العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ

الصائم و«عقدة الذنب»

في شهر رمضان يقف العبد أمام خالقه، وأمام محكمة الضمير ليعيد كل حساباته، وهو يسترجع مسلسل المواقف الخاطئة التي ارتكبها تجاه ربه وتجاه مخلوقاته... الضمير يبدأ بالتكلم، و«النفس اللوامة» تبدأ بالحديث: «نعم، أنا أخطأت في حق والديَّ، في حق أبنائي، في حق زوجتي»، وهذا ما يسمى في علم النفس بـ «عقدة الذنب»، أن تُشعر نفسك أنك مذنب في حق الآخرين، ويسمى في الفقه القرآني «التوبة النصوح»، كما يأتي الشعور بالذنب أحياناً بشكل جماعي كـ «حركة التوابين» التي حدثت في التاريخ الإسلامي. وتكون الآلية العملية نحو إصلاح الذات وتغيير النفس وابتداء كتابة الصفحة الجديدة مع الله تعالى «بأن تذيق بدنك ألم الطاعة، كما أذقته حلاوة المعصية» فراراً من يوم يُحبس فيه الإنسان المذنب «إن العبد ليُحبس على ذنب من ذنوبه مئة عام، وإن العبد إذا نظر إلى ذنوبه دمعت عيناه دماً وقيحاً». بعضنا ينظر إلى هذه الأحاديث بأنها أحاديث أساطير وميثولوجيا، بعضنا يذهب عاتياً ليكسر مصباح الهداية المعلق على الطريق المستقيم، ويلقي سجادة الصلاة إلى جانب النهر ليذهب بعيداً إلى حيث يتكاثف الظلام فراراً من كل هذه الغيبيات، ومنا من يفترش سجادة الصلاة، ونور الصيام يملأ صومعته ضياءً وإشراقاً، وهو يسبح لله وعيونه تفيض من دموع الحسرة على أيام أحرق فيها مراكب التوبة، وكسر فيها مصباح الصلاة. فالرسول (ص) يقول في خطبته لشهر رمضان: «فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم». شهر بإمكاننا أن نحوله إلى تظاهرة روحانية ثقافية اجتماعية تكافلية سياسية... روحانية عندما نروحن عالمنا ونضفي عليه الشعور بدلاً من المادية «السارترية» (نسبة إلى الفيلسوف سارتر)، وثقافية بأن نتعلم كيف نتحضر في الحوار ونصبح أكثر قرباً إلى الفكر المتوازن، واجتماعية بأن نعيد لُحتمتنا المجتمعية إلى ما كانت عليه، فنقوي صلتنا مع بعضنا بعضاً، عندما نضع الجرح المجتمعي على الجرح الاقتصادي فنصل إلى واقع أفضل وفق الشريعة السمحاء. حقاً إن شهر رمضان دعوة صريحة إلى العودة إلى القيم والمُثُل في عالم معلمن ومعولم تحكمه مقاييس حداثوية تفرض حواراً خاصاً «مسيّساً»، وثقافات مسيّسة، قد يضعف تسيسها عندما نقوم بأنسنتها، وعندما ننثر عليها شيئا من إشعاعات الضمير.

العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً