دمشق - الوسط
قبل عام جاء حدث 11 سبتمبر/ ايلول، ليهز العالم ومنذ لحظاته الاولى، افرز تداعياته على العالم بدوله وشعوبه. وكان بين هذه التأثيرات، تقدم الولايات المتحدة، وهي المتضررة بالحدث، لتقود العالم بحجة الدفاع عن النفس. وانضوت الدول الاخرى بما فيها الدول المتقدمة تحت القيادة الاميركية التي اعلنت «الحرب على الارهاب»، ولم تخرج على هذه القاعدة غالبية الدول العربية والاسلامية.
عام بعد ضربة سبتمبر، كان عاما رهيبا، حرب اميركية في افغانستان، واخرى اسرائيلية مستمرة ضد الفلسطينيين، وتهديدات بحرب ضد العراق... قد تقود المنطقة العربية إلى مستقبل غامض.
«الوسط» توقفت في دمشق مع عدد من المثقفين والكتاب وسألتهم، كيف ترون العالم بعد عام على سبتمبر؟
هيم كيلاني (باحث)
أدخلت حوادث 11 سبتمبر تغييرات مهمة على العلاقات الدولية وعلى مكانة الولايات المتحدة في العالم، فأصبحت الدولة القائدة في النظام العالمي بلا منازع، كما غيرت تلك الحوادث المؤلمة معالم النظام العالمي.
غير انه لا يمكن عزل هذه المتغيرات عن السياسة الاميركية، والتي شهدت تحولا مهما مع قدوم جورج بوش الابن إلى الرئاسة الاميركية واعلانه ما سمي بـ «مبدأ بوش» والمتضمن عدة نقاط، أبرزها القول: من ليس معنا فهو مع الارهاب والارهابيين، وإعلان الولايات المتحدة الحرب ضد الارهاب في كل زمان ومكان، وتبني الادارة الاميركية السياسات الاسرائيلية التي تقول: ان اعمال المقاومة الفلسطينية هي إرهاب، وان اسرائيل تدافع عن نفسها، وتشترك مع الولايات المتحدة في محاربة الارهاب.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المتغيرات، فرضت على العرب تحركات في مستويات مواقع كثيرة سواء ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، او بموضوع العراق، أو بعلاقات العرب الاقليمية والدولية، غير ان هذه التحركات مازالت اقل من المطلوب.
ادوارد حشوة (محامٍ وسياسي)
بعد 11 سبتمبر وبسببه اتخذت الولايات المتحدة تدابير قضائية وامنية لم تطبق سابقا وبدت غريبة عن المواطن الاميركي الذي اعتبر الحرية الشخصية مصونة والاكثر اتساعا في كل العالم.
في الدستور الاميركي حرية الكلام والطباعة والتدين والاجتماع والاعتقاد وحق تبديل الحكومة هي من الحقوق الاساسية بالاضافة إلى الحق في محاكمة عادلة اذ لا يجوز حرمان المتهم من توكيل المحامين ولا يجوز اكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه.
كل هذه الحقوق جرى تضييقها بعد 11 سبتمبر وصار بإمكان الشرطة ان تعتقل المواطنين على الشبهة ومن دون الحصول على الاحكام القضائية ويمكنها ترحيل من تشاء. وبالايجاز بدأت الولايات المتحدة بتطبيق احكام الطوارئ واعلنت الاحكام العرفية وتبعتها في ذلك كل الدول الاوروبية تقريبا بذريعة الارهاب وطبعا دفاعا عن الحضارة ومصالح الشعب!.
في دول العالم الثالث كان تأثير حوادث 11 سبتمبر محدودا لأن كل الدول العربية والاسلامية محكومة بأنظمة الطوارئ وتطبق فيها الاحكام العرفية منذ سنوات لدواعٍ تتعلق بالخوف على الانظمة من المعارضين.
ما حدث في دول العالم الثالث ان اميركا صارت مثلها في تحديد الحريات وحقوق الانسان بدلا من ان تصير مثلها قبل 11 سبتمبر..؟
نحن في العالم الثالث تعودنا على الاحكام العرفية وانظمة الطوارئ ولكنهم في اميركا واوروبا يصعب عليهم ذلك ولا يمكن ان يتحملوها إلا إلى حين مهما كانت المبررات السلطوية قوية.
حوادث سبتمبر أدت بلا شك إلى تراجع كبير في مستوى الحريات العامة وحقوق الانسان وأدت إلى دعم الاتجاهات المحافظة التي كانت تدعو إلى تحديد هذه الحقوق وأعطتها المبرر لاقامة سلطة قوية لا تتقيد كثيرا بالقوانين وتتصرف مثل الحكومات المطلقة في روسيا القيصرية أو في دول العالم العربي أو الإسلامي. كل شعار وكل حق بعد سبتمبر صار نسبيا على شرط المصلحة الوطنية التي تقدرها الحكومات.
حمدان حمدان (كاتب وسياسي)
مما لا شك فيه، وبعيدا عن تأويلات الحدث وما جرى في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر، إن الحدث بحد ذاته كان مدويا، وهو بحجم النقلة الأميركية التي أرادت ان تجتاح نصف العالم بذريعة الارهاب، اذ انصب الغضب الاكبر فوق العرب والمسلمين، وظهرت الكراهية الخفية قبل الحدث، والكراهية المعلنة بعده.
لم تحظ فلسطين بعداء الادارات الاميركية المتعاقبة بعد سبتمبر تحديدا، بل كانت تحظى بهذا العداء السافر، قبله بعقود طويلة، فالمذهبية المسيحية - اليهودية (البيوريتانية اللوثرية) التي كانت تعشعش في صدور الرواد الاوائل من الانجلو - ساكسون الذين كانوا اول من استوطن شرق الولايات المتحدة المطل على الاطلسي، كانوا يؤمنون بالتوراة ونبوءاتها، لا بالانجيل ومبدئه في التسامح، وكانت هذه العقائد بمجملها تدعو إلى إعادة اليهود إلى فلسطين (أرض الميعاد). وهذه النبوءة بشرطها اليهودي، كانت في عقيدتهم، مقدمة لعودة (المسيح اليهودي المنتظر) إلى مدينة اورشليم وهي بداية الالفية الثالثة، ولما قامت دولة اسرائيل في العام 1948، كانت الادارة الاميركية برئاسة هاري ترومان من اوائل دول العالم التي تعترف بقيام اسرائيل مع تقديم المعونات المالية والعسكرية.
ان شريط المواقف الاميركية حيال اسرائيل والعرب، حافل بما لا يقبل المزيد، ولعل حوادث سبتمبر كانت نتيجة لاختلال المكاييل في سياسات الولايات المتحدة الخارجية. فالاسلحة التي كانت تدمر الامة العربية في سلسلة الاعتداء الاسرائيلي المتعاقب منذ العدوان الثلاثي على مصر وحتى بلدة جنين بالأمس، كانت اميركية. اما المعونات المادية والمالية، فقد جعلت من اسرائيل دولة تعادل نصف الشرق الأوسط كما صرح إسحق شامير ذات يوم من ايام لقاءات مؤتمر مدريد في العام 1991.
اسهم الاستعمار البريطاني في تأسيس دولة اسرائيل، لكن اميركا هي التي رعت هذه النبتة بالسقاية والعناية، فالتعويضات الالمانية الاولى (الستينات) هي التي مكنت اسرائيل من الوقوف على قدميها، والتعويضات هذه، لم تكن لتخرج من خزائن بون (العاصمة الالمانية آنذاك) لولا الضغط الاميركي، اذ كل نقلة المانية آنذاك لا تتم إلا بموافقة دوائر واشنطن. اما ما جرى في سبتمبر، فانه يمكن ان يكون نتيجة لا سببا لذاته، فالعالم الآخر لا يكره اميركا لذاتها، بل لسياستها المتعاكسة تماما مع قيم اخلاقها التي ما فتئت تعلق عنها، مع ذلك فإن اميركا، مازالت تصم آذانها عن سماع اسباب كراهية الشعوب لها، وهي سنة من سنن اصحاب المصلحة الذين لا يستمعون إلا إلى رنين الذهب في جيوبهم.
عادل أبوشنب (صحافي وكاتب)
ما جرى في 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن كبير وخطير واستثنائي لأن المستهدف كان القطب الاول والاوحد في العالم، وهو ما استنفر معظم كتاب العالم وادبائه ومفكريه، بل ومثقفيه، ليدلوا بآراء فيه تراوحت على مدى سنة بين الاستهجان والاستنكار والتحامل والمطالبة احيانا بالقضاء على شعوب ومِلَل لمجرد ان افرادا فيها اتهموا بأنهم شاركوا في تلك الضربة الانتحارية الاستثنائية.
بالمقياس نفسه وقف كتاب عرب ومسلمون، ومفكرون ومثقفون ليقولوا ان الاتهام يحتاج إلى ادلة دامغة، وليؤكدوا ان الضربة، وإن كانت بذلك الحجم الهائل من التطرف، وربما من عدم المسئولية، تعبر عن قهر مكبوت ارسته سياسات لا واعية ولا مسئولة، أو واعية ومقصودة، صبت جام حقدها على الشعوب والِملَل التي كان ومايزال من ادبياتها ان تقول: «لا»، بملء الصوت، وبالجهر، للولايات المتحدة، التي تريد ابتلاع العالم.
من هذه الزاوية امكننا ان نشم رائحة التشفي في اقوال وكتابات وتصريحات مثقفي هذا الجانب من العالم، واظننا سنظل نشم هذه الرائحة، لأن الضربة الموجعة لم توقظ الولايات المتحدة ولم تردعها ولم تجعلها تتساءل عن الاسباب الحقيقية التي دعت شبانا من ملة معينة إلى التصدي بهذا العنف إلى جبروتها المتمثل، رمزيا، ببرجي التجارة العالمية، ومبنى البنتاغون.
إن تداعيات ما جرى في 11 سبتمبر سواء في افغانستان أو في فلسطين، التي يحاول شارون ذبحها بوهج الحادث الكبير وبالاحتماء بظلاله، أو في العراق التي ينوي بوش الابن، محوها من الخريطة، تجعل مثقفي العرب والمسلمين والشعوب المناضلة ابعد عن الاستسلام. وهذا يعني ان التداعيات بعد سنة على الحادث الاستثنائي، تقول ان المعركة مستمرة، وان الاقلام ستشحذ لفضح وتعرية وكشف سياسات استخدام القوة المسلحة ضد الشعوب الآمنة، بهدف ابتلاع نفطها وثرواتها وحريتها واستقلاليتها.
شوقي بغدادي (كاتب وشاعر)
اقدر ان هذا التاريخ فاتحة عصر جديد، اذ بات يشار إلى الحوادث بأنها وقعت قبل 11 سبتمبر أو بعده. وأهم ما يميز هذا العصر انه الزمن الذي تحولت فيه سيطرة القطب الاوحد على العالم من النظرية إلى التطبيق بأخطر وأفظع اساليب السيطرة المطلقة.
خضع العالم القديم اكثر من مرة لحكم الامبراطوريات الكبرى، غير انها لم تكن سيطرة كلية كما يحدث الآن على يد الولايات المتحدة وهي سيطرة توجد ردود فعل طبيعية ضدها من الافراد والجماعات والدول المغلوبة على امرها. وهي بدأت تشكل بدورها ولادة جبهة مقاومة عالمية لردع الغول الأميركي قبل ان يدمر سقف العالم وأعمدته على نفسه وعلى الآخرين.
بات «سبتمبر» يعني اكتمال حلقة الاخطار البيئية التي تهدد الحياة على كوكبنا كالتلوث، والتصحر، وتمزق طبقة الاوزون وغيرها من الاخطار إلى ان حدث ما حدث في 11 سبتمبر، وجن جنون الادارة الاميركية التي كانت تتوهم انها متحصنة داخليا ضد اي اعتداء. وها قد وقع. وبدأ معه العد التنازلي لنهاية الحياة على كوكب الارض... إلا اذا حدثت المعجزة. واية عملية انتهاز لهذه الحياة المنتهكة ستكون معجزة بلا ادنى ريب.
محمود عكام (مفكر اسلامي)
مرور عام على سبتمبر يجعلنا نتوقف عند مجموعة حقائق ودلالات، من بينها، ان الظالم ليس بمنأى عن جزاء ظلمه ولو من ظالم مثله او من آخر اشد ظلما منه. والظلم رذيلة الرذائل.
وانه آن للعالم ان يبحث عن صيغ للتعايش السلمي بمعزل عن آلة الدمار والحرب، وابعاد العالم عن الارهاب، والارهاب هو اعتداء على آمن غير ظالم، وان افظع ما يمكن ان يرتكب في حق الانسان هو بث الرعب والاضطراب والخوف. إن المجتمع غير الآمن هو اكثر المجتمعات تأخرا حتى ولو استخدم أرقى واحدث وسائل التقنية، فسعادة الانسان واسعاده بالعمل على استقرار داخله، وليس بترفيه جسده فحسب.
كما ان مرور عام على تلك الحوادث، يؤكد ان العرب والمسلمين بحاجة إلى مصالحة مع انفسهم، مصالحة تعني، ان نخرج من ساحة الادعاء والثرثرة إلى ميدان العمل والفعل، وأن نهجر دائرة التعالي الفارغ والتكبر السخيف والهرج السياسي والاتكاء على التاريخ، وأن نعترف بقصورنا وتقصيرنا وحاجتنا إلى غيرنا حتى ولو اختلف بدينه عنا.
وان يوقف العرب والمسلمون سيل الدماء فيما بينهم، وتوحيد انفسهم ضد عدوهم الواحد، وهو اسرائيل المعتدية الآثمة التي ما فتئت تجمع قواها ضد المسلمين والعرب
العدد 6 - الأربعاء 11 سبتمبر 2002م الموافق 04 رجب 1423هـ