العدد 21 - الخميس 26 سبتمبر 2002م الموافق 19 رجب 1423هـ

الجرافات تقتلع بستانا عمره 30 عاما

«العمران» يهدّد أحلام الحاج عطية

في تلك المزارع البعيدة الواقعة في قرية بني جمرة، ترتكب منذ أربعة أيام مجزرة لم يتحدث عنها أحد.

إنها ترتكب في حق أكثر الكائنات عطاء وروعة على وجه الأرض، النباتات الخضراء التي تبقى شامخة وتعطي الكثير للبشر والخلق، وفي المقابل يجازيها الناس بالإهمال، بل والقطع أحيانا مثلما يحدث في تلك المزرعة الغنية في بني جمرة.

في بلد المليون نخلة، وعلى أرض الجزيرة التي لاذ إليها جلجامش- كما تقول الأسطورة- ليبحث في مياهها عن زهرة الخلود، تسير منذ أربعة أيام جرافات زراعية عملاقة تحصد في طريقها الأخضر واليابس، لتقضي على تاريخ عمره ثلاثون عاما من التعب والعرق والمجهود المضني.

يقول عبدالحسين علي- أحد سكان المنطقة- انه عندما زار البستان منذ 3 أشهر تقريبا رأى العجب فيه، أشجارا عالية وخضرة على مد النظر، ثمار المانجة والجوافة والتفاح ملقاة على الأرض لأن الأغصان تعبت من حملها. لكن عندما تزوره الآن تشاهد منظرا للدمار. استطاعت الجرافات أن تزيل النباتات من ربع الأرض تقريبا، ومازالت المهمة مستمرة حتى تقضي على الزرع بأكمله.

وقصة هذه الأرض الحزينة كقصة غيرها من الأراضي التي جنى عليها بنو البشر، فقد كانت تعيش فترتها الذهبية عندما اعتنت بها مالكة الأرض ووفرت لها كل ما هو لازم من مياه ومعدات وزراع، فمنحتها الأرض أضعاف ما أخذته، وكانت أرض خير ونماء. ثم اشتراها أحد المستثمرين الخليجيين منذ أشهر، وبدأ يخطط لاستثمارها، وتوجت خططه بلغة الجرافات التي بدأت عملها منذ أيام ومازالت تعمل عجلاتها في الأرض حتى تمحي كل ما عليها. وقال مقاول الأرض الذي تولى المشروع ان المستثمر يريد أن يبنيها فللا سكنية للتأجير.

زارت «الوسط» موقع البستان والتقت بالحاج عطية (أبو ابراهيم) الذي زرع الأرض، قال: «منذ أربعة أيام وأنا لا أستطيع النوم أو الأكل، الأرض التي فنيت عمري من أجلها تموت ولا أستطيع أن أفعل شيئا» ويسير برجليه الحافيتين على الرمال والحشائش التي تعودت لمسات أقدامه، ويتحدث بحرقة عن أيام كانت فيها الأشجار تنطق بالخير والعطاء. ويضيف أبو إبراهيم» أوقفنا المياه منذ أن بدأت الجرافات في العمل، واتصلت بكل أصدقائي ومعارفي كي يحضروا لأخذ الأشجار التي يريدونها ويزرعونها لديهم، هذا أفضل من أن تتكسر النباتات تحت عجلات الجرافات».

وبناء على ما يقول أبو ابراهيم فإن أشجار المانجة كانت تنتج يوميا 50 صندوقا يحتار كيف يحصدها. وينتظره الناس في «السوق المركزي» فيتهافتون على صناديق المانجة التي يبيعها، وتنفذ منه في لمح البصر.

ويحمل أبو ابراهيم كفا من التربة كأنه يمسك قطعة من الذهب ويقول «أليس حراما أن تتحول هذه التربة الحمراء الغنية الزراعية إلى أرض عمرانية جامدة تقضي على عطائها؟».

وعندما تسير في هذا البستان العامر يغلب عليك العجب، أشجار المانجة والتفاح والباباي والجوافة والعنب والكرز والتوت وغيرها الكثير مما لا تتوقع أن تزرعها أرض في البحرين.

يقول أبو ابراهيم بلهجته المحببة: ان بعض فلاحي الدول العربية لا يؤمنون باقتلاع الشجر من الأرض لأنه فأل شؤم كبير.

يذكر أن منطقة البستان غنية بالمياه الارتوازية، ولا تحتاج إلى مجهود في الزراعة، كما أنها من أخصب الأراضي في البحرين. وفي مقابل مفهوم الحزام الأخضر الذي تعتمده الدولة في تعاملها مع الأراضي الزراعية، تعاني تلك الأراضي من الزحف العمراني الذي يقضي على أجمل ما فيها.

ماذا تريد يا أبا ابراهيم، سؤال وجهته «الوسط» أجاب عنه قائلا:«لا أريد أن أستمر في العمل هنا، فالرزق على الله، اخرجوني من الأرض، لكن لا تقتلوا زرعي!»

وفي الوقت الذي يواصل الحاج عطية نداءاته، مازالت الجرافات تعمل عجلاتها في الأرض اقتلاعا. فهل من قوة تستطيع إيقافها؟

العدد 21 - الخميس 26 سبتمبر 2002م الموافق 19 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً