مع بداية التنبؤ بإطلالة هلال شهر رمضان المبارك من كل عام تبدأ قصة الاختلاف الجديدة القديمة في الظهور، وهنا تطفو على سطح المجتمعات الاسلامية اشكالية أول يوم من شهر رمضان هل هو يوم السبت أم الأحد، الأربعاء أم الخميس ؟ وهكذا. القصة ليست جديدة بل هي قديمة تناقلتها مراحل مختلفة من أعمار تاريخ المسلمين، واختلف فيها المسلمون على شتى مشاريهم. فكما هو الاختلاف على اشكالية أول يوم قمري من شهر رمضان كذلك هو الاختلاف يكون على آخر يوم من أيامه حيث اشراقة عيد الفطر المبارك. الاختلاف تاريخيا وحديثا حاصل عند جميع الطوائف (السنة والشيعة).
ففي العام 1964 اصبح هناك في النجف عيدان إذ أفطر مرجع من مراجع النجف الأشرف هو ومقلدوه يوم الجمعة وافطر المرجع الآخر في النجف هو ومقلدوه يوم السبت (فقه الامام الصادق. مغنية. باب الصوم).
كما وانه حدث الأمر ذاته لدى أهل السنة على مسألة رؤية الهلال. ففي سنة 1939 اصبح هناك 3 أعياد لعيد الأضحى إذ اصبح عيد الأضحى في مصر يوم الاثنين وفي السعودية يوم الثلثاء وفي بومباي يوم الأربعاء.
بعض من الفقهاء يرى أنها مسألة طبيعية راجعة الى قضية (الثقة وعدم الثقة بمدعي الرؤية) لكن الفقهاء اختلفوا في تفسير الحديث «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته». بعضهم قال الرؤية هنا محصورة بالعين المجردة لا غير فلا شرعية لأية آلة حديثة (مجهر/تلسكوب) ولا تعويل عليها - شرعا - في اثبات الرؤية. قد تكون قرينة مساعدة ليس إلا. فبها وحدها لا تكتمل حجية الرؤية وثبوت الهلال.
هذا الموقف كان سائدا حتى كُسر - نتيجة فتح باب الاجتهاد - فهناك من تبنى - نتيجة للاستنباط الشرعي ايضا - موقفا متقدما وتأصيليا في الوقت ذاته.
إذ أفتى السيد محمد حسين فضل الله بامكان تثبيت رؤية الهلال من خلال الحسابات الفلكية لولادة الهلال عبر التلسكوب وغيره ما دام يفيد الاطمئنان القلبي، فهو يرى ايضا «اذا ولد الهلال بدأ الشهر في جميع انحاء العالم سواء كانوا متحدي الافق أم لا» بل بلغ الرجل حدا في احضار العلم الحديث واعطائه دورا في كشف الموقف الشرعي في اضعاف حتى شهود الهلال إذ يقول: «ويدخل في الحساب التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق فإنه اذا حدد وقتا وادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملا سلبيا يُضعف من تلك الشهادات». (فقه الشريعة).
ما زال هناك جدل واسع في تفسير الرؤية منهم من قرأ النص حرفيا ومنهما من رآه صورة من صور متعددة للرؤية كما رأى ذلك الفقيه مغنية «الرؤية مجرد طريق للثبوت».
تبدأ الرؤية جدلا واسعا وتبدأ تنتهي مع تلاحق وتصرم ايام شهر رمضان ويختلف الناس مع التعاطي مع الشهر الكريم فمنّا من يحييه بالعبادة ومنا من يستقبله استقبال ذلك الاعرابي عندما علم قرب طلوع شهر رمضان فقال: «والله لأقطعنه بالأسفار».
بين هذا وذاك مسافة ومسافة أخرى لقائل:
رمضانُ ولَّى هاتِها يا ساقي
مشتاقة تهفُو الى مشتاقِ
العدد 60 - الإثنين 04 نوفمبر 2002م الموافق 28 شعبان 1423هـ