العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ

محمد الرميحي: انفراد المنتخبين بالتشريع فيه محاذير، ولا ضمان لنجاح التجربة

قارن بين المؤسستين التشريعيتين في الكويت 1986 والبحرين 2002

قال الأكاديمي الكويتي المعروف محمد الرميحي انه يمكن مقارنة الوضع البحريني الراهن مع المجلس الوطني الكويتي المنتخب العام 1986 مع الاختلاف، وأبدى الرميحي الذي كان يتحدث إلى «الوسط» أثناء زيارته للبحرين تفهما للتغييرات الدستورية التي جرت في 14 فبراير/شباط 2002، واعتبر انفراد المجلس المنتخب بالتشريع لا يخلو من محاذير نظرا إلى البيئة الاجتماعية والسياسية والتاريخية، لكنه قال: «لا يوجد ضمان لنجاحها».

وفيما يلي أبرز مقتطفات الحوار.

بدأ الحوار عن تقييم الرميحي لمقاطعة عدد من التيارات الانتخابات النيابية، فقال: يجدر النظر للمقاطعة باعتبارها جزءا من العمل السياسي، ويجب عدم التخوف منها، وخصوصا أن القوى السياسية مجمعة على دعم المشروع الإصلاحي للملك الذي أحدث نقلة نوعية يجب الحفاظ عليها، على الا تأخذ المقاطعة الدعوة غير الموضوعية، وأن يترك الناس من دون تخوين أو تكفير.

وأضاف أن التجربة البحرينية أخذت علما بسلبيات التجربة الكويتية، فالحياة التشريعية الكويتية تتكون من 50 عضوا منتخبا، و16 وزيرا أعضاء بحكم مناصبهم في البرلمان، أي أن التشريع يكون من قبل المجلس المنتخب والحكومة. وهذا يعني أن عضو الحكومة مستقل عن الضغوط الشعبية. وفي البحرين أعضاء منتخبون، وآخرون معينون، لا يدخلون التشكيلة الوزارية، مما يعني أن المنتخبين يكونون عرضة لضغوط ناخبيهم في الدائرة الانتخابية مما يخلّ بتوازن الخدمة العامة.

الديمقراطية هيكل ولحمة

وأوضح أن الديمقراطية هيكل ولحمة، الهيكل متفق عليه ويتمثل في إجراء انتخابات دورية مقننة، وتصويت حر للناخبين، وتمكين المنتخبين من القيام بدورهم...، أما اللحمة فتختلف من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، ومن بيئة اجتماعية إلى اخرى. فمثلا في باكستان والمغرب، يتبعون نظام الكوتا، ويقصد به تخصيص عدد من المقاعد تتنافس عليه النساء، وفي بريطانيا الحكومة يشكلها الحزب الفائز بالغالبية في المجلس العموم، وفي أميركا الحكومة يشكلها الرئيس المنتخب. وبالتالي لا يمكن الحديث عن لحمة واحدة، وفي المنطقة توجد اجتهادات تؤيد احتفاظ المجلس المنتخب بحق التشريع وهذا فيه محاذير.

ويتابع الرميحي موضحا هذه المحاذير فيقول: نحن في العالم الثالث ونحتاج إلى فترة معقولة من أجل ممارسة الديمقراطية، إذ ما زالت حياتنا اليومية وثقافتنا لا تقيم وزنا للرأي الآخر. وفي الخليج اللحمة العصبية والقبلية والطائفية تعطى أولوية على المواطنة. لذلك نحتاج إلى فترة لكي يتشرب المجتمع الديمقراطية بمفهومها الشامل. فالديمقراطية ليست برلمانا، وإنما حريات. والتجربة تشير إلى أن الممارسة الصحافية تشكل الرأي العام، وتضغط على البرلمان. فإذا مورست انتخابات دورية في بلد ما، وكانت الصحافة مقيدة، فهذا يعني أن الديمقراطية ناقصة.

ويضيف الرميحي معتبرا نفسه لا يبرر الأخطاء: أتفهم ما يقال ان الأنظمة تقيد الديمقراطية، ومن الناحية العملية أنت تحتاج إلى فترة نقاهة للوصول إلى آلية متفق عليها. وفي بلد مثل أميركا أخذ العمل الديمقراطي سنوات طويلة حتى اعترف بحقوق الملونين والمرأة. وفي البحرين لو لم يتح عظمة الملك للمرأة حق العمل السياسي، وانتُخب مجلس من الرجال فقط، لأصبحت الممارسة الاجتماعية تحجب ممارسة المرأة. وفوق ذلك أتوقع ألا تحصل المرأة على أي مقعد في الانتخابات النيابية المقبلة. وفي اليمن سمح للمرأة بالترشح والتصويت، وفعلا وصلت إلى البرلمان، لكن صوتها أصبح خافتا فيه. فالبيئة الاجتماعية ستضع محددات على ما ترغب النخبة في الحصول عليه.

تغيير دستور الكويت

ورد الرميحي على سؤال افترض تغيير الدستور الكويتي بالكيفية التي تم بها تغيير دستور البحرين، أي من دون الرجوع إلى البرلمان المنتخب فكيف سيكون موقف القوى السياسية هناك؟ قال الرميحي: الدساتير توضع ليس من أجل أن تعبد. فالدستور الكويتي أقر بإمكان إعادة النظر فيه بعد خمس سنوات من الممارسة، ومع ذلك تشكل رأي سياسي أوصلنا إلى أن يبقى الدستور دون أن يواكب التطورات في المجتمع.

وفي البحرين يدور حوار حول إن كان الدستور منحة أو تعاقدا. وينبغي ملاحظة المجلس التأسيسي في البحرين الذي وضع دستورا 1973 نصفه معين، ونصفه الآخر منتخب، وقد تحفظت حينها بعض القوى على المشاركة في هذا المجلس، لكنه أفرز دستورا طالب الجميع بعودته.

وحدثت في الكويت قضية مشابهة، إذ أصدر سمو الأمير قرارا يسمح للمرأة بالمشاركة السياسية، وكانت هناك ثلاث معارضات ضد القرار: معارضة اجتماعية، ودينية، وأخرى سياسية تخشى أن يكون قبول المجلس هذا القرار سابقة يمكن تكرارها. وحصل أن تحالف الليبراليون مع الدينيين لإسقاط المرسوم، اعتقادا منهم أن تحالفا سيحصل فيما بعد لاستصدار قرار من مجلس الأمة يعطي المرأة حق الانتخاب والترشح. ولكن الليبراليين فشلوا في ذلك، وبوصفي مراقبا أعتقد أن التجربة الديمقراطية هي التي خسرت.

وعما إذا كان الوضع البحريني حاليا يشبه الوضع الكويتي إبان فترة مجلس 1986، قال الباحث الكويتي: يمكن المقارنة مع الاختلاف، صحيح أن القوى الوطنية الكويتية قاطعت الانتخابات، لكن غالبية تمثل 60 في المئة شاركت. والمفاجأة أن غالبية المنتخبين أصبحوا مزايدين أكثر من أعضاء مجلس الأمة... أي أن الدولة تورطت، مما أدى إلى سقوط التجربة.

وفي تقييمه لمجلس 1986، قال: كنت أعتقد أن هذا النوع من التطور ربما يكون قادرا على تطوير العمل الموضوعي، وبعد فترة قصيرة جدا تبين بوضوح أن هذا خطأ.

بين البحرين والكويت

وعما إذا كان يعتقد أن البحرين ستقع في هذا المأزق نفسه الذي واجه الكويت بعد مجلس 1986، قال الرميحي: ربما نعم، وربما لا، وعلينا أن ننتظر لكي نرى التجربة في واقع الأمر. إذ يعتمد ذلك على خيارات الغرفة الثانية (مجلس الشورى) فإذا تم اختيار الكفاءات القادرة على فهم المرحلة، وتقديم حلول مناسبة، قد تستمر التجربة بشكل جيد. والواقع إن الإقدام على مثل هذا النوع هذه الخطوات، لا توجد له مسطرة ثابتة. وعن مدى قدرة التغييرات الدستورية التي أقرت وجود مجلسين على تحقيق أهدافها، قال: لا توجد وصفة جاهزة للتجربة السياسية، وأعتقد أن البحرين استفادت من دروس التجربة الكويتية. ولاحظ أن البحرين لا تعيش في فضاء خال من الضغوط، وهذه الضغوطات واضحة المعالم، وربما تكون أخذت في عين الاعتبار.

وعما ينقص التجربة البحرينية، قال الرميحي: لا توجد ديمقراطية من دون ديمقراطيين، ولا حركة إصلاح من غير إصلاحيين، وفي المجتمع البحريني هناك جزء يراقب، ولا يعمل على تفعيل التجربة، أنا لا أقصد المقاطعين، فهؤلاء يفعِّلون التجربة، وإنما أقصد الفئات المثقفة التي لم تلزم نفسها بتوجه سياسي محدد، وبالنظر إلى ما مرت به البحرين من آلام فمازالت الشكوك أكثر من الآمال.

ومن بين الأمور الأخرى التي ينبغي الالتفات اليها في التجربة البحرينية، أضاف الرميحي: الحديث في الشأن السياسي ينقصه الحديث عن الشأن الاقتصادي، وقد يفشل أي مشروع سياسي من دون رؤية اقتصادية. وهذا يجر معه الثقافي وحرية الصحافة. وأشعر أن وسائل الإعلام البحرينية في غالبيتها غير مواكبة للحدث، وأشعر بتقدير كبير لأطراف المعارضة لتفهم المرحلة وهذا شيء مميز في البحرين، فضلا عن هامش القبول والتفهم الذي يبديه عظمة الملك والذي يساعد على بناء الثقة

العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً