العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ

في ألمانيا: الانكماش «الاقتصادي» مؤثر «سياسي»

المحددات المؤثرة في الانتخابات البرلمانية

الوسط - المحرر الاقتصادي 

24 سبتمبر 2002

فاز الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة المستشار الألماني «غيرهارد شرويدر» وحزب الخضر (أنصار البيئة) المتحالف معه في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي (22 سبتمبر/ أيلول) بغالبية ضئيلة، حيث حظي الحزب بـ 38,5 من الأصوات، ليحصل بذلك على 251 مقعدا من بين 603 مقاعد في البرلمان الجديد، بينما حصل حزب الخضر بزعامة وزير الخارجية «يوشكا فيشر» الذي يحظى بشعبية كبيرة، على 8,6 % ليفوزوا بـ 55 مقعدا، وليحقق هذا الأخير انتصارا تاريخيا بحصوله على 8,6 % من أصوات الناخبين مقابل 6,7 % في انتخابات 1998. وتعد نتائج هذه الانتخابات الأكثر تقاربا في تاريخ الجمهورية الفدرالية، والتي حقق فيها الائتلاف الحكومي الحالي غالبية طفيفة في مجلس النواب.

وفاز الديمقراطيون المسيحيون المعارضون، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الموالي لهم بنسبة 38,5 وسيحصلون على 248 مقعدا، بارتفاع 3,4 نقطة. ويعد بعض المحللين الألمان الانتخابات الأخيرة بمثابة نهاية لحزب الاشتراكية الديمقراطية، خليفة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية سابقا، والذي فشل في تخطي عتبة الـ 5 لدخول البرلمان، حيث حصل بصعوبة على 4.

بهذا انقذ الخضر «شرودر» وضمن تحالف الحمر - الخضر 306 مقاعد في البرلمان، بينما شغل الديمقراطيون المسيحيون المعارضون والاتحاد الاجتماعي المسيحي والديمقراطيون الأحرار 295 مقعدا. وبدا زعيم المعارضة «ادموند شتويبر» سعيدا لما حققه المحافظون بزيادة عدد المقاعد التي سيشغلونها. ويدخل الخضر محادثات تشكيل الحكومة الائتلافية من موقع قوة، بعد أن أنقذوا تحالف شرودر من خلال أدائهم الجيد الذي دعمته شعبية زعيمهم وزير الخارجية الألماني «يوشكا فيشر». أما اليمينيون فقد فشلوا في دخول البرلمان في كل الانتخابات منذ قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية العام 1949.

أن إحدى أهم الصعوبات التي سيواجهها «شرودر»، سيطرة التحالف المسيحي الديمقراطي والاجتماعي بزعامة «شتويبر» على «البوندستاج» (المجلس الأعلى، مجلس الولايات، في البرلمان)، إذ قال «شتويبر» لمؤيديه: «بنهاية العام سأشكل حكومة جديدة»، ليلقي بذلك شكوكا على الغالبية الضئيلة التي حققت الفوز لشرودر. يذكر أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 79,1 %، أي أقل من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة العام 1998، والتي بلغت 82,2%.

المتغيرات المؤثرة: اقتصادية وسياسية... داخلية وخارجية

ألقت عوامل بظلالها على الانتخابات الألمانية، من بينها التوترات في الشرق الأوسط التي دفعت بأسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ 19 شهرا، إذ قفزت الاثنين الماضي (23 سبتمبر) مع اشتداد حمى الحرب مع العراق، وحصار إسرائيل لمقر عرفات في رام الله. يضاف إلى ذلك حال الترقب لقرار بشأن أسعار الفائدة الأميركية، وأخبار الأسهم الأميركية المخيبة لآمال الألمان، والتشاؤم بشأن الاقتصاد الياباني. يضاف إلى ذلك أجواء الغموض التي أحاطت بأسواق الصرف الأجنبي، والتي قال عنها متعامل في بنك اميركي: «كل العملات سيئة، فماذا نشتري؟ وما هي اقل العملات سوءا؟».

الانكماش يخيم على ألمانيا

والأنظار تترقب الـ «برنامج»

إن فوز الحزب الديمقراطي الاشتراكي بفارق طفيف في الانتخابات التشريعية، وتراجع الأصوات التي حصل عليها بـ 2,4 نقطة، يدل على وعي الناخبين الألمان السياسي والاقتصادي، حيث يُفسره المحللون بأنه عقاب الناخبين لـ «شرودر» لفشله في خفض معدلات البطالة البالغة 10%. أما الآن، فعليه سريعا إصلاح اكبر اقتصاد في اوروبا، والعمل على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي، وعلى الأخص البطالة التي تطال أربعة ملايين شخص. وعليه كذلك إعادة تأسيس نظام التقاعد، وإصلاح الضمان الصحي. هذا إذا أراد الحزب الديمقراطي الاشتراكي أن تكون له فرصة أخرى بعد 4 سنوات!

وأمام خطيبات الأمل هذه، قال «شرودر» لانصاره صباح اليوم التالي لإعلان نتائج الانتخابات، مع اتضاح تقلّص غالبيته في مواجهة أحزاب المعارضة مجتمعة: «تنتظرنا أوقات عصيبة، فأمام الحكومة وهي في هذا الموقف الضعيف، مهمة صعبة، تتمثل في إصلاح ثالث اكبر اقتصاد في العالم».

العلاقات مع أميركا

اعتبر المراقبون أن من بين المهمات الأكثر إلحاحا لحكومة «شرودر» المقبلة، العمل على ترميم العلاقات مع أميركا التي توترت بسبب معارضته القوية لتوجيه ضربة عسكرية «أميركية» إلى العراق، فمنذ أن بدأت واشنطن الحديث بوضوح عن هذا الاحتمال في نهاية أغسطس / آب، انتهز المستشار «شرودر» المناسبة ليظهر بمثابة الحليف الأوروبي الكبير والوحيد الذي يعارض أميركا، مستبعدا أي مشاركة لألمانيا في الحرب على العراق، سواء مع قرار من الأمم المتحدة أومن دونه. وكانت استطلاعات الرأي قد وضعت «شرودر» في الأخير، بذهابه إلى الحد الأقصى في سياسته القائمة على التأكيد على وجود «خط ألماني» خاص تجاه التهديدات الاميركية بشن هجوم عسكري على العراق!

يضاف إلى ذلك أن أميركا ما برحت متشنجة من تشبيه وزيرة العدل الألمانية «هيرتا دويبلر جميلين» أساليب «جورج بوش» مع العراق بتلك التي كان يستخدمها الزعيم النازي «أدولف هتلر» (صحيفة «بيلد»). لهذا يتوقع المراقبون ألا تحتفظ الوزيرة بمنصبها في حكومة «شرودر» الجديدة، وستكون هذه خطوة أولى على طريق المصالحة مع أميركا!

والآن، هل سيفلح برنامج «شرودر» في السباق عكس تيار الانكماش «العالمي» وفي ظل هيمنة القطب الواحد؟! سؤال «تقريري» نترقب إجابته في القريب

العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً