المتابعة المستمرة لما تنشره هذه الصحيفة المباركة، من أمور ومواضيع فيما يخص الشأن المحلي، تؤكد أن هذه الصحيفة أخذت على عاتقها الإلتزام بخط الوسطية في طرح الأمور من خلال البحث عن الحقائق لكشف السلبيات من أجل التوضيح والتصحيح، وليس من أجل الشتم والتشهير.
تابعت نبأ الصحيفة عن اعتزام الحوزة العلمية للدراسات الاسلامية تنظيم دورة لمغسلي ومغسلات الموتى. ومن ضمن ما جاء في الخبر إشادة أحد أحفاد سماحة السيد جواد الوداعي، بعمل المغسلين في مقبرة الحورة، واعتباره مغسلة الحورة هي المؤهلة رسميا لاستقبال موتى الحوادث لما يتطلبه موتى الحوادث من خبرة في تغسيل أجسادهم التي يكثر فيها نزيف الدم والجروح الكبيرة. بحكم ارتباطي الشخصي عن قرب بعمال مقبرة الحورة، إن المغسلين والمغسلات بشكل عام يقومون بخدمات جليلة لا يمكن إنكارها، وهم بعملهم هذا يرفعون العبء عن المجتمع بأكمله، خصوصا بالنسبة إلى أولئك السامعين بحالة وفاة لم تغسل ولم تجهز، وعملهم كما هو معلوم فرض كفاية له شروطه وله أحكامه. أفلا يستحق هؤلاء أن تتوافر لهم الحياة الكريمة وعدم الإضرار بحقوقهم المشروعة، التي يقرها الميثاق ويؤكدها الدستور؟ ، والكل يعلم أنهم معرضون لقنابل العصر الفتاكة من إيدز وكبد وبائي، تحملها معها بعض الجثث الواردة لهم من مختلف المناطق في البحرين.
مع ذلك نحن نسمع، ولسنا على يقين مما يقال، ونأسف لما نسمع، يقولون: أن إدارة الأوقاف الجعفرية - والتي يتبعها هؤلاء العمال - تبخسهم حقوقهم القانونية وليست على استعداد للإستماع لشكاواهم المتكررة والمألوفة أو مناقشتها بشكل إداري، ووضع الحلول لها، حتى أن مدير الإدارة السابق - حين عرضت عليه إحدى العاملات مطالب العمال - رفض الإستماع قائلا لها، وهو مبتسم وبكل برود أعصاب:
«اذا مو عاجبنكم فنشوا، الف غيركم يبغي هالشغله، وبراتب أقل بيقبلون».
إن ما يطالب به عمال مقبرة الحورة ليست بدعا، بل هي حقوق دستورية وقانونية يكفلها لهم قانون العمل والعمال البحريني القائم والمعمول به قبل إعلان الميثاق والدستور.
من تلك المطالب، تحديد ساعات العمل اليومي ومنح الإجازات الإسبوعية والعطلات الرسمية. حتى في القوانين (القراقوشية)، ليس فيها بند يلزم العمال بدوام رسمي على مدار الساعة دون إجازة إسبوعية والإستمتاع بالعطلات الرسمية. لكن عمال مقبرة الحورة مرغمون بقبول أن يكونوا تحت الطلب في أي وقت، حتى وإن كان الإستدعاء في ساعات الصباح إذا ما طلب منهم ذلك.
ومن مطالبهم أيضا طلب تسجيلهم في ديوان الخدمة المدنية للإطمئنان على حياتهم وظروفهم المستقبلية، وهذا المطلب متكرر إلا أن الإدارة الموقرة تصر على اعتبارهم عمال مناوبة، ونحن نعلم أن تغسيل الموتى عمل دائم لا مؤقت وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فبعضهم قضى في عمله أكثر من عشر سنوات ولازال يعمل تحت الظروف القاسية بآمال محبطة.
أما حين المطالبة برفع الأجور فإن الأبواب تغلق وترفض مناقشة هذا الموضوع بحجة أن «المقبرة مطلوبة»، ولا أدري حقيقة كيف تراكمت الديون على مقبرة الحورة، وتحت تصرفها مبان ضخمة موقوفة للصرف من إيراداتها الشهرية على احتياجات المقبرة من أكفان ومواد بناء وأجور عمال.
وعند المطالبة بزيادة عدد العمال (حاليا اثنان للرجال واثنتان للنساء) لمقبرة الحورة لوضعها الخاص باستقبال الموتى من مختلف مناطق البحرين، فإن عدد العاملين من وجهة نظر المسئولين في إدارة الأوقاف الجعفرية، يكفي لتغطية متطلبات العمل، من دون أن يسألوا فيما لو أن أحدهما مرض أو إحداهن مرضت أو تمتعت بإجازتها السنوية التي لاتتجاوز العشرين يوما، كيف ستكون حال العمل وتأدية الواجب الشرعي في تلك الحال.
من هذا المنبر الحر أطالب الإدارة الجديدة بالأوقاف الجعفرية، أن تعيد النظر في أوضاع العاملين بمقبرة الحورة وجميع المقابر التي تحت مظلة إدارتها، وأن تتدارس حقوقهم العمالية والقانونية، ونحن على أمل تحقيق ذلك منتظرون... ولهم من الشاكرين.
يوسف أبو إدريس
العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ