دأب أحد كتّاب صحيفة «الوسط» على تناول «فرضية» طبيعة العلاقة الزوجية الصحيحة والنموذجية (إن جاز التعبير) وذلك من خلال مقالات شبه أسبوعية يتحدث فيها بعفوية ويحث فيها الأزواج والزوجات على انتهاج الطرق العصرية/ الرومانسية/الحضارية للتودد لبعضهما ولاستقرار حياتهما.
عموماً، من خلال التعليقات التي تتعاقب أسفل المقال يُلاحظ ترحيب الكثير (النساء على الأخص) بتلك الاجتهادات و «الإرشادات» وطلب الاستزادة منها ظنّاً أو «رجاءً» منهن أن يكون لتلك الكلمات ما يسحر أزواجهن أو يغيّرهم للأفضل في الحد الأدنى.
إلا أنني أرى - وللأسف - أن مثل تلك المقالات تبدو محدودة التأثير والفعل على رغم جاذبيتها ورقيّها ووجاهتها، فأستبعد أن يقرأ أحدنا (من الرجال) مقالاً في هذا الشأن فينقلب رأساً على عقب ويتصالح مع زوجته ويحبها ويحترمها. لأن مسألة احترام الزوجة وحبها ومعاملتها بالحسنى تنبع من نفس الرجل وإحساسه وضميره قبل كل شيء، وهناك الالتزام الديني الواعي الذي يقيّد معاملة الرجل لزوجته - فيما إذا التزم به - على أساس قاعدة واضحة في قوله عزّ وجل «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» هذا إلى جانب بعض العوامل المؤثرة في أخلاق الرجل وطريقة تفكيره - وإن بصفة محدودة - كالتربية والبيئة والأسرة التي نشأ فيها الطرفان حيث يكون للتربية الأسرية أثر بالغ على نظرة الرجل للمرأة وطريقة تعامله معها، هذا بالإضافة للمستوى الاجتماعي والاقتصادي للزوجين.
كان أبي وهو من مواليد الثلاثينيات يعامل أمي باحترام ومودة وكان شديد الحرص على توفير جميع ما يحتاجه البيت من لوازم ومؤونة بما يفيض عن الحاجة أيضاً من دون أن تطلب أمي أو تشكو، وقد كان يتعامل مع بناته (أخواتي) بصورة حضارية راقية؛ بل ويفضّلهن على الأولاد من الذكور فكنّ محل رعايته وعطفه وحنوّه فيغدق عليهن بما يحضره في عودته للمنزل، بل الأمر الغريب أنه أقدم على إدخال (أخواتي) المدرسة - في ذلك الوقت - وتحمّل انتقادات واستنكار بعض أفراد أهل القرية المتشدّدين من الرجال الذين كانوا يحرمون بناتهم من التعليم ويُحرّمونه عليهن!
والدي رحمه الله كان بسيط التعليم ولكنه لم يكن مُثقفاً ولا من الملمّين بأصول (الرومانسية والشاعرية)! ولم نرهُ يقرأ كتاباً أو يتصفح صحيفة، ولكن سرّ كل تلك الممارسة المحمودة والخلق الكريم مع أهل بيته أنه كان يستمع بإنصات وتدبّر - يومياً تقريباً - إلى محاضرات الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله، التي كانت تبث عبر الإذاعة، وكان والدي يستشهد بما يقوله الوائلي أحياناً معتزاً به ومُلتزماً إياه. ومن يعرف أسلوب الوائلي رحمه الله وشخصيته الفذّة يدرك الأثر البالغ الذي يمكن أن يتركه على المستمع وخصوصاً عندما يكون المستمع حسن السيرة نقي السريرة وله رغبة مُخلصة في التعلّم والاستفادة.
لا أقلّل من شأن المقالات والطروحات التي تتناول القضايا الأسرية والعلاقة الزوجية، ولكن تلك تبقى نوعاً من التنظير والسرد الذي يمكن أن يرسم ابتسامة على شفة القارئ لدقائق لا تلبث أن تختفي وينتهي مفعول المقال وأثره، في حين تبقى كلمة صاحب المنبر ذات قدسية ومحل ثقة واعتزاز وخصوصاً إذا قُرنت بقصص وشواهد وروايات من السيرة الطاهرة للنبي وأهل بيته الأبرار وصدرت عن رجال يفعلون ما يقولون...
ختاماً، فإنه عندما يقول رسول الله (ص) «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه» فهو صلوات الله عليه يضع قاعدة شديدة الدقة والمتانة والحساسية للبنة التي يجب أن تُبنى عليها العلاقة الزوجية الصحيحة والمتماسكة، ذلك أننا نرى ونشهد بأعيننا أن كثيراً من الفتيات ممن تغفل عامل الدين والخلق في الزوج وتتساهل فيه وتهوّن من شأنه، فترتبط بشخص مُنحرف أو «شبه منحرف»!، فإنها تلاقي الأمرّين من ذلك الزوج فيما إذا نشب خلاف أو خصام بينهما إذ إنه يُمعن في تعذيبها وإذلالها و ظلمها فلا يراعي فيها «إلاًّ ولا ذمّة» والأمر ينطبق على الطرفين.
جابر علي
العدد 5350 - الأحد 30 أبريل 2017م الموافق 04 شعبان 1438هـ
كلام جميل في غاية الدقة
مقال رائع..