تفتح استقالة الرئيس الباكستاني برويز مشرف، بعد تسعة أعوام من قيادته باكستان، المجال أمام عصر جديد من الديمقراطية والاضطراب في بلد يمثل القوة النووية الإسلامية الوحيدة في العالم.
والحقيقة، هي انه يمكن أن تكون الاستقالة خبرا سيئا بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحربها ضد حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، فقد راهنت واشنطن بشكل كبير على مشرف خلال الأعوام الثمانية الماضية وما لاقته هو العائدات المحبطة على استثمارها.
فقد دعم مشرف الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب عندما لزم الأمر، لكنه فقد السيطرة على كل الإقليم الحدودي الشمالي الغربي الباكستاني لمصلحة الباشتون الإسلاميين الذي يدعمون حركة طالبان في أفغانستان.
وسمح مشرف للولايات المتحدة باستخدام قواعد الجو الباكستانية وسمح لطائرات سلاح الجو الأميركي بالطيران فوق الأراضي الباكستانية لتزويد القوات الأميركية وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بما يلزمها في قتالها مع «طالبان» في أفغانستان المجاورة.
لكن في الوقت نفسه، تمكنت حركة «طالبان» من تنفيذ عملياتها عبر الحدود من الإقليم الحدودي الشمالي الغربي الباكستاني من دون أي عقاب، وأخذت تجرد حكومة الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، المدعومة أميركيا، من القوة والصدقية ببساطة شديدة.
كان التصميم على إخراج مشرف من السلطة وإرساء حكم مدني هو الشيء الوحيد الذي اتفق عليه ائتلاف الأحزاب المعارضة في العاصمة الباكستانية إسلام أباد. وحصل أمر كهذا في مناسبات سابقة في تاريخ باكستان الاستقلالي الذي يمتد خلال 61 عاما، ولطالما حصل الانتقال ببساطة نسبيا لكن الظروف مختلفة هذه المرة. ففي مناسبات سابقة، كان يوجد قائد سياسي مدني مسيطر واحد يأخذ السلطة من الجيش، أما هذه المرة فثمة خصمان متعاركان.
ولا يحظى حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، بأية ثقة في الولايات المتحدة لأنه دعم مشرف بحماس لفترة طويلة. ومع ذلك، يحتاج الحزب إلى التعاون من جانب حزب الشعب الباكستاني المنافس الذي كانت تقوده رئيسة الوزراء السابقة بيناظير بوتو حتى اغتيالها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ويرأسه حاليا زوجها آصف علي زرداري.
وترغب إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في أن يتسلم زرداري رئاسة الوزراء تماما كما سبق وراهنت على زوجته الراحلة بوتو، لكن شريف يكره زرداري بقدر ما يكره السم.
ويتهم النقاد بوش وصناع القرار لديه بعدم حث مشرف على تطوير اقتصاد بلاده. وأصبحت باكستان سلة اقتصادية محبِطة خلال سنوات حكم مشرف، وانتشر الفقر وساهم الإحباط الاقتصادي والبطالة في تغذية الأصولية الإسلامية في البلد الذي يضم 150 مليون شخص.
يشار إلى انه كان هناك تشكيك كبير حول المكان الذي سيذهب إليه مشرف: فمن المرجح أن يرغب في البقاء في باكستان والتخطيط ضد زرداري وشريف اللذين يشمئز منهما. كما يتمتع الرئيس الباكستاني المستقيل بعلاقة شخصية مقربة بخلفه الذي اختاره شخصيا لرئاسة الأركان في الجيش الباكستاني الجنرال أشفق برويز كاياني.
لكن كاياني تنحى وترك مشرف من دون دعم في المعركة السياسية الأخيرة التي أدت إلى استقالة الرئيس.
وربما يخشى مشرف أن يحاول زرداري بشكل خاص محاكمته لتورطه في اغتيال بوتو. لذلك، فالأكثر رجاحة هو أن ينتقل إلى السعودية إذا اضطر إلى مغادرة بلاده على رغم أن تركيا خيار مطروح أيضا.
إذا، يبقى المستقبل غير مؤكد، فلم ينجح شريف في منع الجيش بقيادة مشرف من الإطاحة به في أكتوبر/ تشرين الأول 1999، ولم يعط أية إشارة على رغبته في معالجة المشكلات الباكستانية عندما كان رئيسا للوزراء في كل الأحوال.
أما زرداري فلم يكن يوما زعيما سياسيا بقوته الخاصة وإنما يدين ببروزه لكونه زوجا لبوتو. مع العلم انه لقي هو وبوتو شتائم كثيرة عند وجودهما في السلطة بسبب فسادهما الكبير.
والواقع أن ثمة احتمالا في أن يوافق زرداري على أن يكون رئيسا من دون سلطة سياسية، تاركا السلطة الحقيقية لشريف. لكن الأرجح أن يشجع صانعو القرار الأميركيين زرداري على الدفع من أجل منصب رئيس الوزراء لإبقاء شريف خارجا.
ويتوقع أن يتواصل زرداري المدعوم أميركيا بشكل أفضل مع رئيس الأركان في الجيش الجنرال كاياني. وقد يرغب كبار المسئولين في الجيش الباكستاني في التملص من محاربة «طالبان» في المناطق القبلية في شمال غرب البلاد لأن الجيش يتكبد خسائر كبيرة في ذلك النزاع.
الأشياء الوحيدة التي تبدو مؤكدة هي أن وضع باكستان لن يكون مستقرا، في حين أن حركة «طالبان» ستمضي في السيطرة الفعلية على شمال غرب البلد وستكون الحكومة المركزية في إسلام أباد أكثر ضعفا.
الائتلاف الباكستاني يخفق في تسمية بديل مشرف وإعادة القضاة
إسلام آباد - يو بي آي، د ب أ
أخفقت أحزاب الائتلاف الحكومي الباكستاني الحاكم أمس (الثلثاء) في التوصل إلى اتفاق بشأن تسمية رئيس جديد للبلاد لخلافة الرئيس السابق برويز مشرف إضافة إلى مسألة إعادة القضاة إلى مناصبهم الذين عزلهم مشرف.
وذكرت قناة «جيو.تي.في» الباكستانية أن اجتماع أحزاب الائتلاف الذي شارك فيه كل من الرئيس المشارك لحزب الشعب الباكستاني آصف علي زرداري، ورئيس الوزراء السابق نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز وعقد في منزل الأول انتهى من دون التوصل إلى نتيجة.
وشارك في الاجتماع بالإضافة إلى زرداري وشريف عدد من قادة أحزاب الائتلاف من بينهم نزار علي خان، ورئيس وزراء إقليم البنجاب شاهباز شريف، وزعيم جمعية علماء الإسلام مولانا فضل الرحمن، ورئيس حزب عوامي الوطني إسفنديار والي خان.
من جانب آخر، نفى وزير العدل الباكستاني فاروق نايق أن تكون الحكومة الائتلافية وقعت صفقة مع الرئيس المستقيل برويز مشرف مقابل تركه المنصب، مؤكدا أن «الرئيس السابق استقال بإرادته».
والى ذلك، قال مسئول في حزب شريف إن مشرف لن يغادر البلاد وسيواجه أية اتهامات توجه له. وفي تطور متصل، نفى سفير السعودية في إسلام آباد علي عواض عسيري أن تكون لدى المملكة أي نية لاستقبال مشرف. موضحا أن «ما تناقلته وكالات أنباء بشأن وجود طائرة سعودية في باكستان لنقل مشرف إلى المملكة عارية عن الصحة تماما»، فيما أفادت صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية أن الرئيس الباكستاني المستقيل سيلجأ إلى لندن.
في غضون ذلك، قتل 30 شخصا على الأقل عندما فجر انتحاري نفسه في تجمع شيعة شمال غرب باكستان كما أعلنت الشرطة.
العدد 2175 - الثلثاء 19 أغسطس 2008م الموافق 16 شعبان 1429هـ