العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ

دور الانترنت في جعل المعرفة قاسما مشتركا لأعضاء المجتمع

تعتبر الانتاجات الصناعية المساعدة للانسان في العمل والسفر والحركة والعيش واللبس والطعام وغيرها منتوجات علمية وتكنولوجية ناتجة عن تطبيق المعرفة العلمية والتقنية العملية. ولا يمكن تصور قيام مثل هذا النشاط الانساني من دون المقومات العلمية والتكنولوجية. وهذا ما جعل العلم والتكنولوجيا دم الحياة للمجتمعات المتطورة كاميركا واليابان واوروبا الغربية وغيرها، ومّثل (اي العلم والتكنولوجيا) مسيرة متنامية متواصلة ذات بصمات واضحة المعالم على التاريخ والانسان.

ولا يعني العلم وتطبيقاته التكنولوجية الكم الهائل من المعلومات، وان كان هذا شيئا مهما، بل حركة متصاعدة تربط الانسان، نواة المجتمع، بالآخر بشكل متماسك ومتفاعل وتقدم له الجديد بين الفينة والاخرى وتلبي احتياجاته المستمرة وتسعى إلى وضع الحلول لمعضلاته المتزايدة.

وهذه العملية المتواصلة والمتنامية تعيد ترتيب افكار الانسان ومعارفه وعلاقته بما حوله من الكون والطبيعة والحياة لتشكل نظاما عقليا يزداد خبرة ويكبر تجربة ويترفع ذهنا. ويشكل الكم الهائل من المعلومات موسوعة معرفية التي تخلق معينا لا ينضب من المسائل والاستفسارات لايجاد الحاجات المتطورة والمقدرة للبحث عن المعلومات في اكتشاف الاجوبة المناسبة للاسئلة الملائمة.

العلم والتكنولوجيا ليسا خبرات منفصلة أو معارف مجردة ومحدودة بل خبرات ومعارف لميادين كثيرة وشاملة ومتفاعلة لكل امكانات الموسوعات المعرفية المتضمنة للفكر النظري والتطبيقي والاستقرار والممارسة والتجربة والدليل وغير ذلك. وهذا ما يجعل العلم ثقافة مجتمعية متكاملة وان قل مختصوها في البلدان المتطورة.

تعقيد المجتمع

تطورت التكنولوجيا الرفيعة جراء تعقيد المجتمع وبلوغ حرمته درجة من النضوج في احداث الشد المطلوب بين شبكاته في تطوير التقنية ذاتها وبالتالي بلورتها بالشكل الذي نعهده الآن.

وهذا ما يجعل التكنولوجيا العالية ذات صيغة جماعية وتمثل قيمتها الجماعية كما هو واضح في الانترنت التي تعكس المساواة للجميع في الوصول إلى منابعها ومصادرها للحصول على المعلومات المعارف.

والاتصالات كميزة اخرى، إلى التقنية العالية أو الانترنت، هي ايصال المعلومات والافكار إلى الاعضاء الآخرين في المجتمع. وهذا ما يسمح للعموم بمشاركة المعلومات والمعارف والخبرات وان تصبح المعرفة القاسم المشترك لاعضاء المجتمع مما يكثف عملية وعي الواحد بالآخر وتفاعل، نتيجة الاتصال، الواحد بالاخر التي تزيد في نهاية المطاف الحركة وانعكاس الفائدة على المجتمع ككل. سرعة تطور ونفوذ التكنولوجيا العالية تعتمد على ترابط الشبكات وقوة تماسكها لإيجاد التناسق المطلوب في نسيج المجتمع العصري. والتفاعل هنا متبادل بين المجتمع والتكنولوجيا المتطورة بحيث الواحد يؤثر على الآخر والعكس صحيح فكلما ازداد الشد والربط، نتيجة المعلومات والمعارف والاتصالات، بين وحدات نسيج المجتمع وخلق الحركة المطلوبة للتناسق مع الترتيبات الافقية لمجتمع المعلومات والمعرفة كلما تعمقت التكنولوجيا في تفاصيل المجتمع وازداد تعقيدها وتطورها مع مرور الوقت.

الشفافية السياسية

والشفافية السياسية، كالحرية أو الديمقراطية، هي انعكاس للترتيبات الافقية التي تفرزها التكنولوجيا العالية في المجتمع نتيجة غياب السلطة المركزية في تنظيمات الانترنت المتوازنة (الافقية)، مما توافر للمعلومات والاتصالات احداث التفاعل أو التداخل المطلوب بين الاحداث الاجتماعية لتزيد من اواصر القوة في تماسك النسيج الاجتماعي.

التكنولوجيا عموما والمتطورة خصوصا هي غير سلبية أو ايجابية بحد ذاتها عند وصولها أو دخولها مجتمعا معينا وانما تأخذ حركة اتجاه ذلك المجتمع.

تعرض العلم والتكنولوجيا، كنتاج فكري وحضاري وعملي، في العراق، كما هو الحال في بلدان العالم الثالث إلى حملة قتل وابادة. فقد تحول العلم والتكنولوجيا إلى تدجينات ايديولوجية أو رؤى سياسية أو تطلعات سلطوية أو نزوات فردية. وهذا هو الذي اضر بالعلم اشد ضررا وعكس حركته إلى الوراء وهبوط مسيرته إلى الهاوية واحداث القطعية أو الفجوة مع كثير من بلدان المعمورة وتخلفنا عن المسيرة العلمية وفقداننا حتى لشيء اسمه ثقافة العلم.

العلم والتكنولوجيا في العراق لا تمثلان ثقافة مجتمعية بل ممارسات فردية أو توجهات سياسية أو عسكرية تتم بشكل متقطع وغير منتظم وتكون آثارها على المجتمع ونسيجه غير متكاملة ومتفاوتة في درجة الحدة والانتشار. ورؤية المجتمع العراقي وتطلعاته إلى العلم والتكنولوجيا، بسبب النظام الحاكم والحروب، ربما اشد تخلفا ما ادى إلى زيادة امية الحرف فضلا عن امية الكمبيوتر.

التشتت والتناحر في المجتمعات الفقيرة يؤدي إلى تراخي عملية الشد والربط بين شبكات المجتمع ووحداته وضعف العلاقات لتماسك النسيج الاجتماعي.

الاستبداد او العنف يعني الصدام بين الحكومة ومعارضيها، كالعراق والسودان والجزائر على سبيل الامثلة، والذي احيانا ينتقل (اي الاحتراب) إلى المعارضين انفسهم، كافغانستان، وغالبا ما يبدأ بين مجموعات كبيرة وينتهي بين مجموعات صغيرة، كالصومال، مستنزفا طاقات كبيرة وموارد بشرية جيدة وخرابا أو تفكك بنى تحتية ضرورية. اي بكلمات اخرى تشتت أو تفكك النسيج الاجتماعي.

هذا الصدام الذي في كثير من حالاته النتيجة الطبيعة لغياب الديمقراطية وعدم احترام الرأي الآخر، اي حال الازدراء لافكار الآخرين والانتقاص منها. يبدأ بالمجال السياسي عبر الميدان الثقافي وانتهاء بالطوائف الدينية. ووضع مصلحة الطائفة أو الفرقة فوق مصلحة البلد والدين والتي تؤدي في النهاية إلى حال الشرذمة النفسية. وانا هنا لا ادعو بالطبع ان يصبح الناس حالا واحدة وطائفة واحدة أو دينا واحدا فهذه مسألة غير طبيعية ولا ممكنة أو واردة بل ارى بضرورة احترام وقبول الآخر أو طائفته ضمن رحاب المجتمع الواحد. الصدام المسلح والتناحر أو الشرذمة النفسية والنفور وعدم قبول الآخر تضعف من عملية الشد والربط المطلوبة بين وحدات المجتمع للتناغم الضروري مع طبيعة التكنولوجيا الرفيعة عند تجذيرها وانتشارها.

فحرمان الشعب العراقي من الفائدة الجمة للانترنت ووسائل الاتصال الاخرى كالهاتف النقال من قبل النظام الحاكم لاسباب امنية وسياسية يعني عزل الناس عن الشبكة العالمية الواسعة ووسائلها التي شبهت ببهو المرايا (Hall of Mirrors) في اميركا الجنوبية، تسمية مقتبسة لكاتب القصة القصيرة الارجنتيني يورغي لويس بورغس متحدثا فيها عن القدرة لرؤية جميع الاشياء الموجودة في كل الاماكن ومن مختلف الزوايا في وقت واحد. وبمعنى آخر وضوح كل الاشياء للعين بغض النظر عن بعدها النسبي ومواقعها النسبية في آن واحد. والانترنت هذه الشبكة العالمية الواسعة شبهت ببهو المرايا لمزاياها المتعددة واوجهها الكثيرة وقدراتها المتزايدة وعدد صفحاتها الذي تجاوز، في آخر احصائية، 800 مليون صفحة. لكن الانترنت بصورها المتعددة واستعمالاتها المتزايدة تكشف، في الوقت عينه، حال اللامساواة في المجتمعات التي تدخلها، الفقيرة منها خصوصا، نتيجة تباين الموارد والمعارف والفرص وغير ذلك.

تنبؤات المستقبل

ويرى اصحاب الرؤى لمستقبلية لعصر المعلومات في المجتمعات المتقدمة، اميركا خصوصا، عن التئام الانسان مع اجهزة ذات شكل واحد وتطبيقات واحدة، التي تجمع بين اعمال الكمبيوتر والهواتف واجهزة التبليغ (Pagers)، وربما الاهم في هذه الرؤى قيام الانترنت كمؤسسة متكاملة تتصل بها اجهزة وادوات استعمالات الانسان اليومية كغسالة الملابس والطباخ والثلاجة وغسالة الصحون وغير ذلك. وسيكون انسان المستقبل، حسب هذه الرؤى، متمكنا من توفير وقت اكبر لاستثمار الكم الهائل من المعلومات المتوافرة في فعاليات ذات معان اكبر واهداف اسمى من الامور الصغيرة والتافهة التي تشغل حياته واعماله.

وتركز جميع هذه التنبؤات المستقبلية على تكنولوجيا واحدة فقط، الانترنت.

والقراءة الموضوعية وما بين السطور لهذه التنبؤات تكشف عن تهميش المناطق الفقيرة في العالم، بضمنها المجتمعات الغنية نتيجة تخلفها عن الشبكة العالمية ووسائل الاتصال الحديثة.

وسيمثل الانترنت الفجوة الفاصلة بين الاغنياء والفقراء.

فافريقيا والعراق والمنطقة العربية وبعض مناطق اميركا الجنوبية قد تمثل بوضوح سيناريو التنبؤات المستقبلية أو قصة بهو المرايا التي تسمح بدخول المعلومات للقلة القليلة من مواطنيها على رغم من تعددية وانعكاسات الشبكة اللامتناهية.

انتبهت حكومات بعض البلدان المتطورة إلى خطورة هذا الامر حيث وعد الرئيس الاميركي، كلينتون، بارتباط كل صف مدرسي في الولايات المتحدة بالانترنت في نهاية هذا العام.

وستكون اتصالات المشاركة بالشبكة مجانية من الولايات المتحدة في السنة المقبلة. ورئيس وزراء بريطانيا، بلير، وعد كذلك بايصال شبكة الانترنت إلى كل المدارس والمكتبات العامة في الجزر البريطانية، خلال خمسة اعوام. ومبادرة شركة بريتش تليكم، شركة الاتصالات البريطانية الرئيسية، في تخفيض كلفة الاتصال بالشبكة، وتبني دول المجموعة الاوروبية خططا مماثلة لبلدانها. وتوجهات اليابان ودول شرقي آسيا سائرة في الاتجاه نفسه.

فدور شبكة الانترنت في التعليم والتجارة الالكترونية وغيرها واضحة للعيان والتي تكون فائدتها في المجتمع بقدر انتشارها وتحذيرها فيه. آثارها المفيدة، التي تمثل واحدا من مميزاتها، تكون بقيمتها الجماعية لنشر حال المساواة بين المشاركين. وتكون في هكذا حال للاستفادة من اخذ المعلومات المناسبة في الوقت المناسب لتقديم الاجوبة المناسبة. كاحجار على رقعات الشطرنج أو بشكل ادق كاحجية الصور المقطوعة. وتجني ثمار الانترنت عند توافر سرعة المبادرة والحركة في وسائل الاتصال للوصول إلى النقاط الفاعلة. وهذا يستدعي نوعا من المرونة والحرية السياسية التي تمكن للحركة والمبادرة في خلق الارضية المناسبة لنمو وانتشار تكنولوجيا شبكة الانترنت وتحذير مفاصلها ونقاط اتصالها في المجتمعات التي تعمل فيها.

والبلدان العربية

وهذا ما يتوجب إلى وعي اهمية القرار السياسي في البلاد العربية في تخصيص الموارد المالية والتكنولوجية للانترنت وانشاء مراكز تعليم وتدريب خاصة بالمعلومات والانترنت تساهم في زيادة المتعلمين والمتخصصين في هذا المجال.

وربما الحال المثلى دمقرطة الانظمة الحاكمة والسماح إلى المجتمع العربي في الانخراط بالفعاليات العالمية وعدم النظر إلى الشبكة على اساس انها امتيازات اقتصادية كما يعتقد بعض افراد النخبة الحاكمة أو كماليات سياسية في رؤى البعض الآخر. وايجاد حال من الشفافية السياسية التي تتوجه إلى نشر ثقافة العلم وتطورها كحال سائدة تنعكس فيما بعد على الحال الثقافية العامة للمجتمع.

سرعة المبادرة وحرية الحركة للمعلومات والمعارف والارقام... الخ ستمكن المواطنون العراقيون من اللقاء عبر امواج الاثير الانترنتية بالعالم والاستفادة من مصادر الشبكة ومراجعها الكثيرة. وان لا تبقى الشبكة، كما هو عليه الوضع اليوم، التي يمثل حالها كحال قصة «مكتبة بابل»، إلى الكاتب الارجنتيني يورغى لويس بورغس، الحاوية على عدد لا متناهي من الكتب ووجود كل كتاب يمكن تخيله مع عدم قدرة الكثير من المواطنين الوصول أو الحصول على هذه الكتب

العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 6:10 ص

      شكرا جزيلا على هذه المعلومات الذي ستفيدني حياتي كلها

    • زائر 19 | 7:26 ص

      كثيررررررررر
      .

    • زائر 17 | 12:52 م

      شششششششششششششششششكككككككككككككككككررررررررررررراااااااااااا

    • زائر 11 | 5:19 م

      Hdbbdbbd

      Hhhhhhhhhhhhhh هذا كثيررررررررر ooooofffffff

    • زائر 5 | 4:22 م

      imane lokita

      شكررررررررررررررررررررراااااااااااااااااااااااااااااااا جزيللللللللللللللللللللللاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

    • زائر 4 | 10:11 ص

      أهمية الانترنت في حياتنا

      لقد ساهمت شبكة الإنترنت بتغيير طريقة التواصل بين الأشخاص بشكل جذري كونها لمست كل جانب من جوانب حياتنا

    • زائر 1 | 1:53 ص

      محمد

      الله اكبر

اقرأ ايضاً