أحد أهم محصلة الإصلاحات وأجواء الانفتاح التي تسود البحرين هي أنها أتاحت لنا إعادة قراءة تاريخنا بشفافية وبعين فاحصة وسعي للموضوعية ـ والاهم ـ دونما أية حساسيات.
إن قراءة التاريخ تبقى مهمة كبرى يتعين النهوض بها دوما، فالأمم والشعوب التي لا تستحضر تاريخها قد تتعثر وهي في طريقها نحو المستقبل، وتبقى المهمة متروكة إلى الباحثين بطبيعة الحال، لكن التاريخ لا يغيب دوما. في بحرين اليوم، التي تصالح فيها الحاضر بالماضي ليشكل لنا حياة جديدة مليئة بالآمال.
لعل أهم ما يحفز المرء لقراءة التاريخ الآن هو تلك الوجوه والشخصيات الوطنية التي باتت اليوم تشكل أحد أهم عناصر المسرح والمشهد السياسي في البحرين في ظل التعددية.
إن أولئك الذين جاؤوا من المنافي، يحملون على كاهلهم تاريخا يتعين على الأجيال الجديدة أن تكشف صفحاته لأنه جزء مهم من تاريخ بلادها ومن الذاكرة الجماعية لشعب البحرين... لكل من هؤلاء تاريخ ورواية يرويها وشهادة يقدمها إلى أبناء شعبه.
في الحلقة الماضية تحدث إلينا عبدالرحمن النعيمي عن بدايته مع العمل السياسي وحركة القوميين العرب والمواجهات والإشكالات التي أحاطت بها، والتحولات التي شهدتها الحركة قبل وبعد هزيمة يونيو/حزيران 1967.
كما تحدث النعيمي عن الثورة في جنوب عُمان (ظفار) وعرج على الظروف التي احاطت بها، وأيضا التحولات السياسية التي طرأت على الحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية بعد مؤتمر العام 1974، والتي افضت بالنهاية الى اتخاذ قرار الاستقلال التنظيمي. وهانحن نكمل معه الحوار:
كنتم قد اتخذتم قرار الاستقلال التنظيمي في مؤتمر الجبهة الموحدة في 1974. قبل ذلك بعامين كانت البحرين قد شهدت انتخاب المجلس التأسيسي في العام 1972، والمجلس الوطني في العام 1974. ماذا كان موقفكم من هذه التطورات؟
- في البحرين اتخذنا موقف المقاطعة فيما يتعلق بالمجلس التأسيسي والمجلس الوطني، في عامي 1972 و1973 شهدت البحرين اعتقالات واسعة أسهمت في شل الحركات السياسية. وفي 2 يوليو/ تموز 1973 استشهد محمد بن نفور في ظروف غامضة، وفي الواقع كان ابن نفور ابرز شخصية باعتباره عنصر لجنة مركزية الى جانب كونه قائدا عماليا وسياسيا، وشكل استشهاده خسارة كبيرة. ايضا كان هناك عدد كبير من عناصرنا في السجون، مجمل هذه الاوضاع التي حكمها قانون الطوارئ، دفع الجبهة الى اتخاذ موقف المقاطعة آنذاك.
- في المؤتمر اعدنا ترتيب اوضاعنا التنظيمية. فمن جهة كان لدينا نشاط كبير للجبهة في المجال الطلابي، وفي هذه المرحلة بدأنا عملية ترتيب عملنا وتشكيل تنظيم جديد في البحرين إذ اتفقنا على أساسه على الاستمرار «كجبهة شعبية في البحرين» ولم يكن هدف الجبهة الشعبية إسقاط النظام او تغييره، ولذلك اكدنا (في البحرين)، فنحن حركة سياسية نطالب بتغيرات ديمقراطية ومسألة التغيير مرتبطة بظروف قد لا تكون متوافرة في تلك المرحلة.
في هذه الفترة كانت عائلتي تقيم في عدن، فقررنا في أغسطس/آب 1975 الانتقال للإقامة في سورية بالنسبة إلى عائلتي التي بدأ لها استقرار كامل في سورية امتد حتى العام 2001. أما بالنسبة لي فالعمل الأساسي كان في بيروت بحكم وجود الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وكان لنا أيضا مكتب في بغداد بشكل أساسي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني العام 1976 سافرت إلى بغداد لحضور اجتماع هناك ومنها إلى عدن. وفي عدن وصلني خبر اغتيال الشيخ عبدالله المدني وتم إلصاق جريمة اغتياله بالجبهة الشعبية من خلال بعض الجهات التي عملت على توجيه الاتهام في محاولة لخلق حال من العلاقات المتوترة بين التيار الديني والتيار اليساري. في الأسبوع الأول كان خبر الجريمة كأي جريمة عادية، إذ ذهب مجموعة من الأشخاص إلى بيت الشيخ المدني بعد منتصف الليل وطُلب منه أن يذهب معهم وعندما خرج ارتكبوا جريمة القتل.
وفي الأسبوع الثاني بدأ الحديث عن مؤامرة تستهدف رجالات البلد، وبدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجبهة الشعبية.
اعتقل الكثيرون: منهم محمد غلوم الذي استشهد تحت التعذيب، وبعده في اليوم التالي استشهد تحت التعذيب أيضا الشاعر سعيد العويناتي. وتم أيضا اعتقال عبدالله مطيويع وفؤاد سيادي واحمد مكي وعدد كبير من عناصر الجبهة. في هذا الوقت طبعا كان قانون أمن الدولة يطبق فهؤلاء قضوا فترات طويلة في الاعتقال من دون محاكمة مثل المطيويع الذي قضى 8 سنوات.
ما ردود فعل الجبهة بعد مقتل الشيخ المدني؟
- طبعا استنكرنا هذه الجريمة واعتبرناها جريمة بشعة، ويجب أن يحاكم من قام بها، ورفضنا أي إلصاق للتهمة بالحركة السياسية. واوضحنا مدى احترامنا لوجهات النظر فيما يتعلق بالموقف السياسي او الموقف الديني فنحن لسنا معاديين للحركة الإسلامية أصلا.
بالعكس فالحركة الإسلامية والحركة الديمقراطية اتخذتا موقفا موحدا لمواجهة قانون أمن الدولة. هذه الجريمة لم تترك شرخا فقط بين التيار الإسلامي واليساري، بل ايضا في داخل التيار اليساري إذ بدأت عملية التشكيك في المسئولية عن مقتل الشيخ المدني. ولكن اعتقد اننا تجاوزنا هذه القضية في عملنا المشترك سواء مع جبهة التحرير او حزب البعث لاننا بدأنا بعد حل المجلس نعمل سويا وخصوصا القيادات الموجودة خارج البحرين من خلال المواقف المشتركة. وفي الواقع كان نشاط القيادات السياسية ضمن المؤتمرات العربية والفعاليات والمؤتمرات القومية مثل مؤتمر الشعب العربي وغيرها.
كيف تعاملت مع مرحلة الثمانينات، وخصوصا في ظل بروز الحركات الإسلامية بشكل اكثر فعالية، كيف كان وقعها عليكم؟
- في العام 1979 مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان يوجد لنا مكتب في بغداد إذ كانت هناك حال من التوتر مع النظام السوري في تلك الفترة بحكم اجتياح الجيش السوري لبيروت في العام 1976 والمقاومة الفلسطينية وانحيازنا إلى جانب جبهة الرفض، وبالتالي كنا اقرب إلى الموقف العراقي. لكن عندما قامت الثورة الإسلامية صار الاختلاف مع الموقف العراقي إذ وجدنا في الثورة الإيرانية الخلاص من عدونا الأساسي في المنطقة شاه إيران (محمد رضا بهلوي)، وبالتالي كل القوى الديمقراطية والاسلامية الايرانية كانت لها علاقة بإسقاط نظام الشاه. وفعلا كانت الثورة الإسلامية ضد نظام الشاه والوجود الأميركي ومع النضال الفلسطيني، وكون القيادة إسلامية فهذا لا يعني أن نأخذ موقفا معاديا منها لأنها قيادة إسلامية بل نحدد موقفنا بناء على الموقف السياسي.
والثورة الإسلامية كان موقفها واضحا تجاه الولايات المتحدة ودعمها للنضال الفلسطيني كان واضحا الى جانب التضامن العربي الإيراني.
لكن كانت هناك إشكال إيرانية ـ عراقية، إذ قام العراق بتوقيع اتفاق الجزائر العام 1975 مع شاه إيران قدم بموجبه الكثير من التنازلات فيما يتعلق بشط العرب لحل مشكلته مع الأكراد لكنه خلق حالا من البلبلة. وكذلك اتخذ العراق موقفا من الإمام الخميني بضرورة خروجه من العراق.
توتر العلاقات الإيرانية ـ العراقية لم يكن بالنسبة لنا مبررا لاتخاذ موقف ضد إيران، صحيح أن الشارع انحسر عن موقف اليسار لكن يجب على اليسار ان يقف الموقف الصحيح من الثورة. كانت لنا علاقات جيدة مع قيادة الثورة هناك ما خلق لنا حالا من التصادم مع حزب البعث العراقي أدت إلى إغلاقنا لمكتبنا في بغداد في العام 1979. واتخذنا موقفا ضد العراق مع بدء الحرب على ايران، وعندما اصبح العراق فيما بعد في موقف دفاعي وقفنا ضد ايران وطالبنا بوقف الحرب، وكان موقفنا واضحا ضد أي احتلال إيراني لأي ارض عربية، كما كان موقفنا ضد احتلال عراقي لأرض ايرانية.
هذا التموج في التطورات السياسية وبالتالي المواقف السياسية خلق حالا من التموج في العلاقات مع الطرفين. بالنسبة إلى البحرين بحكم وضع اليسار، وخصوصا بعد العام 1976 والاعتقالات الواسعة في صفوف الجبهة الشعبية وجبهة التحرير اثر بشكل كبير على الأداء النضالي. الا أن الأخطر من ذلك هو ما خلقه ارتفاع اسعار النفط منذ 1973 من تحولات اقتصادية واسعة بحيث سُحبت قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى الى جانب السلطة، اضافة الى ما افرزته التطورات الاقتصادية من وقائع اجتماعية... وهذا لا يقتصر على البحرين بل على منطقة الخليج بحكم الطفرة النفطية.
كنا نعمل على انتزاع حقوق العمال بتشكيل نقابات، ومع انتصار الثورة الإيرانية خُلق جو من الإرباك في أوضاع البلاد، فالأجواء العامة في البلاد كانت تبرز الوضع على انه شأن إيراني، ولا يخص البحرين ومع ذلك برز تعاطف كبير من الناس مع الثورة الإيرانية. ففي فبراير/ شباط 1979 خرجت مظاهرات في البحرين تعبيرا عن هذا التعاطف، وكان هناك بعض من التيارات الإسلامية ضيقة الأفق التي رأت أن اليسار لا يجب أن يكون له دور في عملية التعاطف، ونحن كنا بدورنا مصرين على أننا جزء من هذا المعسكر الذي يؤيد إسقاط الشاه وضد الولايات المتحدة.
في العام 1980 وجهت إلينا ضربة كبيرة من خلال اعتقال عدد كبير من الكادر الحزبي والعمالي. في الوقت ذاته الذي وجهت ضربات إلى الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين بحجة التخطيط للعمل العسكري وارسال كوادرها للتدرب في ايران والنزول الى البحرين، وشنت السلطة حملة اعتقالات واسعة في ذلك العام والعام الذي تلاه.
على المسرح السياسي كانت هناك ثلاثة أطراف نشطة: الجبهة الإسلامية والجبهة الشعبية وجبهة التحرير. ومع محاولة جبهة التحرير استعادة نشاطها وجهت إليها ضربة كبيرة في العام 1986 إذ استشهد الدكتور هاشم العلوي، وبهذه الضربات الموجعة لليسار، بدا اليسار منهكا ولم يعد قادرا على تشكيل أية خطورة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي بدا أن اليسار حركة محلية ليست مدفوعة من أية جهة خارجية مع تجفيف مراكز التأييد الخارجي لها، فاليمن الديمقراطي انتهى في التسعينات مع استمرار علاقتنا باليمن.
أيضا في العام 1986 بدأ أول لقاء لنا مع الاخوة في الجبهة الإسلامية بسورية، وضمن اللقاءات التي أتيحت مثل مؤتمر الشعب العربي وملتقى الحوار الديمقراطي الثوري والكثير من المؤتمرات القومية والاسلامية. واعتقد أن العلاقات بدأت تدريجيا تأخذ منحنى آخر فيما يتعلق باليسار والحركة الإسلامية والتعاون بين الطرفين وخصوصا في الخارج.
على رغم تغير المناخ العام بالنسبة إلى الأوضاع عما كانت عليه من قبل، وخصوصا فيما يتعلق بالحركات الطلابية، إذ وجدت السلطة ضرورة تصفية مواقع الحركة الديمقراطية في الجسم الطلابي، وخصوصا فروع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، إذ اتخذت قرار منع السفر وسحب الجوازات، اضافة الى تشكيل الأندية الطلابية المرتبطة بها... إلا أن نشاطنا بقي في الخارج لتحقيق الحقوق النقابية في البحرين. اصبح التركيز الشديد على المطالب النقابية والحقوق العمالية. وأكدنا ضرورة التوجه إلى الداخل للعمل من خلال اللجان العمالية التي بدأت تحقق تقدما واضحا.
طيلة هذا المشوار كان هناك مطلب واضح تركز في مطلب فصل أرباب العمل عن العمال في اللجان المشتركة، وتحقيق مكاسب افضل للعمال.
كيف تعاملتم مع اجتياح لبنان من قبل «إسرائيل»، وخصوصا أنكم كنتم موجودين في تلك الفترة بين سورية ولبنان؟
- بدا تأييدنا للأشقاء الفلسطينيين، وخصوصا جماعة الجبهة الشعبية وكثير من عناصرنا التحقت بمعسكرات الجبهة الشعبية بشكل أساسي. وفي سورية شكلنا حركة تضامن واسعة من قبل حركات التحرر. كنت وقتها سكرتير لجنة حركات التحرر ودعم الثورة الفلسطينية، وكنا قد شكلنا قبلها لجنة أسميناها باللجنة العربية للدفاع عن قرار 3379، وهو قرار الأمم المتحدة الذي يساوي العنصرية بالصهيونية. كانت هناك محاولة من الصهيونية لإسقاط هذا القرار فشكلنا في سورية لجنة عربية كان رئيسها في البداية الدكتور جورج جبور ثم اصبح رئيسها المرحوم انعام رعد (الامين العام للحزب القومي السوري الاجتماعي )، وكانت تضم عددا من الاخوة العرب بمن فيهم الأستاذ عبدالرحمن منيف والدكتور عبدالحسين شعبان. كنا مهتمين بعمل ندوات وحلقات في مناسبات معينة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وعملنا بشكل كبير حتى أسقطت الأمم المتحدة القرار بعد مؤتمر مدريد، فشكلنا لجنة أخرى أسميناها باللجنة العربية لمناهضة الصهيونية او العنصرية.
ومع خروج الثورة الفلسطينية اصبح الوضع في لبنان اكثر تعقيدا، وخصوصا في السنوات الأولى ومع استعادة الحركة الوطنية فعاليتها والنهوض الوطني اللبناني بالتأكيد كانت هناك إمكانات عوده عبر الصحافة وعبر الحركة الوطنية اللبنانية التي تجمعنا بها علاقات متميزة.
اصطدمتم بالموقف العراقي بالنسبة إلى الثورة الايرانية. الم تكن لكم محطات اختلفتم فيها مع سورية، وخصوصا أن النظام السوري وفر لكم المناخ المناسب للعمل السياسي لسنوات كثيرة؟
- حدث الاختلاف مع النظام السوري في مناسبتين. الأولى كما تعلمين في اجتياح الجيش السوري للبنان في حوادث العام 1976، إذ كنا ضد ذلك على أرضية أن القوات السورية تقف مع الكتائب اللبنانية، وفي ذلك الوقت ضد الحركة الوطنية والقوات الفلسطينية.
وفي فترة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت العام 1982 كانت لنا مكاتب ونشاط كبير بالنسبة لنا وخصوصا لطلاب البحرين وجبهة التحرير والجبهة الشعبية. وكان هناك ترحيب في سورية، وخصوصا من الجبهة الإسلامية لأن حركة الأحرار كانت في لندن، واستمر التوافق بيننا حتى حرب الخليج الثانية أذ وقفنا ضد صدام في قضية اجتياحه لدولة الكويت. ولكن عندما أراد الأميركان تشكيل حلف واسع من القوات العربية والأجنبية ضد العراق أصدرنا بيانا ضد هذا الحلف فاتخذ السوريون موقفا معارضا لنا، وعلى اثره تم اعتقالي لمدة ستة شهور في سبتمبر/أيلول 1990، لكن سورية لم تتخذ موقفا من المكتب او تقدم أي مطالبة بوقف نشاطنا حتى نهاية الحرب إذ بدا لي أن هناك ضغوطات متزايدة على السوريين بشأن وجودنا في هذه المكاتب بسورية، والحقيقة أن السوريين كان موقفهم مرنا ودبلوماسيا.
يعني ـ تدريجيا ـ تم التخفيف البطيء من هذا الوجود، ونحن بدورنا كنا نقدر للسوريين مواقفهم على رغم الضغوطات المحيطة بهم إذ قدموا دائما تسهيلات لنا لذلك بقيت لنا علاقات متميزة مع القيادة السورية حتى بعد إغلاق مكتبنا الذي تم بصورة تدريجية.
كيف رأيتم فكرة مجلس التعاون العربي الذي أعلن في العام 1989 بين مصر والأردن والعراق واليمن والذي لم يكتب له النجاح او بالأحرى الاستمرار بعد غزو العراق للكويت العام 1990؟
- نحن اعتبرنا هذا القرار اخطر قرار اتخذ عربيا وهو تشكيل مثل هذا المحور على رغم وجود جوانب إيجابية وأخرى سلبية إذ كان هناك توجه نحو تشكيل تكتلات عربية، وبالتالي هذا سيخلق إمكانات عربية كبيرة جدا، وبالتالي كنا نؤيد أي تكتل يخلق حالا من الاتحاد بين الدول العربية مثل اتحاد المغرب وحتى مجلس التعاون العربي على رغم اقتصاره بالدرجة الأولى على الجانب الأمني والعسكري.
لكن فكرة مجلس التعاون الخليجي بنيت على أساس جغرافي أي بمعنى آخر إقليمي. بينما مجلس التعاون العربي لم يكن إقليميا فلقد جمع دولا ليست متقاربة كاليمن مثلا التي كانت تعاني من عزلة عربية في فترة ما؟
- المشكلة في الأهداف التي رافقت هذا القرار إذ كانت تشكل مخاوف، فالعراق كان يهدف منه إلى محاصرة سورية، بينما كنا نعتقد أن العمل السوري ـ العراقي والأردني هو ما يمكن أن يكتب له النجاح، فأي عمل عربي او أي تطور يجب ان يكون مثل الجزيرة العربية او وادي النيل او الهلال الخصيب فهناك ترابط بينهم ما يشكل البنية لمشروع قومي.
للأسف الإشكالية العراقية ـ السورية لعبت دورا كبيرا في التاريخ المعاصر الحديث في كثير من المسائل، فهذا الصراع بين شطري حزب البعث العربي خلق الكثير من المتاعب ووقف في طريق الكثير من المشروعات القومية العربية.
كيف تقيم انتقالكم من العمل السري إلى العمل العلني بعد وجود جمعيات سياسية مرخصة؟
- الحقيقة، في الفترة الأخيرة من وجودنا في الخارج انتقلنا إلى حد ما إلى العمل العلني، وهنا في البحرين جاءت العلنية ولو ببطء مثل العريضة إذ تم تشكل ما سمي باللجنة الأهلية لحقوق الإنسان.
يمكن ان تناضل لإيجاد الديمقراطية حتى تنتقل إلى العمل العلني، وهنا نلاحظ أن الضغوط بدأت تخف على الحركة الديمقراطية وتوجهت الضغوط إلى العمل الإسلامي، لذلك لا توجد اعتقالات حدثت في صفوفنا في فترة التسعينات باستثناء ما حصل للاستاذ احمد الشملان في العام 1996، وللأسف تعتبر خسارة إصابته بالمرض الآن، وهذا على الأقل يعتبر آخر اعتقال سياسي لرموز الحركة الديمقراطية.
لقد كان لدي تقدير وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية بضرورة إعادة ترتيب الحركة الديمقراطية، وتحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لذلك طرحنا ضرورة التركيز على أوضاعنا السياسية وليس الايديولوجية ولنقل أن يكون الجانب الايديولوجي اكثر تسامحا.
بذلنا جهودا لأجل توحيد الجبهة الشعبية وجبهة التحرير ونجحنا إلى حد كبير، ولكن تعثر المشروع العام 1999 عندما توقف العمل في لجنة التنسيق نتيجة لرغبة الاخوة في جبهة التحرير الاستمرار في الجبهة، ونحن كان تقديرنا انه ليس من المبرر استمرار الجبهة الشعبية لذلك طرحنا موضوع التجمع.
بعد الانفراج السياسي، ما كنا قد أعددناه كبرنامج على الصعيد العلني وجدنا اننا بحاجة إلى التوافق مع السلطة، بالصيغة التي تقيم جسور الثقة بين الحركة السياسية والسلطة، اذ يمكن للحركة السياسية ان تعمل تحت مسمى جمعيات، وبدأنا عملنا اذ عقدنا أولا في 26 ابريل/نيسان 2001 في منزلي وحضرته 44 شخصية واتفقنا بمختلف التيارات السياسية على إننا يمكن أن نعمل كشخصيات ديمقراطية ننتمي إلى تنظيمات سياسية لكن الهدف هو تشكيل عمل سياسي ديمقراطي بشكل علني وبإطار جديد.
فهناك حاجة إلى وحدة التيار الديمقراطي، وكذلك التعاون مع التيارات الإسلامية التي تتخذ موقفا مبدئيا في قضايا الصراع، وفي الواقع نحن ليس لدينا وهْم بأنه هناك انقلابا جذريا في البلد، لكن هناك مشروعا تحديثيا ومشروعا إصلاحيا كبيرا يُنهي كل مظاهر العسف والقمع والإرهاب الذي مورس في الماضي، واعتقد أن هذه الخطوة كبيرة بالنسبة إلى البحرين.
والحقيقة ان هناك الكثير من المكاسب التي تم تحقيقها في فترة بسيطة مثل موضوع المرأة، وموضوع (البدون)، وموضوع الانتخاب، والواقع أن هذه المكاسب يجب أن تسجل للنظام والشعب والحركة السياسية.
وبقيت قضية كيف يساهم الناس في القرار السياسي؟ كيف تصبح دولة مؤسسات؟ كيف يتم إشراك الناس ومنحهم الثقة في صنع القرار السياسي؟ اعتقد ان هذه الأمور لا تحدث بصور بسيطة وتحتاج من الحكومة إلى تغيير الرؤية في التعاطي مع المستجدات التي رافقت عملية الإصلاح... وتبقى مسألة التعديلات الدستورية التي حصلت في الرابع عشر من فبراير إشكالية كبيرة مع السلطة، إذ لابد من التفتيش عن مخرج... يشكل دفعة كبيرة إلى الاصلاح السياسي المنشود، ويخرج العلاقة من نفق عدم الثقة، وهذا ما نعمل من اجله مع الاخوة الآخرين في الجمعيات الأربع او الجمعيات الست
العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ