عاد موضوع العدوان الأميركي على الشعب بعد سقوط صدام حسين والنظام العراقي، واختلفت المعالجات لهذا الموضوع، فبينما عالجه البعض من وجهة نظر دينية بالحديث عن السنن الإلهية في زوال الأنظمة الظالمة، انطلق البعض إلى مساحة تحليلية واستشرافية لمستقبل العراق ما بعد الحرب. واتفق غالبية الخطباء أن سقوط النظام العراقي هو نهاية متوقعة لكل حكم ظالم لا يستمد شرعيته من شعبه، كما اتفقوا على عدم القبول بالاحتلال الأميركي للعراق، ووجهوا دعوة إلى الحكام لأخذ العبرة من سقوط النظام العراقي، والتقرب إلى شعوبهم وإنصافهم وإعطائهم حقوقهم، لتتوحد الشعوب والحكام في مواجهة الخطر الأميركي.
ودعا إمام جامع مدينة حمد، والقاضي بالمحكمة السنية، الشيخ جلال الشرقي إلى أخذ الدروس والعبر من سقوط النظام العراقي، وقال: «إن الذي لا يحكم بمنهج الله فإن مصيره هو مثل ما حدث للنظام العراقي، فدولة الباطل لا تدوم، وإذا تمسكنا بالكتاب والسنة وطبقناهما في حياتنا قولا وعملا يكتب الله لنا النصر».
وأوضح الشرقي أن الله لا يكتب النصر للحاكم الظالم لأنه نفى الظلم عن نفسه ومستحيل أن ينصر ظالما، داعيا الحكام العرب إلى الاعتبار من نهاية صدام، ورفع الظلم عن شعوبهم، إلا أنه أشار إلى أن الشعوب في بعض الأحيان هي التي تصنع الظالمين حينما تصفق لأخطائهم وتسكت على ظلمهم. مطالبا الشعوب بقول كلمة الحق في وجه الحاكم الظالم بكل شجاعة وجرأة.
وأشار الشرقي إلى أن ملة الكفر هي ملة واحدة مهما تغيرت أشكالها وألوانها وأجناسها، وأوضح أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن أي مسلم قط أيا كان وفي أي موقع، داعيا الشعوب إلى عدم الانخداع بما تبثه الفضائيات والصحافة من أن أميركا تريد تحرير العراق من الظلم، وصنع دولة ديمقراطية، فعداوة اليهود والنصارى لا تصنع الحرية للمسلم أينما كان، كما قال.
يمهل ولا يهمل
وقال عبدالوهاب حسين في خطبته يوم الجمعة في مسجد الشيخ خلف في النويدرات: «إن الله انتقم من صدام والنظام العراقي في اليوم نفسه الذي تجرأ فيه هذا النظام باغتيال الشهيد محمد باقر الصدر، وهذا يعطينا الدرس بأن الله يمهل ولا يهمل، وسترون في القريب العاجل كيف يستأصل الله أميركا كما استأصل النظام العراقي».
ولفت حسين إلى أن أميركا بررت عدوانها على العراق بدكتاتورية النظام، إلا أنه أكد أن الشعوب واعية لمخطط أميركا، وأن الشعب العراقي تحديدا سيخوض حرب تحرير على طريقته وليس على الطريقة الأميركية، وأشار إلى أن الأنظمة لن تفعل شيئا إذا تكرر العدوان على دولة أخرى، «لأن النظام العربي قد انهار، والجامعة العربية قد فقدت قيمتها».
وتطرق حسين إلى مفاجأتين حدثتا أثناء الحرب، الأولى هي صمود الشعب العراقي لثلاثة أسابيع أمام آلة الحرب الأميركية المدمرة، والثانية هي انهيار النظام العراقي في معركة بغداد لدرجة انعدام المقاومة، وعزا انهيار النظام إلى دكتاتوريته التي ولدت الألم في نفوس الشعب العراقي، إذ طغت الفرحة في نفوس العراقيين بسقوط النظام ـ كما قال ـ على شعوره بخطر الاحتلال الأميركي، فالشعب آثر سقوط النظام لأنه يعتقد أنه أقدر على مواجهة الاحتلال في ظل سقوط هذا النظام الدموي.
أما السبب الثاني للسقوط السريع للنظام، فهو أن الأنظمة الدكتاتورية لا ترتبط بشعوبها وأوطانها، وإنما ترتبط بالكراسي والمصالح ـ كما ذكر حسين ـ وفي أول ضربة تتلقاها تتخلى عن الشعوب والأوطان، ولهذا لم يدافع النظام العراقي عن شعبه وقت المحنة.
وفي سياق آخر لسقوط صدام والنظام العراقي، قال الشيخ عيسى قاسم في خطبته في جامع الإمام الصادق في الدراز: «إن المنتصر الأكبر هي الآلة الأميركية التي تقدمت في ظل حرص الحكومات الغربية على تقدم شعوبها، وحرص الحكومات الإسلامية على تخلف شعوبها»، ونفى قاسم أن تكون هزيمة النظام العراقي هي هزيمة للأمة الإسلامية، لأنها لم تحارب أميركا من منطلق الإسلام أو أنها صنعت صناعة إسلامية أو رفعت شعارا إسلاميا فهزمت، مؤكدا أن الهزيمة هي هزيمة نظام معزول لأنه معاد لشعبه ومحيطه ولدول إسلامية وعربية، كما لا توجد لديه علاقة جيدة بكثير من دول العالم.
وأضاف: «ما كان الشعب غاليا على صدام، ليكون صدام غاليا على الشعب، ليقف معه إلى الأخير ويفديه بنفسه ودمه، فإذا كان الشعب عزيزا على الحاكم في الرخاء، كان الحاكم عزيزا على الشعب في الشدة، وصدام لم يكن يرى للشعب قيمة، فحق للشعب ألا يرى له قيمة، وحق للشعب أن يخذل صدام الذي كان همه إضعاف هذا الشعب وتركيعه وإذلاله وسحق هويته وتغريبه».
وذكر قاسم أن المواجهة مع أميركا ستكون بين الإسلاميين والوطنيين والقوميين، وكل إنسان له ضمير وشيء من الغيرة على نفسه ووطنه، إلا أنه شدد على أن المعركة ستدار من طرفها الشعبي باليد الإسلامية القوية والجنان الإسلامي الذي لا يلين ولا يستكين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن أميركا ستدخر عملاء كانوا لها في النظام، وستبحث عن عملاء جدد من النظام ليبقوا ورقة بيدها تستعملهم في وجه الإسلاميين كلما احتاج الأمر.
سنة التدافع
أما خطيب جامع العدلية فريد هادي فقد أشار إلى أن ما يجري على شعب العراق الأبي من عدوان هو بعلم الله وقضائه وقدره، على رغم يقيننا بأن مخططات القوى المتغطرسة لا نهاية لها، إلا أن سنة التدافع ـ كما قال ـ هي من السنن الباقية التي لا تقف عن العمل، وعلينا ألا نضعف ولا نبتئس ولا ننهار بسبب ما نراه من الأشياء التي تقطع القلوب حسرة وندامة.
وبخصوص العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق قال هادي: «يجب ألا ننسى أن الغزو الأميركي والبريطاني لم يستند إلى مستند قانوني، وإنهم بغزوهم داسوا بأقدامهم كل دول العالم وأعراف الدول المتحضرة، وفرضوا علينا قانون الغاب» مؤكدا أن البحث عن أسلحة الدمار الشامل كانت أكذوبة لم تنطل على أحد.
وأوضح هادي أن الهدف من العدوان هو السيطرة على مقدرات الشعوب وإضعاف المنطقة لتنفيذ المخطط الصهيوني، كما يتجلى في السيطرة على ميناء أم قصر، إذ ستدخل من خلاله ـ كما قال ـ شركات أميركية بصفقات بالمليارات، وما يعزز هذا الجانب ترك الوزارات والدوائر الحكومية العراقية عرضة للنهب والتدمير، عدا وزارة النفط التي تمت محاصرتها وحمايتها من جيوش الاحتلال.
وأشار هادي إلى الأنظمة العربية كشفت عن عجزها التام حتى في المنعطفات التاريخية في حياة هذه الأمة، ولم تثبت إلا شيئا واحدا هو جبروتها على شعوبها، في قبال حيوية شعوب العالم العربي والإسلامي، وتقديمها الأثمان الغالية في لحظات العطاء والتضحية.
من جانبه، تكلم الشيخ حسن سلطان في خطبته بمسجد الزهراء في مدينة حمد عن صعود وأفول الأمم وهلاك الطواغيت، باعتبارها سننا إلهية تجري في كل زمان ومكان، ودعا الحكام والشعوب إلى استخلاص العبر من التجارب الاستكبارية الماضية والحالية، مثل قصة فرعون وقارون، والاتحاد السوفياتي باعتباره مثالا معاصر.
وأكد سلطان أن نهاية حكم صدام والنظام العراقي بصورة مذلة كما حصل قبل يومين، تدخل في سياق السنن الإلهية نفسها في زوال الظلمة والطواغيت، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مصير أميركا مهما تجبرت هو الهلاك، لأنها حادت عن الحق والعدالة.
الهدف هو الإسلام
ولفت سلطان إلى أن أميركا تهدف إضافة إلى مصادرة مقدرات الشعوب وأراضيها والسيطرة على سياستها الداخلية والخارجية، فهي تهدف إلى تغيير المنظومة الأخلاقية للمسلمين وإبعادهم عن الإسلام، لأنها تدرك ـ كما قال ـ انها حتى لو قامت بالسيطرة على شرق العالم وغربه، فإن الهاجس الأكبر عندها هو بقاء الإسلام حيا متأججا في قلوب شبابه وبنيه، موضحا أنه سيأتي اليوم الذي ينتفض فيه المسلمون لاسترجاع حقوقهم، وتغيير أوضاعهم السلبية، والمطالبة بحقوقهم وإدارة شئون بلادهم بمعزل عن الإرادة الأميركية.
على صعيد آخر، دعا خطيب جامع أحمد الفاتح الشيخ عدنان القطان إلى عدم نسيان إخواننا المظلومين في فلسطين، فهذه الصهيونية العالمية، الأمة الخوانة التي ليس لها عهد ولا أمانة تمارس في فلسطين أبشع الظلم والقهر والتخويف، كما قال، داعيا إلى الوقوف في وجه هذا الإرهاب الصهيوني، ومطاردة رجاله وقادته واستئصال شأفتهم
العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ