أصدر أحد المراكز الثقافية والاجتماعية المهتمة بالقضايا الشبابية بجمهورية مصر العربية كتابا بعنوان «السياسات الشبابية: الآمال والتحديدات» ويتضمن هذا الاصدار الورقة البحثية التي قام باعدادها مجموعة من الباحثين بالمركز، وتتضمن رصدا للمشكلات التي تواجه الشباب في المجتمعات العربية المتقاربة من بعضها بعضا في جوانب عدة، ويتضمن أيضا آليات الحلول المقترحة. وفي هذا الاطار حددت الورقة ثلاث مشكلات أساسية تواجه الشباب.
المشكلة الأولى هي ضعف المشاركة السياسية، ومن مظاهرها انخفاض نسبة مشاركة الشباب في عضوية الأحزاب أو الجمعيات السياسية، وانخفاض نسبة مشاركتهم في الانتخابات البلدية والنيابية. وتكمن اسباب الضعف في هذا الجانب في تضاؤل الثقة في النظام الانتخابي وعدم الايمان بفاعلية الأحزاب السياسية، وفي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية - كظاهرة البطالة وانخفاض مستوى الدخل - التي تمثل البيئة الحقيقية لأزمة المشاركة السياسية. أما آليات علاج هذه المشكلات فهي تتمثل في التنسيق بين المؤسسات الحكومية كالاعلام والرياضة والشباب والتربية والتعليم وبين الجمعيات السياسية في توسعة دائرة مشاركة الشباب السياسية الفعالة، وفي تخصيص حصص للشباب في البرلمان والجمعيات والاحزاب والنقابات والمجالس المحلية، وفي القضاء على البطالة والحد من نسبتها وزيادة مستوى الدخل.
المشكلة الثانية هي عدم منح فرصة للشباب في الادارة وتحمل المسئولية، وهذا ما يجعل منهم آلة تسير حيثما أراد الكبار، وهذا ما يُجمَد عقولهم التي بطبيعتها مزاولة عملية التفكير والمحاولة للعمل بالاعتماد على الذات على رغم ثقل المسئولية. تجميد العقول وحرمانها من طبيعتها تنتج من عدة عوامل اهمها التبعية التي تقسم إلى عدة أقسام، أشهرها التبعية الدينية والسياسية والحزبية، وتعني التبعية عامة الموافقة على الأفكار سواء كانت على وجه حق أولا، بعض المؤسسات او الأفراد التي تجد في كيانها الاستقلالية الفكرية أو التبعية السياسية أو الحزبية تحاول ان تجعل من نفسها قيادة أو محل قدوة أو وكالة رسمية، فتسعى بضم عدد ما من الشباب للتكتل الذي صنعه مفعما اياهم افكاره وذلك لتقوية قاعدته في المجال القائم فيه. سرقة العقول هذه تمنع العقول الناضجة والشبابة من حقها في التفكير والاختيار، ما ينعكس سلبا على سلوكه لأنه يزاول من غير تفكير. كذلك ما يُجمد العقول هو التقديس الذي ينتج من التبعية فيولد التقليد الأعمى وهو الاتباع جهلا. وتأثير لبعض المجتمعات المحيطة ووراثة من الأجداد فإن بعض الشباب يغرقون في عمق التعصب، وهو اساس الاختلاف الضوضائي المؤدي للاضطرابات في المجتمع. وهم متوهمون إنهم سيحافظون على مبادئهم وقيمهم بالتعصب في عصر تتداخل فيه الشعوب والعادات والتقاليد مع بعضها بعضا ويتم فيه تبادل الأفكار والتقافات، متجاهلين قوله تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) - آل عمران: 159. وهذا اسلوب للانغلاق على القناعات التي ينام عليها التعصب من دون وعي ومن دون فهم. لعلاج هذه المشكلة تتطلب صناعة عقول باليات التثقيف والمشاركة الاجتماعية الرأي والتفكير والاختيار والاطلاع، في منح الفرص للشباب في الادارة وتحمل المسئولية.
أما المشكلة الثالثة فهي تتمثل في البطالة والفراغ، فمع تفاقم البطالة - التي تعني عدم الحصول على عمل او العمل براتب ضعيف جدا في عصر قاس بغلاء أساسيات المعيشة وكمالياتها - تتفاقم وتتضخم نسبة الانحرافات المضرة للمجتمع، وهي السلوك السيئ اللا معقول. كذلك فإنها تنتج الفقر الذي يصنع من الشخص وحشا قاسيا في ظل غياب التثقيف والتوعية والارشاد، ومع انتشار الفقر والحرمان ينتشر الاجرام والعادات السيئة. تدني عدد المراكز والأندية والمؤسسات الشبابية التي تعتني بصقل المواهب الشبابية وبناء حرف ومهارات جديدة تجعل من الشباب زوجا للأرصفة والطرقات والملاهي، فينجب بزواجه اللا شرعي السلوك المشين. آليات العلاج لمشكة البطالة هي القضاء عليها، إذ لابد للجهات الحكومية أن تحقق التوازن بين بعدي القضاء على البطالة وهما البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي. وعلاج مشكلة الفراغ هو تكثيف العمل الشبابي على مدار السنة وتأمين الوظائف المؤقتة لهم حتى لا يشعرون بالفراغ، وذلك بزيادة عدد الجهات المعنية بالشباب.
وعلى خلفية حوادث ليل رأس السنة بشارع المعارض يجب ان تتباحث الجهات الحكومية والأهلية في مشكلات الشباب وكيفية استغلال طاقاتهم والحد من نسبة انحرافهم، حتى لا تتكرر الحوادث متفاقمة فينتشر الخطر في المجتمع، بعدها لن تستطيع اي جهة ان توقف الأخطار إلا بالعنف، والجهة الوحيدة المسموح لها استخدام هذه الوسيلة هي الحكومة، فإن اضطرت لاستخدامها فان هذا سيكون مخالفا للبرنامج الاصلاحي الذي يدشنه الملك . وابعاد القضاء عن مشكلات الشباب تتسع لمصالح اقتصادية وأمنية واجتماعية. وما حدث تلك الليلة فرصة لفتح الملف الشبابي، والجميع مسئول عن هذا الملف إذ ان فئة الشباب هي الفئة التي تزيد عن ثلث المجتمع.
أحمد الدفاري
العدد 132 - الأربعاء 15 يناير 2003م الموافق 12 ذي القعدة 1423هـ