العدد 58 - السبت 02 نوفمبر 2002م الموافق 26 شعبان 1423هـ

عولمة المعايير خطر على المجتمع

الأحوال الشخصية:

لعل أول مشهد اجتماعي متمثل في شريحة محسوسة وبأسلوب صريح يسير نحو انبجاسات العولمة في جانبها الثقافي، هو الصرخة التي دوّتها لجنة العريضة النسائية في وسط البهو الخارجي لمبنى وزارة العدل والشئون الاسلامية في يوم الاثنين 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2002م.

ومع أنني على ثقة تامة بأن إلغاء المحاكم الشرعية في البحرين يعدّ من المستحيلات بحسب المعطيات السياسية والتركيبة الاجتماعية، والسائد الديني في وعي المجتمع، إلا أن دعوى إقرار قانون للأحوال الشخصية (وفقا للمعايير الدولية) يعد سابقة خطيرة استعجلت لجنة العريضة النسائية في طرحها توقيتا وهيئة.

تعد هذه الخطوة من أولى الخطوات للعمل النسائي المنقول للشارع، وللجنة العريضة على الخصوص، المتناغم مع التطورات الأخيرة في البحرين، والتي من المفترض أن تعطي انطباعا سلميا تجاه الآخر، والمتمثل في القضاة والمحاكم الشرعية (الشيعية والسنية) في هذا التحرك، وكان ينبغي أن تبدي حسن النوايا في إرادة الإصلاح والتقويم لا إرادة الإلغاء عبر التراشق الإعلامي غير المدروس، والتعليمات التي تطال من يؤدّي مهمته بإخلاص، فهذا سلوك لا شك منافٍ للنهج الديني والحضاري.

انتظرنا أن تكون اللجنة وهي تعبر عن صوت نسائي أكثر رحمة من الرجل على المجتمع، وإذا بها تعطي انطباعا بأنها لا تختلف عن السائد بل أشد قسوة.

وحسنا فعل المجلس الأعلى للمرأة باستنكاره هذه التصرفات التي عللها بأنها تنعكس سلبا على مواقف المرأة البحرينية وشقيقها الرجل.

أما الهيئة التي أبدت بها اللجنة اعتراضها ومطالباتها فلم تكن متناغمة مع ما تطالب به من تغيير في قوانين قامت على الشريعة الإسلامية السمحاء، أو قل على اجتهادات معتبرة من ذوي التخصص والاجتهاد الإسلامي، الأمر الذي يدعو أي مطالب بالتغيير إلى أن يتوسل بذات المنهج. ويتلخص خطأ الطرح في نقطتين:

الأولى: اللبس الواضح الذي وقعت فيه لجنة العريضة، بين القانون كمادة مستنبطة من الشريعة الإسلامية التي يدين بها شعب البحرين، وبين التصرفات والتجاوزات التي تحصل في أروقة المحاكم من سوء معاملة للمرأة عبر استغلال البعض للوظيفة، وهو أمر واقع كما صرّح بذلك القاضي في المحكمة الجعفرية الشيخ محسن العصفور في لقاء صحافي معه. فكان الأجدر بعضوات لجنة العريضة أن يدققن في خطابهن وفي هدفيته، لينصبّ في جدول إصلاح الخلل وتعديل الانحراف، بدل التعميم ومهاجمة القوانين والأحكام الشرعية.

الثانية: القفز على تعاليم الدين الإسلامي وتجاهل أحكامه بصورة بهلوانية، وذلك عندما طالبن بتطبيق (المعايير الدولية) في مجال قانون الأحوال الشخصية، والذي لا يخفى مخالفته لكثير من التشريعات الدولية التي جاءت متناسبة مع أوضاع الأسرة الغربية، ومخالفتها لكثير من ثوابت الدين الإسلامي.

وإنني لأستغرب أن يطالبن باللحاق بركب مسيرة المجتمع الغربي في أسوأ ما عنده، وفي نقاط ضعفه التي ابتلي بها وهي مجال الأسرة، والتي باتت مظاهرها واضحة للعيان من التفكك والانحلال الخلقي، فحري بنا أن نستفيد وننهل من التجارب الناجحة في مجال العطاء المتنوع للمرأة، والبحث عن أسرارها وفاعليتها في تنمية المجتمع، بل والنهوض بمستواها الثقافي بقيامها بحمل نفسها وبمعاونة الرجل لذلك المنحى، وليس مطالبة الرجل وانتظاره لينتشلها مما هي فيه، فإن الرجل مطالب في الوقت ذاته بالنهوض بمستواه وبتطوير كفاءته لخدمة التنمية الاجتماعية والثقافية.

إن مطالبة كهذه من لجنة العريضة تعد عولمة للخصوصيات من المجتمعات الغربية للمجتمعات الإسلامية بيد أصحابها، وتسييرها بهذه الصورة من التظاهر الأجوف والتراشق الإعلامي الخاوي يعدّ سطحية تفتقر إلى العمق، إذ تحتاج عملية بهذا المستوى إلى أن تقدم اللجنة مشروعا فكريا يستوعب جميع الأبعاد وينظر لكافة المناحي الاجتماعية، وهذا ما نظر إليه الدين الإسلامي وأنزله في تشريعاته لتنظيم حياة الناس.

البحرين - محمود الموسوي

العدد 58 - السبت 02 نوفمبر 2002م الموافق 26 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً