسبقه الثور كي يرعبه ويقوم بجعجعة الصندقة «يخضها خضاً» عنيفاً متواصلاً، فتزداد حركته بسماعه صوت البقرة، ها هو الصوت يخرج مرة أخرى. وأخرى. وأخرى، والثور يلخلخ «الصندقة» بكل قوة، بكل جرأة، وبعنف غير عادي، ازدياد، هيجان بقوة التمايح، يمنة ويسرى، وباستخدام القوة الباطشة، والمسموم يقول: «راحت لرواح ياعلووه، راحت لرواح... آه، آه يابويي، إلحقوونييي، إلحقووونيييي تعالوووا ياليواد، اسمعوني ياليوآآآاد، ياليواد وين أولي على رأسي»... الصوت والحركة تزداد، أنين المسامير، بكاء الخشب، تمايل الأخشاب، حزيز الحبل، طقطقة التكسر، الموقف مرتبك، الشعور يزادد توتر، القلب يعلوه النبض، الصدر يخفق من زفير وشهيق، «الصندقة» تتمايح، تتأرجح، تتحرك، تتحرك، أكثر، فأكثر، هي الآن تنسحب، لا لا لا «الصندقة» تمشي، تمشي والمسموم في الوسط قد انكشفت له السماء، وبانت الشمس والضياء في الصندقة، نظر يميناً، شمالاً، أمامه، وراء، لم يعد يسمع الثور: «يا إلهي، ياربي ويش صاير، لا يكون هرب بصندقتي، هذا الضوء في عيني قوي. لا يكون انشالت الصندقة؟!، فزع من مكانه قائما بصورة غير إرادية هب يتحسس أخشاب الصندقة بشكل ملفت للنظر، لم يجد إلا الجح والبطيخ يتعرقل فيه ويسقط، والفأر حين أحس الخطر فر هارباً وقد ألغى إقامته فورا وأعلن الرحيل، هنا صرخ المسموم قائلاً: «ياليوآآآد، الفور هرب بصندقتي، الفور شال صندقتي، إلحقووونيييي، الثور الهائج طار بـ (الصندقة)»، وسط الشارع والكل يركض وراءه وصوت الخشب يدوي، والناس في ضحك وفي عجب واستغراب، دهشة، تسمر في الأرض، ضحك، قهقهات، أصوات متداخلة، ازدياد في الكثافة، ابتعاد لا إرادي، ومن بعيد تنحشر الصندقة في أحد الجدران فتتكسر بعضها، وتظل ردهة كبيرة يجرها ذلك الثور وسط الهياج، والمسموم يركض معهم بإحساس الأقدام واصوات النعلة، قد اختفى في الزحام، وغاب صوته في الهياج، غترته افتلت ودوست بالأرجل والأقدام، يركض على إحساس الصوت ولا يدري أين الاتجاه، مجموعة اتجهت في ممر ضيق، وأخرى في طريق مغلق، وأفراد في اتجاه معاكس يفاجأون بثائرة لم تخطر على البال، ومن بين الجوانب تسقط مجموعة من الأفراد، إذ دب الخوف والفزع، وعدم إدراك الموقف الحاد، فهناك هندي قد سقط على الأرض وطار إزاره المعتاد، وهناك آخر قطعت «زنوبته» ولاذ بحائط وجدار، توقفت السيارت والشاحنات، وارتبك المرور، فما تسمع إلا الأبواق، وما تلحظ إلا الصراخ، (الحقو، الحقو)، أغلقت المتاجر الأبواب، تناثرت الأغراض والأدوات، كيف يتم إيقاف الثور المغوار، من يستطيع الوقوف أمام هياجه والكل خلف النوافذ والقضبان، والمسموم قد سجل في محضر الأرقام قصة أعجب من الخيال، وواحدة من نوادره لا ينسى لها بال، قد حفرت في الذاكرة يروي بيانها الأستاذ، ملحمة أخرى ينظم عقدها لديرتي الدراز والثور سجل قضيته في محكمة الأشخاص، غابت «الصندقة» وراحت افلوسك يامسموم

العدد 1430 - السبت 05 أغسطس 2006م الموافق 10 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً