العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ

الوحدة العربية لا تتحقق بناء على مكالمة هاتفية

في حوار غير هادئ مع علي فخرو:

أجرى الحوار: عدنان الموسوي 

11 أبريل 2003

هل فقد العرب رشدهم السياسي... أم انهم مازالوا يتكدسون تحت ركام الحطام، وهل شيوع ثقافة الديمقراطية في الوطن العربي تعني انهم بدأوا في تلمس طرق استئناف تنمية الفقه السياسي المؤسس لاستعادة دورهم الحضاري، وهل استدعاء الديمقراطية على المقاس والخصوصية يمكن ان يصلح ما أفسده البغي والاستبداد، والفساد السياسي والإداري؟ وما هي الملامح المتوقعة لمستقبل العالم العربي في ظل التحديات الداخلية والخارجية الراهنة ومستجدات نزعة إعصار العولمة المندفع بثقافة الغزو والاجتياح على المنطقة... ومتى سيتخلى العالم العربي عن أبوته السياسية؟ ولماذا لايزال الخطاب مشغولا بالهم التقليدي في ظل غياب هموم التحديث الثقافي والسياسي.

هذه الأسئلة التي تحمل علامات الاستفهام والتعجب عملنا على بسطها مع المفكر علي محمد فخرو لقراءة المشهد الثقافي والسياسي العربي بوضوح... ومن هنا بدأنا:

الآن بعد مرور أكثر من عقد على شيوع ثقافة الديمقراطية في العالم العربي، هل هناك حزمة ضوء تنير الطريق... وممارسات تبشر بالخير؟

- حزمة الضوء موجودة، وفي واقعنا الراهن يمكننا استدعاء التجربة الديمقراطية الكويتية، وقد تكون لدينا بعض الاعتراضات على بعض الممارسات التي سادتها، لكن الديمقراطية هي التي جعلت الحكومة تستقيل، وهي التي فجرت قضايا ملتهبة تتعلق بالفساد في الكويت، وبالتالي انعكست على الحكومة، ولم تستطع ان تقف على رجليها. وقد شُكّلت حكومات أخرى من قبل سمو أمير الكويت، ونتوقع ان تكون مختلفة في ضوء التجربة...

وخذ ما يجري في المغرب والأردن، وكذلك الامر في مصر على رغم نقاط الضعف الكثيرة الموجودة... فهذه التجارب تتطور خطوة... خطوة، وقوى المجتمع الجديد تتضامن مع بعضها بعضا وتؤثر في الساحة، لكن المهم إيجاد النظام الذي يسمح للمارسة الديمقراطية المقبولة اجتماعيا ان تنمو وتنضج، وعند ذاك يبدو الأمل كبيرا، وكما اعتقد انه لا يوجد أحد في المنطقة العربية من مؤسسات مجتمعية وحكام يستطيع ان يقول «لا... لا أريد ديمقراطية» فالعالم متجه اليوم كالسهم المنطلق بسرعة إلى الحكم الديمقراطي بعد ان اكتشف بأنه وفي ظل غياب الديمقراطية الحقة تبدأ الحروب الكبيرة والصغيرة. وعلينا ان نقرأ التاريخ جيدا لكي نتفهم هذه الحقائق، وكيف بدأت الحرب العالمية الثانية حينما استولى الحزب النازي على الحكم ولعل ما جرى ويجري في الجزائر يعد شاهدا، وأيضا ما يجري الآن في تركيا بعد ان نصب العسكريون أنفسهم باعتبارهم أوصياء على الأمة التركية وخلعوا حكومة منتخبة وعملوا بوسائل وألاعيب على حل الحزب الإسلامي. وانظر بعد ذلك كيف صار وضع الجبهة الداخلية التركية... كل هذا تم ويتم بسبب غياب الديمقراطية... وحتى على صعيد الهوية التي تبحث عنها تركيا فأوروبا ترفض قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي في ظل وجود العسكر المهيمن على مقاليد الأمور في تركيا!

ولو أخذنا دول اميركا الجنوبية كمثال آخر، منذ جربت هذه الدول الانقلابات العسكرية، والمغامرات السياسية، وعجزت عن تحقيق الاستقرار، ولذلك فهي لم تستقر، إلا بعد سيادة القانون والحكم الديمقراطي، مع علمنا بمداخلات كثيرة تتجاذب هذه التجارب، تتمثل في الدور القوي للكنيسة وجيوب العساكر والمافيا. لكن كل هذه الامور لابد وان تكشفها شعوب تلك الدول وتعمل على تعديل المسار المعوج وفن النظام الديمقراطي الذي سيزداد قوة ومتانة مع الزمن.

كيف ترى ملامح العالم العربي في ظل التحديات الداخلية ببعديها الاقليمي والدولي ومستجدات نزعة اعصار العولمة المندفع بقوة ليجتاح العالم... والعالم العربي هو الحلقة الاضعف؟

- دعنا نضع العولمة جانبا لانها قضية كبيرة ومعقدة للغاية، ونسأل انفسنا: ما الذي نريده؟ فكلنا نعلم ان محاولة نهضة العالم العربي قد مضى عليها اكثر من 100 سنة ونحن نبدأ ثم نبدأ ونتطور قليلا، ونعود إلى النقطة نفسها فكريا وعقائديا... والمطلوب حسم بعض القضايا التاريخية والعقائدية فهناك القضية الاسلامية التي يجب ان تحسم، وانني هنا لا اعني الاسلام، وإنما استخدام وتوظيف الاسلام توظيفا سيئا من اجل تفكيك وحدة المجتمع الاسلامي والابقاء عليه متأخرا وغيبيا من دون اسانيد أو مبررات - هنا لا اتكلم عن الغيب الاسلامي المتعلق بالالوهية، والآخرة، والثواب والعقاب، بل اتحدث عن غيبي - بمعنى- الاستسلام لما يحدث ويتم تمريره في ظل الجمود باسم الإسلام... إسلامنا الذي هو مبني على العقل والتفكير والتمعن والتدبر، فنحن عندما نتدبر القرآن الكريم فهو لا يقر بما يقوله الكثيرون من الاسلاميين عن الحياة نفسها...

وهناك الآن تفسيرات بأن الاحاديث الكثيرة التي رواها الرواة قد اوجدت جوا إسلاميا سيئا... احاديث وضعها فقهاء السلطان، والطامعون في السياسة وفي السلطة، والذين يتقاتلون على الميكرفون. فأوجدت خليطا عجيبا غريبا ومريبا، وقد كان جرى بيني وبين بعض الاخوان الاسلاميين في مصر حديث وقلت لهم: ان هذا الموضوع من اللزوم ان يحل، وبات ايجاد الحل له، ضرورة لنا لإزالة كل ما هو ظلامي وسيئ محسوب على الاسلام واقترحت إيجاد مؤسسة اجتهادية تضم المستنيرين من الاسلاميين المفكرين من جهة، وتضم العلماء الاسلاميين الجيدين في حقول العلوم المختلفة لكي ينظروا ويبحثوا بصورة دائمة في كل ما يواجهه العالم الاسلامي من تحديات، ويصدروا الفتاوى ليقدموا خلاصة الاجتهاد الحقيقي المبني على المبادئ الأساسية الكبرى في القرآن الكريم والمتناغمة مع العصر وليس على ما قاله فقيه من 1000 عام أوما اعتقده فقيه آخر منذ 500 عام. فالفقهاء بشر ونظرتهم ربما تكون صالحة في ذلك الزمان، وغير صالحة لهذا الزمان وقد تكون صالحة لنا، لكن دعنا نفكر ونقرر ما اذا كانت صالحة أم غير صالحة ونستفيد من هذا التطوير بما يتلاءم مع العصر.

أفهم انك قد دعوت بصورة مبطنة إلى ضرورة عدم الانشغال التقليدي في تغييب هموم التحديث الثقافي، المتصلة بإرساء القيم التحاورية والانفتاح والتسامح والتقبل والتفاعل مع مختلف الثقافات بعيدا عن التعصب ونرجسية الذات؟

- بشكل مباشر وغير مباشر دعوت إلى مراجعة الخطاب وإلى حسم القضايا التاريخية. فالخلاف على الخلافة - مثلا - مازلنا نعيشه، وهو غير منطقي، ثم ان الذين اختلفوا حول الخلافة توفوا، فيما نحن لانزال نتحدث هل كان لابد أن يكون فلان الخليفة... أو ان الخلافة هي لفلان وعلان... دعونا ننتهي من هذا الموضوع ومثل هذا الخلاف يجب ان يحسم، فهناك قضايا تاريخية أخرى تحتاج الى حسم. والشيء الثالث انه لابد من الإجابة على السؤال الآتي: هل نريد المجتمع المواطن؟ وقضية المواطنة يجب ان تحسم، فالمجتمع الغربي حسمها حينما أكد وفعل أنه لا يوجد مقياس الا المواطنة، والالتزام بالقوانين وما تقوله القوانين، وانه لا يوجد شيء آخر يقرر للانسان مواطنته، ذلك يحدث هناك. في حين تجد لدينا ان انتماءك إلى القبيلة الفلانية يقرر أي نوع من المواطنة، أو انتماءك إلى الحزب الفلاني، والطائفة في بعض الدول العربية هو الذي يقرر أي نوع من من المواطنة تستحق، وهل تحصل على نصف الحقوق أم كلها... وفي بعض البلدان العربية من يقرر مواطنتك هو انتماؤك الى السلك العسكري أو الفئات المدنية... وهذا الانتماء هو الذي يقرر أي حقوق تستحق؟!

فمثلا الرئيس أنور السادات أدخل علينا تقليدا جديدا يتمثل في «أب العائلة... وأخلاق العائلة والقرية في موضوع المواطنة» ولم يقل المواطنون سواسية امام القانون - هذه - قضايا عفى عليها الزمن وانتهت... القبلية تمتد لـ 200 شخص وأب القبيلة هو اب العائلة لكن في يومنا هذا المواطنون ينتمون إلى ثقافات مختلفة ويعدون بالملايين، ولايزال بيننا من يريد ان يتعامل معهم وكأنهم عشرة اشخاص في عائلة واحدة...

ما الذي تغير في عالمنا العربي حتى تنتفي قيم وتقاليد الابوة السياسية، ففي الماضي كانت القبائل الابوية مشروع حرب، واليوم نحن في ظل سيادة المنطق القطري نعيش مئة مشروع حرب على الانسان والاوطان؟ ومازلنا ندور حول انفسنا ونبحث عن الخلاص عند غيرنا؟

- نعم هذا التقليد قد سقط من خلال التحولات الاجتماعية التي حدثت في العالم العربي على الاسرة الصغيرة لكن البعض ومنهم السادات يريدون على المستوى الوطني والشعبي ان يصبحوا أباء وهذه قضية أخرى تحتاج إلى حسم واعادة نظر... ومن القضايا التي تحتاج إلى حسم «الوحدة العربية» فهذه القضية بالغة الخطورة والاهمية، وان من وضعوها لم يكونوا يمارسون نوعا من العاب التسلية، وانما هم انطلقوا من اعتقاد بأنه ومن خلال الوحدة العربية يمكن لهذه الامة، ان تنهض... والذين جاؤوا بعد ذلك لتحقيق هذه الوحدة - وهنا مكمن الخلل - فشلوا فشلا ذريعا ثم جاءت النكسات والانكسارات وبدأ الفرد العربي يتشكك في الوحدة العربية ويعتقد ان شعار الوحدة هو الذي أوصله إلى ما هو فيه... وللحقيقة منذ انهيار الناصرية في مصر فرض علينا منطق القطرية، والخلاف الفردي على قاعدة نحن نقبل قليلا من التعاون بين دولنا، ولكننا لانريد الكلام الفارغ، الذي هو الوحدة العربية ووفق هذا المنطق المقلوب اطلق البعض صيحاته بما يعرف بالقرار الفلسطيني... والرقم الفلسطيني الصعب معتبرا ان موضوع فلسطين لا دخل للأمة العربية فيه بل خاص بالفلسطينيين وما يريده الفلسطينيون يعملونه... وادخلونا في هذه الدوامة لأكثر من 38 عاما، وبعد ذلك ثبت ان الدولة القطرية فاشلة، وانها مشروع حرب على كل الاشياء ولم تأت بالامان والتقدم الاقتصادي والحضاري... وها نحن اليوم نجد أنفسنا مرة أخرى على هامش العالم؟ خائرة قوانا، فيما أصبح النفوذ الصهيوني في الأرض العربية بالغ الخطورة، فهو يفتت من يريد أن يفتته، ويثير الفتن متى شاء، ويقرر ما إذا كان المفاعل النووي في بغداد خطرا ويتخذ قرارا بتدميره، وربما ينطبق الأمر على باكستان غدا وبالتالي وجدنا أن الصهاينة هم من يقرر كيف نتقدم وعلى أي قدر نتقدم نحن كأمة إلى الأمام.

وأمام هذه التحديات يبرز لنا السؤال الذي لايزال يبحث عن جواب... ما العمل؟

- الآن... هناك مرة أخرى عودة إلى الاعتقاد بأنه من دون ايجاد نوع من الوحدة العربية سواء كانت اقتصادية على شكل الوحدة الاقتصادية الأوروبية، أو عبر الجامعة العربية كأقوى منظومة من أربع وحدات متماسكة وقادرة على انشاء ما تريد واعطائه ما شاءت من الأسماء... ففي ظل ما تعيشه الأمة اليوم، ثبت بصورة قاطعة ان المؤسسات الكبيرة لا تستطيع أن تقف على رجليها، وكما أرى أن الوحدة العربية يجب أن تطرح بقوة وفق صيغة جديدة، وليس بناء على مكالمة هاتفية بين رئيسين أو علاقة شخصية بين قائدين عربيين... نريدها مدروسة، من صنع الأعم الغالب من أبناء الأمة وأن تكون مستقرة في وجدان الانسان العربي، لأنها هي الخلاص النهائي له... وأما الديمقراطية فيجب أن يحارب من أجلها على المستوى القطري والاقليمي وكل المستويات العربية.

وهل تعتقد أن التهديد بالردع الجماعي العربي هو الذي قلب الصورة أم أن هناك أسبابا أخرى؟

- طبعا التهديد بالردع الجماعي العربي قد فعل فعله، واليوم حتى التنسيق القائم بين سورية ومصر والسعودية يؤثر على المواقف في أميركا وأوروبا - لماذا؟ لأنهم لا يتعاملون معهم كجزء أحادي وإنما يتعاملون مع العالم الخارجي كجزء أكبر وفي يومنا هذا نجد مصر التي تاهت في فترة حكم السادات فترة طويلة، وعادت بعد أن أدركت أن العرب على الصعيد الاقتصادي ومن دون سوق عربية مشتركة، لن يستطيعوا الوقوف اقتصاديا حتى اذا ربطوا أنفسهم بأوروبا، لأن أوروبا لا تريد أن تكون لكم سوقا، لتدخلوا إلى نوادي الاقتصاد العالمي من الأبواب الواسعة وما تراه الآن من جهود تتمثل في اقامة مناطق حرة بين العراق وكل من سورية ومصر والأردن كلها ثوابت تؤكد لنا أنه لا مفر من الارتباط العربي - لكن الشيء المؤلم والمزعج انه وعلى رغم ادراك الجميع لهذه الحقائق، لاتزال خطوات البطء هي السائدة، فيما دول العالم بمجرد ما أن تدرك مصالحها تخطوا خطوات كبيرة وتتقدم بسرعة مذهلة، وهذا البطء والتردد والمزايدات يرتبط بالفكر السقيم وكل ذلك يصير لأن كثيرا من المؤسسات الصانعة للقرار لا تمثل رغبات الناس وطموحاتهم وانما تمثل مصالح ضيقة.

ما الذي ينقصنا من أجل تفعيل دور المجلس وصياغة مصالح شعوب أبناء الدول الأعضاء والمنطقة؟

- ما ينقصنا هو أن تكون هناك كلمة قوية، ووزنها من العيار الثقيل للمواطن الخليجي، ولطالما أن الناس العاديين ليست لديهم قنوات مؤثرة لتحدث التأثير القوي والمباشر في صوغ القرارات وتنفيذ السياسات، سنظل ندور دائما حول أنفسنا - فمثلا - تأتي حكومة مترددة بخصوص التعرفة الجمركية، فيتوقف القرار وتتحفظ دولة على تكوين جيش موحد لهذه المنطقة، فتبقى الجيوش متفرقة ومتباعدة وتأتي حكومة وتقول ان انتقال العمالة الوطنية بين دول المجلس يتم فيما بيننا وبين بعضنا، وتقول الأخرى نحن لا نستطيع أن نسمح لمواطني دول المجلس أن يشتروا الف قدم مربع من الأراضي، وفي ضوء هذا الواقع لابد من وجود قنوات حقيقية بحيث ما يريده الانسان العادي يحسب له ألف حساب، وهذا للأسف غير موجود في الفكر المخطط وعلى رغم احترامي للمجلس الاستشاري لمجلس التعاون إلا أن هذا ليس كافيا، فلابد أن تكون هناك قناة رئيسية تعبر عن رأي الغالبية ومصالحها.

هذا جانب... وأما الجانب الآخر الذي أريد التركيز عليه فهو أن مجلس التعاون يجب أن يكون المثالي والقدوة في الديمقراطية بمعنى أن الغالبية هي التي تقرر تلافيا لأخطاء الجامعة العربية، وهي إما الموافقة الجماعية أو لا يكون هناك اجتماع - وهذا لا يمكن أن يحدث في الدنيا فأوروبا أوجدت لنفسها أنـظمة بحيث لا تستطيع الوحدات أن توقف المسيرة وأوجدت محكمة تفصل في القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء... وتستطيع اسبانيا «العضو الأوروبي» بحكم هذه الأنظمة أن تلجأ إلى المحكمة الأوروبية وتتظلم من ممارسات «بريطانيا» العضو الأوروبي في مضيق جبل طارق أو حتى على الصعيد الاقتصادي والقانوني، وقرار تلك المحكمة يبقى ملزما للدولتين وفوق القانون الوطني. بينما نحن مازلنا نناقش ما عملنا على مناقشته مع بداية تأسيس المجلس، ومازلنا نغض الطرف عما يدور حولنا وكأننا لسنا معنيين. وإذا بقينا في المجلس نردد القول القائل انني لا أسمح لأحد أن يؤثر على القرار الوطني إلا بموافقتي فذلك لا يمكنه أن يطور المسيرة فالمجموعات لا تتطور بحكم هذه الرؤى.

ألا ترى أن غياب الآلية والأجهزة التنفيذية القادرة على المتابعة والتنفيذ هو ما أدى إلى ما حدث في إطار منظومة التعاون الخليجي؟

- حينما نتحدث عن مصطلح الآلية يجب أن نعرف ما هي الآلية، وما هي الأنظمة التي ستحد من هذه الآلية؟ ومن سينفذ هذه الآلية وهل هي آلية فاعلة أم لا؟ وإذا كانت فاعلة فهل هي تفعل على أسس ديمقراطية أم على الأهواء والأمزجة؟

وانطلاقا من حزمة الأسئلة نقول: علينا أن نكون حذرين في تعاملنا مع الصيغ والعبارات، ويجب على المواطن العربي أن يتساءل حينما تطرح مثل هذه العبارات... وماذا تعني هذه الكلـــمة بالضبــــط... وإلا فـ (المانشيتات) الصحافية جاهزة، وليس هناك أعرض من بنطها فمثلا كلمة السلام التي صار لوسائل اعلامنا عقد من الزمن تبشر بها، هي كلمة رشيقة و««اسرائيل» » تتحدث عنها، لكن علينا أن نتساءل أي سلام تريده «إسرائيل»... وقس على ذلك كلمة العدل ولكن ما هي العدالة... وهل العدالة أن تبلغ ثروة شخص واحد 40 مليار دولار بينما الآخرون دخلهم اليومي لا يتعدى دولارا واحدا يتقاسمونه مع عائلاتهم!!؟

أخيرا... يتحدث بعض المفكرين والمسئولين العرب على أن العولمة مشروع هيمنة منظم لسيطرة قوى كبرى على دول مغلوبة على أمرها، فهل لمثل هذه الرؤى جانب من الصحة؟

- العولمة كما قلت موضوع يحتاج إلى الكثير من الفهم والتأمل وسأتطرق إليه بعجالة فهو كمشروع بلا شك له وجوه ايجابية وسلبية لكنها وهذه من الايجابيات فتحت انظار الأمة العربية من خلال ثورة الاتصالات على العالم وصار الانسان العربي يشاهد يوميا الحوادث ويتلقى الثقافات على اكثر من محطة فضائية، وهناك الانترنت الذي اتاح للانسان العربي التعامل مع تدفق المعلومات واحترامها، وكل ما يجري في العالم من دون ان تتمكن أي قوة من منعه. وها نحن نرى بفضل هذا الانفتاح مؤسسات المجتمع الغربي على استعداد لان تتعاون مع المؤسسات في المجتمع المدني العربي فيما يتعلق بقضايا حقوق الانسان والقضايا الاخرى وهذه من فوائد العولمة... وهناك سلبيات للعولمة حتى في الغرب ومئات الكتب والمؤلفات الفرنسية والاميركية تنتقدها وعلينا ان ندرك ان النظام الديمقراطي سيصحح الاخطاء، وان الذي يصبح عصيا على التصحيح هو ما يجري في النظام الفردي «الاوتواقراطي» لانه اذا أصبح المسئول داعيا بإمكانه ان يصحح، ولكن اذا جاء خلفه عشرة من السيئين سيدمرون كل ما يقوم بتصحيحه، الوقت عامل مهم والعالم قطار لا ينتظر أحدا، وبقدر ما تتفاعل وتتحرك ستجد النتائج. والبلدان التي تتحرك بسرعة تخطوا خطوات سريعة وتنتقل مع قطار التقدم العالمي السائر، والبلدان التي تتخلف عن ذلك تراوح محلها... وقد جربت يوغسلافيا ان تكون خارج القطار الاوروبي ورأيتم ماذا احدث تفتت أوصالها واصبحت سيادتها اثرا بعد عين، وماذا كان يضير يوغسلافيا لو اعتمدت النظام الديمقراطي كأساس للحكم ، واعطت القوميات الاخرى حقوقها وهي قوية؟

زعماؤها السابقون ركبو رأسهم ومن ثم اذعنوا بعد ان اصبحت بلادهم أشلاء وهاهم يحتاجون إلى 50 سنة مقبلة لاعادة تأهيل البلاد. وكذلك الاتحاد السوفيتي السابق فهو الان منهك، لانه لم يفهم الشروط والاستحقاقات فالقصة ليست اسمح أولا اسمح «لمكدونالدز» ان يفتح له فرعا في روسيا، انما القصة انهم حتى الآن لم يتفهموا ان قضيتهم تحتاج إلى دماء جديدة، وإلى المؤسسات والقيم المجتمعية المؤثرة، فالثورة البلشيفية جاءت على اسس إنسانية تقوم على العدل والمساواة والحقوق ذلك المجتمع تعود على قتل الألوف بسهولة، وايضا فكرة العبودية - عبودية الفلاح وعلى رغم تطبيقها لمدة تزيد على 75 عاما لم يستطع الفرد الروسي ان يتحرر من هذه الافكار ويستنير بالجانب المضيء في الثورة البلشيفية وفي النهاية استطاع الماضي وتلك القيم والعادت والتقاليد ان تجعل من تلك الثورة «ثورة مستبدة» ومظلمة وتستعمل الطرق نفسها التي كانت سائدة في الماضي... وها هم والعالم يرى النتائج الكارثية!!

العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً