العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ

المريخي والشملاوي والهاشمي يناقشون أزمة قانون الأحوال الشخصية

في ندوة نظمتها جمعية المستقبل النسائية

قال قاضي المحكمة الشرعية الكبرى السنية إبراهيم المريخي إن من الأفضل تقنين الأحوال الشخصية في ظل وجود قضاء ضعيف ومهلهل، أما في حال وجود قضاء قوي وقضاة يتميزون بقدر كبير من العلم والمعرفة فيفضل عدم تقنينها. وأشار إلى أن مسألة تفضيل التقنين تنتج عن وجود ضعف في القضاة وعدم قدرتهم على الأخذ من كتب العلماء واستخراج القواعد وطرح المسائل الجديدة وإلحاق النظير بنظيره في كتب الفقه.

جاء ذلك في ندوة نظمتها حديثا جمعية «المستقبل النسائية» في نادي سار الثقافي والرياضي تحت عنوان «جدلية قانون الأحوال الشخصية» وتحدث فيها المريخي عن الظروف الحالية المحيطة بالقانون إذ ذكر أن مسألة التقنين تكمن خلفها أغراض لمن يريد إزاحة القضاء الشرعي ويعترض على مادتين مهمتين الأولى تقصر الحكم على قاضي الشرع والأخرى تلزم بالرجوع إليه في حال تغير إحدى مواد القانون باعتباره من أهل الاختصاص. مشيرا إلى تبريرهم ذلك بمخالفة المواد للدستور وعدم أهميتها من وجهة نظرهم، وأضاف أن المسألة بهذا الشكل تغلب بعض الآراء والأهواء وتمنع استخلاص الفقه الشرعي الراقي الذي يتفق مع متطلبات المجتمع. من جهة أخرى أشار إلى الإشكالية التي يدور حولها القانون والتي قد تكون ناتجة - كما قال - عن ضعف بعض المحامين وعدم فهمهم كتب الفقه ما يؤدي إلى نقل تصورهم الخاطئ إلى الخصوم ويثير بالتالي المشكلات العامة للبسطاء من الناس. مشيرا إلى أن تلك الإثارة تسبب للناس شحنة ضد القضاء الشرعي سببها الرئيسي عدم الفهم الواضح للقضايا الشرعية. وقال المريخي إن ذلك لا يعني تنزه القضاة الشرعيين عن الخطأ بل ان ما يبرر المسألة انتقال خطئهم إلى مراحل قضائية أخرى ومحاكم أعلى وأوسع تنتبه له غالبا وتحل الإشكالية.

كما وضح أن الإشكالية الرئيسية المحيطة بالقانون لا تكمن في عدم وجوده بقدر ما تكمن في عدم فهم بعض الناس الأحكام الشرعية وقراءة الكتب الفقهية الذي لو وجد لما وقعوا في الوهم والخطأ. ونوه إلى أن الحل قد يكمن في زيادة عدد المحاكم الشرعية الكبرى اذ أن وجود محكمة واحدة تضطلع بكم هائل من القضايا يسهم في تعسير النظر والتأمل فيها وحلها مع المتقاضين والخصوم من خلال الجلوس معهم فترات طويلة. وأشار المريخي إلى إشكالية التقنين من ناحية الصوغ اذ أن صيغته القانونية في ظل الظروف التي تحيطه لا تهيئه لتلبية متطلبات المجتمع المختلفة وذلك لأن سرعة إنجازه وسط ما يعتريه من خلل ووهم وأخطاء قد تتضخم بعد إصداره ويعجز عن إصلاحها. ولذلك فان الكثير من الفقهاء اعترضوا على مسألة التقنين بسبب قوة الصوغ التي تعنى بالألفاظ عوضا عن أصل المسألة. وأوضح أن الجدلية المثارة عن القانون ظهرت منذ بداية الاستعمار الذي قنن الكثير من المسائل في أوروبا ونتج عنه حذو الدول الإسلامية حذوها ولذلك فهي إشكالية موجودة منذ القرن الماضي اذ أنه كلما ظهر نداء بإصداره في إحدى الدول الإسلامية قامت له فئتان احداهما تؤيده والأخرى تعارضه. وبحسب رأيه فان قانون الأحوال الشخصية ليس ضروريا لكن إبعاده كليا ليس من الحصافة والرأي في شيء، ولذلك فهو يؤكد أن القضاء الشرعي إذا حدد برأي واحد فقط سيشكل عائقا ويمثل إشكالية للمتقاضين تنتج بصورة أساسية عن التشدد برأي واحد من دون غيره.

من جانبه وافق المحامي في محكمة التمييز عبدالله الشملاوي المريخي في رأيه القائل بأن ضعف القضاء يعد حافزا قويا للتقنين بينما تنعدم الحاجة إليه بوجود قضاة يتميزون بملكة الفقاهة التي تعني القدرة على استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، واستخلاص الأحكام التي تنظم شئون الأسرة وتحل منازعاتها سواء ما يتعلق بالطلاق أو الحضانة والنفقة وغيرها. وأوضح أن الحاجة الماسة للقانون تأتي نتيجة عدم توافر العدد الكافي من القضاة الشرعيين الذين يتمتعون بملكة الفقاهة والاجتهاد.

ولذلك فان الحل برأيه يكمن في تشكيل لجنة مشتركة من القضاة الشرعيين والخبراء المختصين من الفقهاء وبعض المحامين تناط بها مسئولية التقنين واستخلاص آراء المدرستين الإسلاميتين في البحرين وهما المالكية للمحاكم السنية والجعفرية للشيعية، الأمر الذي يسهل معه - كما قال - عملية التقاضي وتنظيمها اذ أن ذلك سيسهم في إيجاد مدونة أو أكثر لتنظيم الأحكام العامة والمختلف عليها ما يسهل على القاضي الرجوع إليها عوضا عن البحث عنها في الكتب الفقهية الخاصة بها. وأشار الشملاوي إلى أن وجود التحكيم يخفف الكثير من المشكلات على المتقاضين وما نسبته 50 في المئة على الأقل من القضايا الواردة إلى المحكمة، مؤكدا ضرورة تعدد المحاكم الكبرى كما تتعدد الصغرى منها.

ولرجال الدين نظرة أخرى مثّلها في الندوة السيد كامل الهاشمي الذي تناول أزمة القانون في المملكة مشيرا إلى تجارب الدول العربية والإسلامية التي عاشت اضطرابا بسببه. وأوضح أن المشكلة الرئيسية هي عدم وجود قوانين وأطر تنظيمية تجمع الأطراف المختلفة في المجتمع الانساني وتضبط العلاقات الثنائية فيه وتقننها بالشكل المطلوب. وقال إن المشكلة ليست تنظيرية أو تأطيرية إذ أنها لن تحل باستبدال القانون الديني الشرعي بآخر مدني يصاغ من قبل قانونيين مدنيين مبينا إن ذلك لا يشكل لب المشكلة بقدر ما يمثلها الواقع التربوي والاجتماعي للعلاقات بين الرجل والمرأة. كما أشار الهاشمي إلى تجارب كل من مصر وإيران اللتين شهدتا عدة مشكلات عند البدء بطرح أي مشروع الى التغيير والتطوير في المجتمع. ونوه إلى أن حركة الإصلاح التي تشهدها المملكة منذ حوالي عامين أثيرت خلالها أزمة بين عدة جهات منها من يفضل الرجوع إلى القانون المدني لتقنن مبادئ الأحوال الشخصية ومنها من يعتقد بأن تلك الجهات تهدف إلى القضاء على الجانب الشرعي للقانون. واستطرد قائلا إن هناك فئتين احداهما تؤيد إصدار القانون والأخرى تعارضه، ولا صلة للتأييد أو المعارضة بالتدين مشيرا إلى الافتقاد إلى القانون الشرعي المطبق وكذلك المدني ولذلك فان المشكلات في الواقع لا تنضبط - كما قال - بأطر معينة اذ أن هناك الكثير من النساء المتدينات طالبن بإصدار القانون. وأضاف أن اعتبار القانون مدافعا عن المرأة فقط كونها مظلومة ومهضومة الحق في مجتمعها رأي خاطئ كليا اذ أن المشكلة ترتبط بشكل رئيسي بالمجتمع عموما وليس بالمرأة فقط.

من ناحية أخرى قال الهاشمي إن مشكلة القانون تمثل نتاجا لصراع يحدث في أي مجتمع إسلامي بين المتدين الراغب في الاحتفاظ بهويته ومرجعيته الدينية وغيره. مشيرا إلى ضرورة عدم تناسي أخطاء وتجاوزات القضاء الشرعي واصفا إياه بالضعيف والمهترئ الذي يكدس الكثير من القضايا من دون حلها ما يؤدي إلى تناقلها من جيل إلى آخر الأمر الذي علته الأزمة الكامنة في إدارة القضايا والمشكلات المرتبطة بالقوانين الشرعية والمدنية. وأوضح أن مشكلة القانون عموما يجب النظر إليها من مختلف أبعادها القانونية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية اذ تتطلب المعالجة الصحيحة للكثير من القضايا الإبداع في إبراز القوانين التي يحتاجها المجتمع وتتكيف مع متطلباته. مبينا أن أكثر من 90 في المئة من القضايا المنزلية الداخلية لا تسرب إلى جهة أخرى نتيجة عدم التعود على الإفصاح عنها بسبب خجل الرجل والمرأة معا من البوح بها ولذلك تظل كما أشار مختبئة تحت طبقة سميكة من عدم الاعتراف أو الوضوح. وعلق على ذلك قائلا: «إن القانون عندئذ لا يحل المشكلات نهائيا وإن ساهم في حل بعد واحد منها تظل أبعاد أخرى لا تحسمها المحكمة وبالتالي لابد من إيجاد جهة أخرى بديلة تراقب تنفيذ القانون من عدمه وتقترح الإجراء الآخر المفترض تطبيقه كبديل يسهم في النظر إلى المشكلة من مختلف أبعادها وإيجاد الحلول الواقعية لها». كما نوه إلى أن معالجة القضايا لا تتم من خلال مجرد التظاهرات أمام المحكمة أو المعارك الكلامية التي لا تفرز سوى مواقف نفسية وانفعالية أو ردود فعل مكتوبة في الصحافة المحلية، بل بالنظر لها ليس فقط من الناحية القانونية وإنما دراسة مختلف تداعياتها التربوية والاجتماعية المستقبلية

العدد 80 - الأحد 24 نوفمبر 2002م الموافق 19 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً