شدد وزير المال اللبناني السابق جهاد أزعور أمس (السبت) على ضرورة أن تتخذ الدول العربية «إجراءات على المدى القصير للتخفيف من التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار الغذاء»، عارضا لتجربة لبنان في هذا المجال، لكنه رأى أن «من المستحسن أن تتفادى الحكومات قدر الامكان برامج دعم السلع شاملة النطاق، نظرا الى كلفتها العالية والى أنها لا تستهدف الفئات الأكثر احتياجا».
وتناول أزعور في مداخلة له ضمن الاجتماع الثاني عشر لآلية التنسيق الاقليمية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) في بيروت «الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والذي طال بشكل كبير الفئات متدنية الدخل في المنطقة والعالم»، فأشار إلى أن «من المتوقع أن تعود الأسعار إلى الانخفاض تدريجيا على المدى القصير، لكنها ستبقى أكثر ارتفاعا مما كانت سابقا»، غير أنه لاحظ أن «الصورة غير واضحة بالنسبة إلى السنوات المقبلة، وتتوقف على السياسات التي سيتم اتباعها منذ الآن لتشجيع زيادة الانتاج». وقال إن «المشكلة الفورية هي في شكل أساسي أزمة أسعار الغذاء لا أزمة نقص في الغذاء». وأضاف أن «زيادة أسعار الغذاء انعكست بشكل سلبي جدا على الفقراء، وحرمت الكثير من الحصول بشكل كافٍ على الغذاء». ولاحظ أن «هذه االمشكلة بدت أكثر حدة لأن حصة الغذاء من الإنفاق في الأسرالعربية كبيرة جدا». ولاحظ أزعور أن «الانتاج الزراعي متدن في عدد من دول «أسكوا» والدول العربية على رغم أن ثمة تحسنا كبيرا»، لكنه أشار إلى أن «هذا التحسن يحتاج إلى وقت وإلى جهود مشتركة».
وشدد على أن «الاجراءات على المدى القصير يمكن ويجب أن تستخدم للتخفيف من التأثيرات السلبية القصيرة الأمد لارتفاع أسعار الغذاء، وهذه الاجراءات يفترض أن تركز في آن واحد على التخفيف من عبء ارتفاع الأسعار على الفئات الفقيرة، وعلى توفير الغذاء لهذه الفئات». وأشار إلى أن «من هذه الاجراءات تحسين استهداف شبكات الحماية الاجتماعية، وتوسيع برامج المساعدات النقدية المشروطة، وتنفيذ برامج دعم موقتة لعدد محدود من السلع الغذائية الأساسية للفقراء، وتوسيع البرامج الغذائية في المدارس، وبرامج الغذاء مقابل العمل».
ولاحظ أن «بعض دول المنطقة اتخذ اجراءات من هذا النوع، ومنها لبنان، من خلال برامج تغذية في المدارس، وتوفير مداخيل اضافية للفقراء المسنين، وتأمين مساعدات مالية للعائلات الفقيرة». وأشار إلى «توسيع كل من الأردن ومصر برامجهما للمساعدات النقدية، فيما لجأت دول أخرى إلى خفض الرسوم أو الغائها على سلع غذائية أساسية».
لكن أزعور شدد على «ضرورة تفادي السياسات التي تترك آثارا سلبية على الدول التي تعتمد على استيراد الغذاء». واعتبر أن «القيود على التصدير مؤذية وكذلك المراقبة المباشرة للأسعار التي تشوه الحوافز السعرية وتلجم الانتاج». ورأى أن «من المستحسن أن تتفادى الحكومات قدر الإمكان برامج دعم السلع الشاملة النطاق، نظرا إلى كلفتها العالية وإلى أنها لا تستهدف الفئات الأكثر احتياجا». وأضاف «في موازاة هذه الاجراءات على المدى القصير، يجب الشروع في معالجة العوامل بعيدة المدى التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية».
ودعا أزعور إلى اعادة النظر في المؤسسات والصناديق الاقليمية التي تعنى بتمويل المشاريع التنموية، وإلى وضع أجندة عربية مشتركة للتنمية، لا تقتصر المشاركة فيها على حكومات الدول العربية، بل تشمل كذلك المؤسسات الأهلية والقطاع الخاص من مختلف الدول العربية».
وعرض أزعور للتحديات والتحولات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على المنطقة العربية، فأشار أولا إلى تباطوء النمو في العالم، وإلى «عودة مخاطر التضخم بعد غياب طويل»، وتحدث عن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والسلع، «ما يتسبب بمشاكل سياسية في عدد من الدول العربية، بعد أن أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم وخصوصا في الدول العربية المتدنية والمتوسطة الدخل، وإلى اختلال ميزان المدفوعات وزيادة فاتورة الاستيراد في عدد من هذه الدول».
كذلك أشار أزعور إلى الأزمة التي تشهدها الأسواق المالية ملاحظا أنها الأكثر حدة منذ الثلاثينات. واعتبر أزعور أن ذلك «يظهر الحاجة إلى تحسين نظام إدارة المخاطر في القطاعات المالية في المنطقة العربية، بهدف الحفاظ على قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع التنموية على الوصول إلى التمويل».
وشدد أزعور على أن «السياسات التي يجب ان تنتهجها الدول العربية لمواجهة هذه التحديات، يجب أن تأخذ في الاعتبار التحول النسبي المستمر في الأسعار، وعودة التضخم إلى الظهور».
ودعا أزعور إلى «أن تأخذ هذه السياسات في الاعتبار ضرورة حماية الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا، وتعزيز الاستثمار في قطاع النفط ومصادر الطاقة بشكل أعمّ، والعمل على الحدّ من ارتفاع معدلات التضخم من خلال اتباع سياسة نقدية ومالية أكثر تشددا». ورأى أن الدول التي ترتبط عملاتها بشكل وثيق بالدولار الأميركي، «تحتاج كذلك إلى اتباع سياسة ماكرو اقتصادية أكثر تشددا، في مواجهة الضغوط التضخمية»
العدد 2201 - الأحد 14 سبتمبر 2008م الموافق 13 رمضان 1429هـ