اتفقت الصحف العراقية على ان قرار العراق بالسماح بعودة المفتشين الدوليين قد احرق الاوراق التي كان يناور بها المسئولون الاميركيون. غير ان القرار لم يسقط من امكان تعرض العراق لعدوان اميركي. وقالت صحيفة «الجمهورية» ان العراق «اسقط بموقفه الجريء والمتوازن بعودة المفتشين من دون شروط الورقة الاميركية الخاسرة والكاذبة التي حاولت اميركا جعلها ستارا يخفي اهدافها الحقيقية الشريرة واطماعها الجشعة في تدمير الوطن العربي وحيازة ثروته النفطية». غير ان الصحيفة لم تسقط من حسابها تعرض العراق لضربة اميركية. ووصفت صحيفة «بابل» القرار العراقي بأنه «مدروس وواع» ورأت انه «كان بمثابة ضربة قاصمة لمخطط العدوان ونصرا للهجوم الدبلوماسي السياسي العراقي الناجح». وتابعت «بابل» التي يشرف عليها عدي صدام حسين، النجل الاكبر للرئيس، «ان الكرة الآن في ملعب الامم المتحدة لتثبت مصداقيتها، وان الموضوع ليس كما تعمل على تصويره الادارة الاميركية الشريرة».
وعلى وقع سماع ما تتناقلة محطات الاذاعات العالمية من مواقف أميركية وبريطانية ساعية للحرب على العراق وممارستها الضغط على الاعضاء الآخرين في مجلس الامن لاصدار قرار جديد تأكدت لدى العراقيين الشكوك في حدوث الحرب في اي وقت، وانعكس ذلك في عودة ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي. ورجح عدد من المحللين العراقيين احتمالات حدوث العمل العسكري قبل نهاية العام الجاري. وعبر صادق الحلو من كلية التربية في جامعة بغداد عن اعتقاده «ان تقوم ادارة الرئيس الاميركي بشن هذه الحرب ربما قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل». مؤكدا في تعليق خاص لـ «الوسط»: «ان بوش قال للصحافيين بعد ان اجتمع مع زعماء الكونغرس في البيت الابيض انه حصل على التزام بالموافقة على القرار الخاص بالعراق قبل عطلة الكونغرس السابقة على الانتخابات الاميركية في اكتوبر/تشرين الأول المقبل».
وفي الحقيقة لا يمكن استبعاد التكهن الذي ادلى به الحلو، سيما وان هناك الكثير من المحللين يؤكدون ان موافقة العراق على عودة المفتشين غير متوقعة على ما يبدو من قبل الادارة الاميركية، الامر الذي ادى إلى ارباكها ووضعها في موقف اصعب للحصول على قرار من الامم المتحدة يسهل عليها توفير غطاء دولي للحرب التي صمم عليها الرئيس بوش، لأن العدول عن هذا التصميم يمثل هزيمة سياسية له. ومما يعزز تكهن الحلو الذي يتفق معه الكثير من المحللين هنا، هو تزايد كثافة الاستعدادات العسكرية والبدء في عمليات نقل المعدات والطائرات الاستراتيجية القاذفة إلى المنطقة او بالقرب منها، فضلا عن جولة المسئولين العسكريين في المنطقة. واشارت التقارير إلى تصريحات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد التي قال فيها: «ان الطائرات الاميركية غيرت في الآونة الاخيرة من تكتيكاتها ردا على نيران المضادات الارضية العراقية وتوجيه ضرباتها بحيث تضعف من قدرات الدفاعات الجوية العراقية في منطقتي حظر الطيران بشمال البلاد وجنوبها».
وفي علامة اخرى على التوتر المتزايد الذي يمكن ان يقرب من توقيت الحرب الاميركية على العراق قال مسئول اميركي «ان العراق حرك صواريخ وعتادا عسكريا آخر قرب مواقع مدنية في الايام الاخيرة». وفي هذا القول ما يرجح ويمهد إلى احتمالات عمليات قصف اميركي لمواقع مدنية عراقية في الاسابيع المقبلة. وردا على سؤال من قبل الصحافيين على تصريحات رامسفيلد فيما اذا كان التغيير في عمليات قصف الطائرات للمواقع العراقية مرتبطا بالعملية العسكرية التي تحضر لها واشنطن لتغزو وتطيح بنظام الرئيس صدام حسين. قال رامسفيلد انه لا يعلم مدى سرعة بغداد في اصلاح مباني القيادة والمطارات العسكرية التي ضربت في شمال العراق وجنوبه في حال امر الرئيس جورج بوش بالغزو. ويؤشر ذلك إلى ان الحرب الاميركية لن تتأخر كثيرا.
هذا وتزامنت هذه الارهاصات العسكرية مع اللهجة الشديدة من قبل الرئيس بوش ضد الرئيس العراقي وضد الامم المتحدة التي قال عنها بوش ان عليها ان تثبت انها «إما منظمة لتحقيق السلام والديمقراطية أو انها مجرد عصبة امم وساحة مفتوحة للنقاشات غير المجدية».
وعلى العكس من ذلك يرى استاذ السياسة الخارجية في جامعة بغداد هاني الحديثي «انه ليس بالضرورة ان تكون الحرب التي تنوي ادارة بوش شنها على العراق حتمية، فالقرار العراقي بقبول عودة المفتشين اخذ الاميركيين على غرة في وقت استراتيجي ممتاز. والولايات المتحدة توجد الآن في وضع بالغ الصعوبة. ولا اعتقد الآن يمكن تصور صدور قرار من الامم المتحدة يعطي شرعية لتدخل اميركي. بل ان قرار العراق عظم من المعارضة الدولية للحرب الاميركية»، مؤكدا ان «هذه المعارضة ستجد صداها في الداخل الاميركي سواء على صعيد الرأي العام أو حتى على صعيد المشرعين الاميركيين».
ويضيف الحديثي: «الارجح ان أميركا اذا ما اخفقت في الحصول على قرار جديد لاضافة شروط تعقيدية على عمليات التفتيش فإنها ستنتظر حصول او بالاحرى افتعال ازمة من قبل احدى الفرق التفتيشية مع بغداد لتوفير ذريعة العدوان على العراق». وأوضح الحديثي في حديثة لـ «الوسط»: «وفي كل الاحوال لا اعتقد ان توقيت هذا العدوان سيتم التبكير به، فهو اساسا كان مقدرا له ان يتم ما بين ديسمبر/كانون الاول 2002 وفبراير/شباط 2003 لأسباب مناخية وأعتقد ان عودة المفتشين ستؤخره إلى ابعد من هذا التوقيت»
العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ