العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ

من خيانة الكونت جولبان إلى مصير رودريك الغامض وإزاحة طارق ونسيانه

نظريات جديدة ومتناقضة وضباب كثيف بشأن من شاركوا في فتح الأندلس

نعرف جميعا وجهة النظر العربية والإسلامية في حكاية فتح إسبانيا التي صارت منذ سيطر عليها العرب المسلمون تحمل اسم الأندلس، لتصبح بعد ذلك منارة إشعاع حضاري في وسط ظلمات العصور الوسطى الأوروبية. وحكاية الفتح العربي هذه هناك مئات النصوص العربية التي تتحدث عنها، وهناك أيضا روايات تاريخية منها ما كتبه جرجي زيدان. وكذلك فإن وجهة النظر الأوروبية والنصرانية الغربية في الأمر معروفة. ومع هذا ثمة في كل حين حكاية جديدة تطلع ونظرية وفرضية مفاجئة تحاول أن تفرض حضورها. وهنا وجهة نظر جديدة، بدأت تسود منذ فترة، عبر عنها مؤرخ فرنسي، ولكن بالاستناد إلى مصادر إسلامية وإسبانية متعددة. وهذه النظرية تحاول أن تشرح الأمر كله بدءا من خيانة: خيانة الكونت جوليان التي مكنت العرب المسلمين من احتلال تلك الديار الشاسعة. وحتى مع إيماننا بأنه لا يمكن أبدا شخصنة التاريخ إلى هذا الحد، وأن الحوادث الكبرى في التاريخ لا يمكن ربطها بحوادث صغرى وهامشية فإننا نرى أن من المفيد نقل وجهة النظر هذه، هنا، لعل في عناصرها ما يفيد الباحثين، أو حتى ما يسلي القراء ويضعهم أمام تفسير للتاريخ قد يكون أحاديا، لكنه موجود وذو حضور فاعل في عالم اليوم.

واضع هذه الفرضية الجديدة هو جيرار دي سيدي، الذي عنون نصه بـ «كيف غزا العرب إسبانيا... خيانة الكونت جوليان». وهو بدأ حديثه، طبعا، ذاكرا الواقع التاريخي واصفا كيف أن جيوش طارق بن زياد سحقت يوم 31 يوليو/ تموز 711، في اليوم الثالث عشر من العام الهجري 89، وبعد أسبوع من المعارك الدامية جيوش ملك الوسيغوت رودريك، مذكرا بأن طارق إنما كان يعمل تحت إمرة موسى بن نصير، الأمير العربي على منطقة شمال إفريقيا. وإذ يضيف الكاتب أنه حدث في ذلك اليوم أن انهارت مملكة عمرها ثلاثمئة عام، لتصبح إسبانيا كلها ـ باستثناء إقليم استورياس ـ عربية وطوال ثمانية قرون متتالية، يقول إنه «من حول تلك المعركة، التي كانت واحدة من أروع معارك التاريخ بالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنها، ثمة ضباب اللايقين الذي ظل مخيما لأزمان طويلة»، مؤكدا أن هذا الضباب لم ينقشع تماما حتى يومنا هذا، من دون أن يزعم على أية حال فرضية تساهم في إزالة الضباب جذريا.

لم يكن المكان نفسه

ويبدأ دي سيدي دراسته بالقول: إن تفسيرا مخطئا للمدونات التاريخية العربية التي تتحدث عن مكان يدعى «فيجيه» وعن نهر يسمى «وادي البقاع»، جعل كثيرا من المؤرخين ولفترة طويلة من الزمن يعتقدون أن المعركة/ الصدمة قد حدثت إلى الشمال من قادش، قرب خيريز دي لانرونتيرا على ضفاف نهر غوادالاتي. والحال أن هذه الموضعة التي كانت رائجة وتعزز حضورها مناطق موجودة فعلا مثل «لاماتانزا» و«ريكل دي رون رودريغو»، لم تعد واردة اليوم. أما «فيجيه» التي يتحدث عنها المؤرخون المسلمون فليست بأية حال مدينة خيريز الشهيرة بنبيذها، بل «فيجير دي لا فرونتيرا»، أما اسم «وادي البقاع» فالمعني به نهر بارباتي. وهذا ما يقول لنا، بحسب سيدي، إن المعركة الحقيقية حصلت على بعد 65 كيلومترا إلى الجنوب من الموقع الذي كان مفترضا أولا، أي بين قادش والجزايرس.

ويرى دي سيدي، أن هذا الأمر يبدو منطقيا تماما، ذلك أن طارق كان وصل مع جنوده إلى الموقع قبل تاريخ الانتصار بثلاثة أشهر، فاقترب من الجزيراس وحصن مكان وجوده على جبل كالبي، الذي صار منذ ذلك الحين يدعى جبل طارق. ولما كان لدى طارق 7 آلاف محارب عليه أن يجابه بهم قوات رودريك البالغة 100 ألف مقاتل، كان من عدم الفطنة من قبله أن يجازف بالابتعاد كثيرا إلى الشمال عن رأس الجسر الذي أقامه.

وفي هذا الإطار يذكرنا دي سيدي بأن مجرد القول إن القوات المسلمة القليلة العدد تمكنت من الانتصار الساحق على قوات تفوقها عددا بكثير، أمر لطالما حيّر المؤرخين وخصوصا أن العرب كانوا قبل ذلك حاولوا مرارا وتكرارا النزول في إسبانيا، لكنهم كانوا يخفقون مهما كان من شأن الإمكانات التي توافرت لهم. فكيف نجح طارق إذن، بينما نعرف أنه في العام 675 جاء من إفريقيا أسطول عربي يتألف من 270 سفينة، لكن ملك الوسيغوت فامبا تمكن من رده على أعقابه؟

إن المؤرخين، عربا كانوا أم مسلمين يعطوننا الجواب: لقد هُزم رودريك بفعل خطأ اقترفه خائن، وهذا الخائن هو الكونت جوليان، الذي يقول عنه المؤرخ الإسباني فيغويل مانشيتيو إنه «من بعد يوخاس» أول إنسان يتعين على المرء أن يتعلم كيف يكرهه منذ الطفولة»!

الخيانة بسبب مغازلة فاشلة

ومع هذا، إذا ما عاد المرء إلى جذور الحكاية برمتها، كما يقول دي سيدي، سيجد أن «خيانة» جوليان إنما كانت متجذرة في واحد من أكثر المشاعر نبلا: الحب الأبوي. وهذا الأمر ينسف ـ بالنسبة إلى المؤرخ الفرنسي ـ البعد الأخلاقي لفعل الخيانة، ويجعل الأمر كله نسبيا. وهذا هو التفسير الجديد الذي يطلع به هذا المؤرخ، فما الحكاية؟

جوليان كان، في الأصل، واحدا من كبار رجال المملكة، وكان بيزنطي الأصل. ولقد عيّن ذات مرة كونتا على سبتة وأنيط به أن يحكم منطقة طنجة (وكان اسمها في ذلك الحين تنجيتان). وكان من مهمته أن يدافع عنها ضد العرب. ولكن صادف أن واحدة من بنات جوليان، فلوريندا، كانت فاتنة الجمال، وكانت وصيفة في بلاط ملوك إسبانيا. وإذ لحظ رودريك وجودها وجمالها ذات يوم راح يغازلها، لكن الفتاة كانت ـ إلى جمالها ـ عاقلة، رفضت مغازلته فأرغمها على ذلك فما كان منها إلا أن كتبت إلى أبيها جوليان تخبره بالأمر. ولقد وصلت رسالة فلوريندا إلى جوليان في الوقت نفسه الذي وصلت إليه فيه رسالة من الملك يطلب إليه فيها أن يزوده بمجموعة من الصقور الإفريقية للصيد. فكان جواب جوليان المختصر: «أجل يا سيدي سأرسل إليكم عما قريب صقورا من طينة لم يسبق لكم مشاهدتها». وكان أولئك الصقور، الجنود المسلمون، إذ ان جوليان، لكي يثأر لشرف ابنته لم يتوانَ عن التحالف مع المسلمين.

أو هذا، على الأقل، ما رواه الأسقف سيلوس في نص كتبه في القرن الحادي عشر ونقله عنه بعد خمسة قرون كتاب ومؤرخون من أمثال بيدرمردي كورال ولويس دي ليون. ومع هذا فإن المؤرخين الإسبان وضعوا هذه الحكاية برمتها، في القرن التاسع عشر، في خانة الخرافات والأساطير... ليؤكدوا أنه كان ثمة، في الحقيقة، وجود فعلي للكونت جوليان، وأن خيانته ليست خرافة بل حقيقة وقعت، لكن جذورها ليست عائلية ولا شخصية، بل يجب وضعها في إطارها السياسي المنطقي. وهذا الإطار هو الآتي:

لقد جاء اعتناق الملك ريكاريد الأول المسيحية في القرن السادس ليسجل انعطافة في تاريخ المملكة الوسيغوتية في إسبانيا. إذ إلى ذلك التاريخ يعود بدء سيطرة مطارنة توليدو (طليطلة لاحقا) على مقدرات الحكم في البلاد. ولقد جاءت تلك السيطرة لتضع نهاية لزمن طويل من تقاليد التسامح والانفتاح على الآخر، عبر بدء اضطهاد اليهود الذين كانوا كثيري العدد في شبه الجزيرة الايبيرية، ما جعلهم يتحولون فجأة من مواطنين مسالمين، إلى أعداء شرسين للدولة. وتحت تأثير المطارنة وضغطهم راح الملوك الذين كان الواحد منهم يصل إلى العرش بفعل انتخاب النبلاء والأعيان له، يفرضون تعيين أبنائهم خلفاء لهم. وكان لابد لذلك كله من أن يدفع أعيان الدولة إلى الثورة. فاندلعت ثورة كبيرة في العام 708 عند موت الملك فيتيترا، الذي كان رقمه 32 بين سلسلة ملوك الوسيغوت، وسيكون قبل الأخير. ولما كان هذا الملك الراحل أحمق، رفض النبلاء أن يفرض عليهم المطارنة ابنه، الأحمق بدوره، اشيلا ملكا عليهم، فامتشقوا السلاح تحت قيادة رودريك، دوق اندلوسيا، وقائد الخيالة. وكان هذا يصفي، في طريقه حسابه مع السلطة السابقة، إذ ان الملك الراحل، كان أمر بفقأ عيني نوديغرد، والد رودريك وكونت قرطبة. وهكذا امتزجت الأسباب السياسية بالشخصية، وانتصر النبلاء الثوار ليتنخبوا رودريك ملكا عليهم في العام 709. ولقد حاول رودريك أن يسوي الأمور ويقيم نوعا من المصالحة الوطنية عبر تعيينه اثنين من أبناء الملك الراحل في مناصب مهمة، وكذلك عهد إلى الكونت جوليان بمنصب كبير.

وكان في ذلك على خطأ. ذلك أن هؤلاء كانوا لا يحلمون إلا بإزاحته والاستيلاء على السلطة مدفوعين إلى ذلك، خفية، من لدن واحد من كبار القوم، أوباس، الذي كان يحلم بالعرش نفسه. وضمن هذا الإطار فقط يمكن فهم اتصال الكونت جوليان، من مقره الإفريقي، بالمحاربين المسلمين الذين كان يعرف مدى قوتهم وتفانيهم في الحرب، لكي يساعدوه في مهمته. وكان على رأس هؤلاء طارق بن زياد، الذي كان ـ كعادته ـ شديد الحذر، فطلب من جوليان أن يسلمه ابنتين من بناته رهينة وضمانة لسلامة موقفه ففعل جوليان فورا.

وهكذا صار في إمكان جوليان، عند نهاية العام 709، أن ينزل في منطقة الجزيراس على رأس قوة صغيرة في غارة كان الغرض منها اختبار القدرات الدفاعية للمدينة. وفي العام التالي كان نزول جديد، وهذه المرة كانت القيادة لطارق الذي احتل، على رأس قوة من 400 راجل و100 فارس، المنطقة الواقعة بين الجزيراس وطريفة، لكنه لم يتمكن من الاستيلاء على أية مدينة محصنة.

وفي العام 711 كانت المرة الثالثة، والناجحة.

خيانة أخرى هذه المرة

ففي هذه المرة تمكن جوليان وطارق معا، وعلى رأس قوات كبيرة العدد، من احتلال جبل كالبي والجزيراس وتقدما حتى حدود قرطبة. ولقد عاونهم في تقدمهم اليهود وأنصار الملك الراحل فيتيترا. كما ساعدهم أن رودريك كان في ذلك الحين، على رأس أعداد كبيرة من قواته، في الشمال يحارب الباسكيين أعداءه الدائمين.

وحين أسرع الملك بالوصول إلى مكان تقدم الأعداء الجدد، كان طارق عرف كيف يمركز قواته في وضع ميداني ملائم له ولهم، ويعوض قلة عدد الجنود، إذ إنه حصنهم على الضفة الشمالية لنهر بارباتي، بين بحيرة ياندار والبحر. وكانت البحيرة والبحر عقبتين يمنعان أعداءه من الالتفاف حوله، في وقت راحت فيه سفنه تمخر عباب البحر للمزيد من الاحتياط.

أما رودريك، فإنه بعد أن مركز قواته في قرطبة، تقدم نحو الفاتحين يوم 21 يوليو. صحيح أنه ارتدى أهيب ما عنده من ثياب وامتطى خير أحصنته لكي يضفي على نفسه مهابة سيكولوجية ربما تنفعه، لكنه لم يتمكن، في الميدان الذي اختاره طارق، من أن يستخدم أكثر من 12 ألف محارب راحوا يهاجمون قوات المسلمين وحلفاءهم طوال ثمانية أيام. ورودريك على رغم كل الظروف كان يعرف أن في إمكانه أن يفوز... غير أنه ـ ودائما كما يقول لنادي سيدي ـ لم يأخذ الخيانة في حسبانه. والخيانة هذه المرة تمثلت في القائدين ايبا وسينربوت، اللذين كانا ابني فيتيترا وكان رودريك سلمهما ـ توخيا للوحدة الوطنية ـ قيادة جناحي قواته. إذ ان هذين في عز المعركة، يوم 31 أمرا قواتهما بشق الصفوف والالتفاف ضد رودريك. ذهل الرجل... لكنه ـ صونا لشرفه ـ تابع القتال بكل ضراوة، من دون أن يفوته أنه في الحقيقة خسر كل شيء.

ولنذكر هنا، مع دي سيدي، أن ظلالا كثيفة من الشك لاتزال تخيم على سير نهاية المعركة، ولاسيما حول مصير رودريك. ذلك أن ثمة مؤرخين عربا كثرا يؤكدون أن رودريك مات غارقا في مياه نهر بارباتي الموحلة... فضاع ولم يعثر منه إلا على حذائه وعلى الهيكل العظمي لحصانه. فيما يؤكد آخرون أن طارق أجهز عليه بيده ثم قطع رأسه وملأه بالكافور لكي لا يفسد وأرسله إلى موسى بن نصير في إفريقيا، وأن هذا بعث الرأس إلى الخليفة الأموي الوليد في دمشق... ولكن في القرن التاسع أكد المؤرخ سيباستيان السالامنكي أن ثمة في دير قيزيو في البرتغال قبرا يحمل الكتابة الآتية: «هنا يرقد رودريك. آخر ملوك الويسيغوت».

ولاحقا أتى خطأ اقترفه ناسخ كتب ليعطي المجال واسعا لرواية أسطورية رابعة تطول نهاية الملك المهزوم. إذ بدلا من كلمة قيزيو (اسم الدير البرتغالي) كتب الناسخ باللاتينية «فيغو» التي تعني «إنني حيّ». ومن هذا استنتج المؤرخ بيدرد دي كورال أن رودريك دُفن حيا ثم التهمته الأفاعي.

اختلاف على مصير جوليان

أما الحقيقة، التي يتوصل إليها دي سيدي، فهي أن أحدا لا يمكنه أن يعرف بالضبط ما كان عليه مصير رودريك، بحيث أن آخر ملك من ملوك شعب امتد وجوده ذات يوم من بحر البلطيق والبحر الأسود إلى نهر العاج، اختفى مثل شبح من دون أن يخلِّف أي أثر!

ونعود هنا، مع دي سيدي، إلى القيادة العربية الإسلامية، لنرى كيف استقبل موسى بن نصير، أنباء الانتصار... إذ ان دي سيدي يرى أن موسى بدلا من أن يسره ذلك كله، أقلقه. فهو كان يرغب في أن يقطف بنفسه ثمار النصر، لذلك نزل شواطئ إسبانيا مع جيش لجب وأصدر إلى طارق أمرا بوقف الزحف. لكن طارق لم يستجب لأمر موسى، بل واصل الفتح إلى قرطبة ثم طليطلة العاصمة... فما كان من موسى إلا أن عزله ليموت نسيا منسيا!!

والحال أن ذكريات احتلال طليطلة ظلت إلى فترة طويلة من الزمن تثير مخيلة العرب. وها هو عبدالحاكم، أحد مؤرخي القرن التاسع يروي ـ بحسب ما يذكر دي سيدي ـ أنه كان ثمة في القصر الملكي في المدينة غرفة محصنة كان كل واحد من ملوك الوسيغوت يضيف إلى بابها قفلا ومفتاحا، وأن هذه الغرفة كانت تضم صورا للفاتحين المقبلين، مع كتابة تقول: «عندما تنفتح هذه الأقفال، سيكون الناس المرسومون ها هنا سادة إسبانيا».

ويرى دي سيدي أن لهذه الخرافة أساسا حقيقيا، لكنه لا يماشيها تماما. إذ صحيح أنه كان ثمة غرفة محصنة في القصر، وكان اسمها «ساكراريوم» (أي غرفة الأسرار) وكان يخفرها على الدوام نبيل من أعيان البلاد يلقب بـ «كونت الأسرار». لكن الغرفة لم تكن لتحتوي على الرسوم التنبؤية، بل على كنز كان شعب الويسيغوت رآه على مدى القرون ومنه تيجان ملوكه، التي يقول المؤرخ المسلم الخزرجي عنها: «حين دخل طارق إلى طليطلة عثر في هذه المدينة على 25 تاجا مرصعا بالجواهر، واحد لكل ملك من ملوك الويسيغوت المتتالين».

وما قاله الخزرجي كان، في رأي دي سيدي، صحيحا، على رغم أنه أخطأ في العدد. فالملوك كانوا 33، أما التيجان فكانت حقا 25 تاجا. فأين ذهبت التيجان الثمانية الباقية؟ لم يحصل عليها طارق، بل عُثر عليها، صدفة، في غوارازار في القرن التاسع عشر وقد دفنت في الأرض من قبل أناس تمكنوا من الحصول عليها قبل وصول العرب إلى المدينة. ويقول دي سيدي إن واحدا من هذه التيجان الرائعة موجود اليوم في متحف كلوني الفرنسي، وثمة تاج ثانٍ في مدريد.

المهم هنا، بعد هذا كله، الكونت جوليان «أكبر خائف في التاريخ بعد يوخاس» بحسب رأي المؤرخين المسيحيين. ماذا كان مصيره؟

إذا صدقنا المؤرخين سنجده أنه كان هو الخاسر الأكبر، لأنه لم يستفد من خيانته أبدا، إذ ان العرب الذين أبدوا تجاهه كل احتقار ممكن، أساءوا إليه وإلى زوجته، كما أنهم رموا بابنتيه من أعلى برج في طنجة، ثم سجنوه حتى مات في سجنه. لماذا؟ كيف؛ لا أحد يجيب. ودي سيدي يرى أن ثمة مجالا كبيرا للشك في هذا كله. وهو يورد سببين يدفعانه شخصيا إلى الاعتقاد بخطل هذه الحكاية عن نهاية جوليان. أولهما أن حفيده اعتنق الإسلام وحمل اسم عبدالله، وصار من صالحي المسلمين الورعين. وثانيهما، أن راوي تلك الحكاية المختلقة عن مصير جوليان لم يكن سوى الراهب اليسوعي خوان دي ماريانا، أحد أئمة الجناح المحافظ والرجعي في الكنيسة الكاثوليكية. ويرى دي سيدي أن دي ماريانا إذ اختلق هذه الحكاية فإنه أراد أن يرمي عصفورين بحجر واحد: فمن جهة أراد أن يعطي درسا يقول إن الجريمة (الخيانة هنا) لا تفيد، ومن جهة ثانية أراد أن يقول إن «الكفار» (أي المسلمين العرب في رأيه) لا يرعون عهدا ولا يمكن الوثوق بهم!

مهما يكن من أمر فإن الإسبان عموما يقرأون «خيانة» جوليان على الشكل الآتي: لقد كان حاكما في إفريقيا ونائبا للملك فيها. خان قسمه وانضم إلى جيش عربي حاملا النار إلى وطنه لمجرد رغبته في أن يدعم أصحاب مبدأ الملكية الوراثية ضد أصحاب مبدأ الملك المنتخب... لا أكثر ولا أقل

العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً