العدد 2139 - الإثنين 14 يوليو 2008م الموافق 10 رجب 1429هـ

سبعة آلاف مواطن وثقوا تعرضهم للتعذيب على مدى سنوات

بني جمرة - محرر الشئون المحلية 

14 يوليو 2008

تلاقت آراء عدد من المهتمين بملف التعذيب في البلاد في مسار تجديد الدعوة لحوار وطني بين الحكومة وبين مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في «التحالف من أجل الإنصاف والحقيقة»، من أجل تحقيق العدالة الانتقالية، وذلك في منتدى «مجلس الشيخ الجمري» الأسبوعي الذي خصص مساء أمس الأول (الأحد) لمناقشة قضية «ضحايا التعذيب».

وتناول ثلاثة متحدثين هم ميرزا القطري (ممثلا عن الأمانة العامة لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي ومسئول مركز الرصد ومتابعة حقوق الإنسان)، وعبدالغني خنجر (رئيس لجنة الشهداء وضحايا التعذيب)، ونبيل تمام (ممثلا عن مركز الكرامة التابع للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان) وأداره ميرزا أحمد، تناولوا إلقاء الضوء على ملف التعذيب، ولكن من زاوية جديدة هذه المرة، وهي استمرارية الانتهاكات والتعذيب وخصوصا أن المنتدى تزامن مع يوم صدور الأحكام ضد المتهمين بسرقة السلاح وحرق سيارة الشرطة.

وفي بداية اللقاء، استهل ميرزا القطري الحديث عن صورة إجمالية للوضع في البلاد، بادئا بتعريف التعذيب المنظم الذي يلحق بالمعتقل منذ اعتقاله الى حين الإفراج عنه، ويشمل ذلك اسلوب الاعتقال والتوقيف والتحقيق والمحاكمات التي لم تكن عادلة ومستقلة وفي معظم الحالات تكون مسيسة.

زيف «أمن الدولة»

وانتقل القطري الى فترة ما بعد توقيع ميثاق العمل الوطني، حيث أشار الى أن الكثير أملوا أن تشهد البحرين احتراما أكبر لحقوق الإنسان لكن مع الأسف، فإن الفترة الأخيرة التي شهدت الاحتقان السياسي في ديسمبر كانون الأول 2007 كشفت الكثير من الأمور، وكشفت زيف «أمن الدولة»، وبقاء هذا الجهاز على ذات الأيدي وذات الأجهزة التي كانت موجودة في السابق، وبذات الأسلوب وذات الآليات، وكثير من أولئك الأشخاص الذين يمارسون التعذيب اليوم هم ذاتهم الذين كانوا يمارسونه في السابق، رغم انضمام البحرين لمجلس حقوق الإنسان وكذلك انضمام البحرين الى اتفاقية مكافحة التعذيب.

وواصل حديثه بالقول: «شهدنا اليوم صدور احكام قاسية لمدة سبع سنوات لمتهم وخمس سنوات لأربعة أشخاص وسنة لستة أشخاص، وتبرئة أربعة آخرين، وكلهم انتزعت الاعترافات منهم تحت التعذيب والمحكمة لم تكن تملك أدلة كافية على إدانتهم».

وأشار الى أن هناك أنظمة أو توصيات تعهدت البحرين بها في العام 2005 حيث اعربت لجنة مناهضة التعذيب عن قلقها وقلق الأوساط الدولية تجاه ما يجري في البحرين، وقد تعهدت البحرين بالوقوف على الهواجس التي تتكلم عنها الجهات الحقوقية في الداخل وستتخذ اجراءات تضمن حماية حقوق الإنسان ومن ضمنها تشكيل هيئة وطنية، لكن حتى اليوم، نحن لانزال ننتظر نتيجة مناسبة ترفع أو تمنع التعذيب المتواصل والمنظم في سجون البحرين، الذي يعاني منه الكثيرون - ليس من السجناء السياسيين فحسب - بل من السجناء الجنائيين الذين سجل بعضهم شكواه في ملفات الجمعيات الحقوقية، معربا عن تمنيه في أن يتم تقديم المتورطين في التعذيب للمساءلة القانونية، وخصوصا أنه كلما أهملت المطالبة بالمحاسبة، كلما تجددت ممارسات التعذيب.

ليس انتقاما أو كيدا

ومن جانبه، تساءل رئيس لجنة الشهداء وضحايا التعذيب عبدالغني خنجر: كيف يمكن للمجتمع المدني أن يحارب التعذيب والمعذبين؟. وبدأ حديثه بالإشارة الى أنه ليس متحدثا عن التحالف من أجل الإنصاف للحقيقة والمصالحة بل ممثلا للجنة الشهداء وضحايا التعذيب، ونوه الى أنه لن يتحدث عن مرحلة «أمن الدولة»، ولكنه سيتحدث عن استمرار معاناة ضحايا التعذيب وضحايا الانتهاكات السابقة، فهناك عدة انتهاكات قد حدثت ومنها التعذيب في السجون أو التعرض لممتلكات المواطنين ومحاولة ضرب مصدر رزقهم والكثير من الانتهاكات التي اقترفها بعض رجال الأمن في جهاز أمن الدولة سيئ الصيت.

وقال واصفا الصورة البديهية للمتعرضين للتعذيب: «هناك من خرج بعاهة أو إصابة أو حالة نفسية أو خسر مستقبله الدراسي والوظيفي والكثير من هؤلاء الضحايا موجودون، والأهم هو أن هؤلاء الضحايا لايزالون يضحون وهنا تبرز أهمية طرح ملف الضحايا، ونحن لا نطرحه من أجل الانتقام أو الكيدية للنظام وانما نعتقد أنه ملف حقوقي على الدولة أن تتحمل مسئوليتها الوطنية في تحمله وعلى مؤسسات المجتمع المدني المشاركة في دعم هذا الملف».

وضرب مثلا عن المتضررين من الانتهاكات والتعذيب على مدى السنوات الماضية، حيث أشار الى أن لجنة الشهداء وضحايا التعذيب لديها اليوم 7 آلاف استمارة لضحايا من المواطنين تعرضوا للانتهاك والتعذيب، موضحا أنه على امتداد فترة أمن الدولة من العام 1974 الى العام 2000 وهي فترة طويلة اعقبتها فترة الإصلاح، برزت وجهة نظر النظام/ السلطة مستندة على قانون العفو العام، والمرسوم بقانون 56 الذي جاء ليفسر العفو العام واغلاق ملف الماضي، وأن هذا القانون شمل المتورطين في قضايا التعذيب من كبار الضباط والمسئولين الأمنيين، لكن بالنسبة الى لجنة الشهداء وضحايا التعذيب فهي ترى أن هناك معيارا مختلفا وهو المعيار الدولي الذي وقعته الدولة في وثيقة مناهضة التعذيب وهي الوثيقة التي تلزم بالاستماع الى وجهة النظر الأخرى، وهي وجهة نظر المعارضة.

الدولة هي المسئولة

ويوضح خنجر «أما بالنسبة الى المعارضة، فإننا لا نقول إنه لا يوجد متضررون آخرون، بل نقول إن من حقهم الحصول على التعويض لكن على أساس أن الدولة هي السلطة المسئولة عن تلك الفترة وهي مسئولة عن الطرفين، وعليها أن تنصف ضحايا التعذيب وتؤهلهم وتعوضهم ماديا عن الخسائر التي تعرضوا لها، وأن تقدم مرتكبي التعذيب أو المتهمين الى العدالة وأن تكشف الحقيقة في الأحداث التي وقعت لأن الحكومة هي التي حققت وهي التي داهمت وهي مسئولة عن الذين تعرضت ممتلكاتهم للحرق، وعليها أن تعوضهم لأنها تمثل النظام وهي المسئولة عن جميع المواطنين وهذا طرح لجنة الشهداء وضحايا التعذيب ومعهم الجمعيات الحقوقية».

واختتم بالإشارة الى أن الدولة مطالبة برفع الحصانة عن المتهمين بالتعذيب، وكذلك مطالبة بتأهيل الضحايا نفسيا واجتماعيا، وتقديم تعويضات مجزية بحسب المعيار الدولي وتقديم المتورطين في التعذيب للمساءلة القانونية.

وعبر عن أسفه لعدم تجاوب الدولة التي «صمت آذانها عن مناشدات الداخل وتجاهلت معاناة الضحايا»، موضحا أنه في حال عدم تنفيذ اتفاقيات الامم المتحدة وعدم الاستماع للرموز والشخصيات والوجهاء، فالعواقب ستكون وخيمة، لأن الملف خطير وهو من الملفات الحساسة، ولطالما أن المتهمين بالتعدي لايزالون موجودين في مراكز القرار ويتمتعون بالحصانة، فالحقبة السابقة ستعود، ولا يمكن دخول حبة إصلاح دون تغيير طابور المعذبين والمنتهكين.

وقال إن الجهود توحدت فيما عرف باسم التحالف من أجل الحقيقة والإنصاف وهذا التحالف مكون من 11 جهة حقوقية وسياسية الهدف منه هو الاستمرار في الضغط على النظام من أجل اقناعه بأن هذا الملف يجب حله من خلال تفاهم ومصالحة وطنية شاملة.

أسلوب جديد للتعذيب

في الوقت المخصص له، تحدث رئيس مركز الكرامة نبيل تمام عن تأهيل ضحايا التعذيب، مستهلا بلفتة تاريخية تشير الى وقوع شهداء وضحايا في فترات متفاوتة لكنه قاربها على مدى عقد (أي فارق عشر سنوات) تشهد فيها البحرين اضطرابات يقع فيها الشهداء والضحايا منذ ما قبل مرحلة الاستقلال عن الإنجليز حتى قانون أمن الدولة والتعذيب الممنهج في تلك الفترة، وصولا الى فترة الإصلاحات التي شهدت تكون منظمات المجتمع المدني، موضحا أنه رغم كل ذلك، فجميع أشكال التعذيب تحدث داخل السجن، حتى أن هناك من موقوفين غير سياسيين، يتعرضون للانتهاك، ذاكرا الموقوفين في قضية إحدى الشركات الكبرى حيث ابقوهم في سجن مع آسيوي يبلغ من العمر أربعين عاما وهو مصاب بمرض السل، وقد سعينا لعزل هؤلاء الموقوفين وادخالهم لتلقي العلاج بالمستشفى، مستدركا بالقول: «هذا أمر جديد أن يودع الموقوف أو المعتقل مع سجين مصاب بمرض معد».

وذكر أن مركز الكرامة يضم مجموعة من الأطباء المتطوعين، يسعون لتأهيل ضحايا العنف من خلال العلاج النفسي والطبي، وذلك من خلال رصد انتهاكات حقوق الإنسان، والتركيز على العلاج النفسي لأنه يبقى لمدة طويلة، لافتا الى أن المفرج عنهم الأربعة اليوم (أمس الأول الأحد)، يعيشون حياة طبيعية، لكن لو اقتربتم من داخلهم لاكتشفتم شرخا عميقا لا يعاني منه وحده، بل يعاني منه أهله أيضا وهنا يأتي دور العلاج النفسي.

وقال تمام: «في العام 2001 بدأنا لجنة الرصد وفي العام 2004 تحولت الفكرة الى مركز الكرامة برئاسة علي رضا، واصبحت المسئول عنه منذ العام 2008، لذلك أقول إن الهدف الرئيسي من إعادة التأهيل أن تبحث عن الشرخ الذي حصل لهذا الشخص وتحاول أن تعيد تأهيله وكذلك تؤهل أهله كالزوجة والأولاد، ولابد من الإشارة الى أنه ما بين الأعوام 2001 و2007، حصل تبييض للسجون ولكن غالبية الحالات التي نتابعها هم ضحايا فترة انتفاضة منتصف التسعينيات ويبلغ عددهم 49 رجلا وامرأة، ومعدل الأعمار بينهم 36 عاما.

واختتم المنتدى بمناقشات دارت في إطار المطلوب للتحرك من أجل انجاح المطالب وانصاف الضحايا، حيث أشار عضو كتلة الوفاق محمد جميل الجمري الى أن أية عملية إصلاحية لابد أن تشمل اتفاقا للوقوف ضد الانتهاكات، أي أن يكون من ركائز المشروع الإصلاحي ألا تكون هناك ملفات عالقة من الحقبة الماضية، فالشهادات المتواترة عما يحدث في السجون لا يقل اطلاقا عما كان يحدث في حقبة أمن الدولة وهذا شيء مفزع جدا.

واضاف «أرى أن مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها «الوفاق» باعتبارها تمتلك التمثيل النيابي، يجب أن تعمل للدفع في اتجاه الحوار الوطني كنتيجة معينة يجب أن تفضي الى الاعتراف بوجود هذا الوضع وأن هناك أناسا متضررين وأن يكون هناك رد اعتبار لهم والاعتراف بالشهداء الذين سقطوا في سبيل قضايا عادلة ظلموا في تلك القضايا وهذه مسئولية ملقاة على عاتقنا جميعا، وبالنسبة الى موضوع العدالة الانتقالية أجد أن هذا الموضوع يجب أن يحظى بالكثير من الاهتمام من قبلنا في الوفاق ومن قبل المجتمع المدني باعتباره يعيد الاعتبار للكثير ممن تضرروا من تلك الحقبة».

العدد 2139 - الإثنين 14 يوليو 2008م الموافق 10 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً