رصدت الصحف اللبنانية والإسرائيلية التطورات الناشئة عن التهديدات الإسرائيلية، في شأن جر لبنان مياه الوزاني، ولوحظت حركة دبلوماسية أميركية ناشطة لاحتواء التوتر تمهيدا لحركة ميدانية تتولاها واشنطن في الأسبوع الجاري. في وقت أظهر لبنان تصميما على مواصلة مشروع الإفادة من حصته في الوزاني.
من ناحيتها اعتبرت الصحف الإسرائيلية، أن ملف المياه فتح بتشجيع من حزب الله، الذي تزعم أنه يهدف إلى إشعال الجبهة الشمالية بدعم من دمشق، وفيما شهد اليومان الفائتان محاولات اسرائيلية لإقناع الادارة الأميركية بضرورة اعتبار المشروع اللبناني لاستغلال مياه الوزاني استفزازا لإسرائيل، إذ اجتمع وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز، مع كبار المسئولين الأميركيين. ومن المفترض أن يكون قد وصل إلى واشنطن رئيس مصلحة المياه الإسرائيلية سابقا نوح كيزتي لتوضيح الموقف الإسرائيلي من وجهة فنية لفتت «جيروزاليم بوست» إلى المشروع الذي يثير غضب إسرائيل، ويزيد من التوتر على الحدود الشمالية، ناقلة عن مسئول إسرائيلي، «ان حزب الله يقف وراء هذا المشروع في محاولة من الأخير لإشعال الجبهة الجنوبية بدعم من سورية».
كما لفتت أيضا «هآرتس» إلى أن الأوساط اللبنانية تتحدث عن وصول خبراء مياه أميركيين إلى لبنان، وأشارت الأخيرة إلى أن السفارة الأميركية في تل أبيب، امتنعت عن تأكيد هذا الأمر، لكنها أبلغت وكالة رويترز، ان واشنطن تجري محادثات مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وعلى أعلى المستويات، من أجل التوصل إلى حلّ سلمي في هذا الشأن. وذكّرت الصحيفة الإسرائيلية، انه في الستينات، حاولت سورية ضخ المياه من نهر الأردن، وقد أدى هذا الأمر إلى مواجهات عسكرية محدودة مع إسرائيل. فيما رجح زئيف شيف في «هآرتس» أن تحجم الدولة العبرية، عن أي ردّ فعل عسكري في الوقت الراهن، رغم أن خبراء المياه الإسرائيليين، يرون أنه من الضروري أن تقوم إسرائيل، باتخاذ موقف عدائي حيال لبنان، وأن تستعد للقيام برد فعل عسكري في حال عدم التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن. لأن ردة الفعل الإسرائيلية، بحسب شيف، لن تمليها حسابات المياه فقط، وإنما الحرب الأميركية المحتملة ضد العراق، وضمان عدم إشعال المنطقة عشية هذه الضربة. مرجحا أن تقوم إسرائيل بمطالبة لبنان، بالموافقة على اتفاق واضح فيما يتعلق بكمية المياه التي يمكن سحبها. لكن عوزي بنزيمان في «هآرتس» رأي أن هذه الحادثة قد تجرّ إلى محاولات مستقبلية أخرى لحجب مصادر المياه عن إسرائيل. ورأى ان اللافت هو التحريض الذي يقوم به رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري، بهذا الشأن. إذ يبدو أن الحكومة اللبنانية استغلت عامل الوقت للبدء بمشروع جرّ المياه. فهي تراهي على أن إسرائيل، لن تتجرأ على القيام بردّ فعل عسكري، قد يعرقل الحملة الأميركية ضد العراق. وربما تظن أيضا أن إسرائيل لن تعطي حزب الله، عذرا كي يطلق ضدها صواريخه المنتشرة على الحدود.
لكن بنزيمان، رأي أن دوافع الحكومة اللبنانية للقيام بهذه الاستفزازات، لا تزال غير واضحة، فإما أن يكون الهدف من وراء هذا المشروع، إشباع الحاجة اللبنانية من المياه، وإما أن يكون موقفها مستندا إلى أوامر من قوى عربية خارجية لاستغلال قضية المياه من أجل عرقلة الحملة الأميركية ضد بغداد. وخلص بنزيمان، إلى أنه يجب على الحكومة اللبنانية أن تأخذ بعين الإعتبار تحذيرات رئيس حكومة إسرائيل آرييل شارون. كما أنه يجب على الحكومة الأميركية أن تضغط على بيروت ودمشق لوضع حدّ لهذه الأزمة. في المقابل، نقلت الصحف اللبنانية عن مصدر رسمي أن الحكم يتعامل بحذر مع مهمة الخبراء الأميركيين ويعتبر أن ليس مطلوبا منهم الغوص في العمق بل إجراء كشف من شأنه تخفيف حدة التوتر في هذا الموضوع. وقال المصدر أن لا علاقة للخبراء بتحديد الحصص ولا بالتفاوض حول المياه وتقاسمها، وأن مهمتهم لم تعرض في مجلس الوزراء اللبناني.
وتعتقد أوساط الحكم أن هناك بعض الالتباسات التي تشوب هذه المهمة، علما بأن الخبراء لن يلتقوا رئيس الجمهورية إميل لحود. وقال المصدر نفسه ان تحديد مهمة هذا الفريق جاء بعد الاتصالات بين رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري والسفارة الأميركية في بيروت. وتوقع أن تؤول مهمة الخبراء إلى طمأنة إسرائيل لا أكثر ولا أقل إلى لبنان لا يقوم بأي أمر خطير بالنسبة إليها.
لكن صحيفة «النهار» اللبنانية رأت بخلاف حذر حكم اللبناني في نظرته إلى مهمة خبراء المياه الأميركيين، ان الانطباعات غير الرسمية لم تغفل أهمية أن ترسل الولايات المتحدة في هذه الظروف الملبدة في المنطقة فريقا من الخبراء لاحتواء أي تهديد بتوتر على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية من شأنه أن يشكل مدخلا إلى مرحلة متفجرة، فضلا عن أن الخطوة تعكس مدى الاهتمام الذي توليه واشنطن للمشكلة المائية في ذاتها. كما لاحظت النهار، ان هذه الانطباعات ليست بعيدة عن نظرة أخرى قائمة داخل السلطة. بدليل ان أوساطا حكومية قالت (لها) انه من المهم جدا أن تكون مرجعية لبنان في قضية المياه الامم المتحدة. موضحة ان الامم المتحدة في النهاية هي الدول الفاعلة فيها، وبالتالي لا يمكن للبنان إلا ان يتكلم مع الولايات المتحدة في وقت تتكلم معها إسرائيل. وقالت الأوساط نفسها ان هذه القضية ذات بعدين تقني وسياسي، وثمة ملف محضر كامل للمحادثات مع الخبراء الاميركيين.
وإذ أشار ابراهيم الأمين في «السفير»، إلى أن الاوساط اللبنانية والدبلوماسية ترى ان الضغوط الاميركية على اسرائيل هي التي أدت إلى تراجع قادة العدو عن تهديداتهم بضرب لبنان ربطا بهذا الملف. لفت إلى ان الصورة من جانب المقاومة تبدو مختلفة قليلا. إذ ان حزب الله، يتصرف بشيء من الحذر ولكن بكثير من الواقعية السياسية إزاء ردة فعل العدو على العمليات العسكرية في مزارع شبعا أو على ما يجري الآن في ملف المياه. والحزب واثق من أمرين:
الأول، ان اسرائيل لا تملك الآن العناصر السياسية الداخلية والخارجية الكفيلة بجعل تورطها من جديد في لبنان أمرا ممكنا. والثاني، ان المناخ الميداني الذي تعيشه المقاومة بات مختلفا بصورة كبيرة عما كان عليه قبل التحرير. ومن هنا وحسب الأمين، جاء استحضار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في خطاب الاخير لعملية انصارية. موضحا انه في مرحلة سابقة كان الاسرائيليون يعتقدون انه ليس هناك بين الفرق العربية المناهضة لها من يتجرأ على فتح خطوط أمنية مباشرة داخل أراضيها. وهو أمر صار واقعيا مع الوقت. لا سيما بعد ان سجل الحزب اختراقات من النوع الذي يخدم خططه الخاصة بالمقاومة في الجنوب.
ولفت الامين، إلى أن ثمة معلومات متكررة عن نشاط أمني للحزب داخل المناطق المحتلة. وهو نشاط له ابعاده الخاصة وهو على صلة بالاستعدادات القائمة بين الطرفين لمواجهة يبدو أنها قادمة لا محالة.
وقد لا يخرج عن السياق، حديث كل من غسان تويني في «النهار»، وطلال سلمان في «السفير»، عن «ابواب جهنم التي ستفتح على لبنان» لكن لكل منهما وجهة نظره فالاول حذر من أن ابواب الجحيم ستفتح على لبنان، إن لم نتصرف من منطلق الحفاظ على النظام، كلنا معا، بدل «تناتش أشلائه وهو ليس بعد جيفة ميتة». تكون «على نفسها جنت براقش» لبنان، ففتحت هي لنفسها أبواب الجحيم لتحرق نفسها في ناره المستعرة عند الآخرين، لا عندنا بعد! واعتبر تويني، ان «كيان» لبنان الدولة يبقى الأكثر استقرارا، والأسلم اقتصادا، والاضمن حدودا في العالم العربي كله وأكثر مناعة، بنوع أخص، من الشقيقة الكبرى سورية، وهنا خطر لبنان على إسرائيل! فيما يقول سلمان «ان أي خطر يتهدد كيانات المنطقة سيفتح باب جهنم على لبنان واللبنانيين» معتبرا ان أعظم المخاطر على لبنان في هذه اللحظة العصيبة أن يتصرف اللبنانيون من منطق «كياني» وأن يتطرفوا كيانيتهم بحيث يصيرون عنصريين وأن تأخذهم عنصريتهم إلى التنصل من عروبتهم، وإلى الشماتة باخوانهم العرب، وإلى تركهم لمصيرهم مع الحرب الاميركية الاسرائيلية المشتركة مفترضين ان تلك هي طريق السلامة. «ان أي خطر يتهدد كيانات المنطقة سيفتح باب جهنم على لبنان واللبنانيين». أما خير الله خير الله في المستقبل (اللبنانية) فرأى ان من الخطأ في حق لبنان وفي حق سورية مهاجمة السفير الاميركي في بيروت فنست باتل، وخصوصا في هذه الايام التي تسجل فيها كل كلمة تقال عن السياسة الاميركية ومن الافضل للبنانيين ان يتذكروا ان افضل ما يمكنهم عمله هو عدم التناطح على أدوار ليست في حجم بلدهم، وإذا كان من تغييرات ستحصل في المنطقة، فإن هذه التغييرات ستتم بمعزل عنهم..
العدد 13 - الأربعاء 18 سبتمبر 2002م الموافق 11 رجب 1423هـ