العدد 5382 - الخميس 01 يونيو 2017م الموافق 06 رمضان 1438هـ

الأخلاق ودورها في نهضة وبناء المجتمع

يعد مفهوم الأخلاق والمثل العليا التي جاءت بها رسالات السماء من المرتكزات الأساسية في نهضة وبناء المجتمع -لا تتقدم أو تنهض أمة بلا أساس أخلاقي تقوم عليه، ولهذا جاء الهدف من بعثته (ص) بقوله «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

فقد عنى بالأخلاق الحسنة الفاضلة، بدءاً بمبعثه الشريف، «هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» في إشارة هدف بعثته إلى إتمام مكارم الأخلاق.

الرسالة النبوية تستهدف تزكية نفس الإنسان التي تكمن فيها كل القيم الإنسانية، وتكون نجاة طوق واق له. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. فالأخلاق درع واق من العواصف التي تستهدف انهيار المجتمع، وشيوع المادة وطغيانها في العلاقات الإنسانية بين أفراده، ويحول المجتمع إلى مجموعة آلات تتحرك بلا روح تحكمه الغرائز، وتسود فيه قوانين الغابة بينما الأخلاق وكل الرسالات السماوية هي أساس صلاح المجتمع، ووسيلة رادعة لمحاربة الفساد والانحراف الأخلاقي.

قال تعالى «هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة» - يزكيهم يعني يطهرهم من الخبث والدرن والأنانية الجاهلية، وينشر العلم والمعرفة والحكمة، والحكمة هي الإصابة في الرأي والتفقه في الدين والعقل والعمل.

فمكارم الأخلاق ضرورة لا غنى عنها لأي أمة تصبو إلى الرقي وترنو إلى المعالي، ومتى فقدت الأخلاق التي هي روح جسد تلك الأمة، والتي تمثل البيئة الصحية الصالحة لتعايش الإنسان مع أخيه الإنسان.

إن أثر الإسلام في تهذيب النفس بالأخلاق، وحسن التعامل مع البشر في جميع مجالاته واضحة، والوصايا العشر التي في سورة الأنعام من القرآن الكريم شاهدة واضحة وجلية على حث المسلم لاحترامها، إلا أننا لم نلتمسها ولم نعيها إطلاقاً فهي مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.

عندما أهملت مبادئ الأخلاق، سادت الخيانة والغش والكذب والتطفيف من قبل التاجر، والسرقة وسفك دماء الأبرياء والتعدي على الحرمات وسلب الحقوق وغيرها.

إن الامتثال لقوانين العمل والإيفاء بالتزام المسلم بتعهداته كتسديد الدين، ودفع فواتير الخدمات، ومراعاة قوانين وتعليمات صاحب العمل، والمحافظة على المواعيد في أوقاتها هي من مكارم الأخلاق، كما يجب أخلاقياً أن لا يستغل الموظف وظيفته باستعمال معدات الشركة لصالحه دون موافقة رب العمل - مثل هاتف الشركة، الكمبيوتر والسيارة وغيرها.

والأخلاق في مفهوم الإسلام قوانين أخلاقية ثابتة يميز بها الحسن والقبيح، والحلال والحرام، والخير والشر. والمسلم يرى العمل حسناً حين يأمره به الله، والمسلم يؤمن بأن إرادة الله وراء القوانين، وهي التي تجعل الحسن حسناً، والقبيح قبيحاً. كلنا نعرف أن الرياء والكذب وخيانة الأمانة والنفاق من الرذائل القبيحة - العيب كل العيب الرياء في العبادات؛ لأنها يختص بها الله تعالى، يجازي العبد عليها ولا تحتاج إلى الشهرة.

عندما يتحلى الإنسان المسلم بهذه الأخلاق الحميدة، والشمائل الفاضلة سيكسب خير الدنيا والآخرة، فسيكون عابداً لله، وفي نفس الوقت يكون نافعاً لوطنه وأهله، لذلك يجب أن نخلص وجهتنا لله لا للرياء والغش والتزوير.

نود أن ننوه ولو اقتضاباً إلى أن مفهوم الحرية في الإسلام ألا يبقى الإنسان عبداً لشهواته، ولا عابداً لغير الله، وألا يخضع لسلطان غير سلطان الله، والحرية في الإسلام هي حرية جامعة شاملة تقوم على التحرر من قيود الجهل والخرافة والتقليد الأعمى لأصحاب المادة. كما لا يخفى على المسلم المتتبع لشئون ما يجري في العالم إن أبرز مفاهيم الإسلام أنه لا انفصال بين الدين والحياة، وبين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسد وبين الواقع والمثال. فالإسلام يرفض تمزيق الجبهة الفكرية بين الاقتصاد والسياسة، والاجتماع والدين، ويؤكد على بقاء كل هذه العناصر في اتجاه واحد، قوامه وحدة النفس الإنسانية.

علوي محسن الخباز

العدد 5382 - الخميس 01 يونيو 2017م الموافق 06 رمضان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:43 ص

      كلمات رائعة تتفق مع النفس والفطرة السليمة , اللهم صل على محمد وآل محمد .

اقرأ ايضاً