مع مرور أربعة أشهر على التجربة البرلمانية في البحرين، لايزال المقاطعون والمشاركون متشبثون بمواقفهم ومواقعهم، وقد استطلعت «الوسط» آراء النواب من جهة، والقوى السياسية المقاطعة من جهة أخرى، وبعض الحقوقيين بشأن أداء مجلس النواب خلال أربعة أشهر، وقد امتنع ثلاثة من الحقوقيين اتصلت بهم «الوسط» عن الإدلاء بأي رأي تجاه هذه القضية، وأشار أحدهم إلى أن مجلس النواب لا يملك صفة شرعية، ولا يمكن أن نتكلم عن الجوانب التي تخص التشريع فيه.
وقال النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالهادي مرهون: «إنه وعلى رغم التحفظ والتردد الذي اتسم به أداء بعض النواب، بسبب حداثة العمل البرلماني، واستمرار تلمسهم لأدوارهم، قبل بلورة نشاطهم الفعلي، فقد استطاع المجلس في أربعة أشهر أن ينظر في 17 مشروعا بقانون محالا له من الحكومة، وتقدم النواب بعشرة اقتراحات بقوانين، و36 اقتراحا برغبة، و16 سؤالا موجها للوزراء، وأحال 14 قرارا إلى مجلس الشورى والحكومة، وهي حصيلة جيدة» على حد تعبيره.
وذكر مرهون أن المجلس يعكف الآن على مناقشة اللائحة الداخلية، التي من المؤمل - كما ذكر - أن تتيح مساحة وفاعلية أكبر في العمل حين الانتهاء من إقرارها.
وأوضح مرهون أن الحكومة قامت بإغراق المجلس بمشروعات ذات أولوية متقاربة، وفي أوقات متزامنة، ما أفقده التركيز على الاهتمام بالأولويات التي حددها الأعضاء، مضيفا «بأن النواب يعتمدون على قدراتهم الذاتية، وخبراتهم المحدودة في تقييم ودراسة ما يعرض عليهم، من دون أن يتوافر لديهم إمكان الاستعانة، بخبرات واستشارات خارجية متخصصة، سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو غيرهما، إضافة إلى افتقادهم مستلزمات العمل الأولي، كقواعد المعلومات والموظفين المساعدين، والمتابعين، فضلا عن مكاتب يزاولون فيها أعمالهم اليومية».
وخلص إلى أن الحصيلة لعمل النواب، منذ افتتاح دور انعقاده الأول تشير إلى أن أداء مجلس النواب يبدو مرضيا بعض الشيء لما يحمله من شفافية - كما قال - تجاه طرح القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها الساحة البحرينية.
من جانبه، صرح رئيس لجنة الشئون القانونية والتشريعية فريد غازي بأن ما تم إنجازه خلال أربعة أشهر خصوصا ما يتعلق منها بمشروعات بقوانين يعد إنجازا كبيرا يفوق ما حققته البرلمانات الأخرى، وأدعو - والكلام لغازي - من يشكك في كلامي إلى الجلوس معي بصفتي رئيسا للجنة القانونية والتشريعية، لأسرد عليه بالإحصاءات عدد المشروعات، وعدد ساعات العمل التي قضاها النواب في مناقشة ودراسة جميع المشروعات بقوانين، والاقتراحات بقانون المقدمة إلى مجلس النواب.
وأضاف «لن نتعجل النتائج، وسيعلم الرأي العام في نهاية الدورة البرلمانية الأولى، حجم العمل المنجز بالإحصاءات والأرقام الدقيقة المشفوعة بإحصاء الإنجازات، ناهيك عن مشاركة البرلمان في قضايا على المستوى العربي والقومي»، موضحا أن التعديلات الدستورية ستطرح مع بداية الدورة الثالثة.
أما النائب إبراهيم العبدالله، فقد لفت إلى أن حداثة التجربة البرلمانية، وقصر عمر مجلس النواب، يجعل الحكم صعبا على هذه التجربة الفتية، مؤكدا أن هذه الفترة من عمر المجلس هي فترة دراسة وتحليل وتربص، للتعرف على توجهات وإمكانات وقدرات واهتمامات كل نائب، والتعرف على قدرة الحكومة على المشاركة والاستجابة والتنسيق مع السلطة التشريعية، فهذه فترة بناء القدرات المؤسسية والأجهزة الإدارية لمجلس النواب، كما قال.
وأشار العبدالله إلى وجود تعاون ملحوظ من الحكومة مع مجلس النواب، فتوجيهات رئيس الوزراء للوزراء - كما قال- تؤكد ضرورة تعزيز مبدأ التعاون والشفافية مع مجلس النواب، وقد انعكس ذلك من خلال الاستجابة السريعة من قبل الوزراء لاستفسارات وأسئلة النواب، والحضور الشخصي للوزير المعني أو من ينوب عنه عند مناقشة قضية تتعلق بأمور وزارته.
أوضح العبدالله أن النائب يملك الحرية التامة في مناقشة الكثير من القضايا المهمة داخل المجلس كالبطالة والسكن ورفع مستوى المعيشة، كما أن بإمكانه - كما قال - تعديل الكثير من المشروعات بقوانين المقدمة للحكومة، مشيرا إلى أن «طبيعة القضايا المطروحة تعتمد على نظرة وتوجهات النائب وثقافته ومستوى تعمقه في دراسة القضايا، لافتا إلى وجود قضايا تعرض لكسب الرأي العام، وقضايا أخرى حساسة يجب أن تعطى الوقت الكافي لدراستها والخروج بتصور شامل بشأنها.
ودعا العبدالله النواب إلى عدم دغدغة مشاعر الناس ليثبتوا أنهم يدافعون عن حقوقهم، فعلى النائب أن يدافع عن حقوق المواطن من خلال مراعاته إمكانات الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع مملكة البحرين الاقتصادي، ودراسة القضايا التي أمامه دراسة شاملة، كما أن من الضروري أن يضع أمامه البحرين أولا، وليس الجمعية أو الكتلة التي ينتمي إليها، فمصلحة البحرين يجب أن تكون فوق كل اعتبار، على حد قوله.
على الطرف الآخر، قال نائب رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية حسن مشيمع: «إن الذين رشحوا أنفسهم، وطرحوا شعارات التغيير من داخل قبة البرلمان، مازالوا يخوضون في مواضيع وعناوين كثيرة، من دون الوصول إلى اتخاذ قرار واضح في قضية مهمة واحدة» مشككا في قدرة المجلس على طرح التعديلات الدستورية في الدورة الحالية أو في الدورات المقبلة، فهم قد تخلوا عنها، كما أشار.
وأكد المشيمع أن من قاطعوا البرلمان انطلقوا من رؤية واضحة تتلخص في عدم إمكان العمل داخل البرلمان، بما يحقق طموحات الشعب، فالكثير من البنود في الدستور تعيق تحرك أعضاء المجلس المنتخب وتشل من قدرة البرلمان وفاعليته، مؤكدا أن المجلس الوطني هو مجلس شورى مطور، وقد تعامل مع الناس سابقا وحاليا على أنه مجلس شورى، فالتعاون معه هو إقرار بصحته وشرعيته، على حد تعبيره.
وطالب المشميع النواب إثبات قدرتهم على محاسبة المسئولين والوزراء، وصحة نظريتهم بإمكان التغيير من الداخل، وبعدها لكل حادث حديث كما قال، إلا أنه استشهد بقضية التسريحات الأخيرة في بتلكو باعتبارها شاهدا على عدم قدرة النواب اتخاذ قرار، فبعد أن أعلنت الصحافة توصل النواب إلى حل لقضية المسرحين من بتلكو، صدر من المسئولين في بتلكو بعد يومين ما يخالف ذلك.
على الصعيد الاقتصادي، أشار نائب رئيس جمعية العمل الديمقراطي للشئون التنظيمية إبراهيم شريف، إلى أن أداء المجلس النيابي متواضع وفي حدود المتوقع، معتبرا أن التعديلات الدستورية قلصت صلاحيات مجلس النواب، وجعلت من المجلس موقعا للتعبير عن رأيهم أكثر منه موقعا للتشريع، فما تم مناقشته وما تقدم به أعضاء المجلس برغبات خلا الكثير منها من المسئولية المالية.
وأضاف: فمرة يطالب بخفض تسعيرة الكهرباء، ومرة إلغاء فوائد القروض، وأخرى عن زيادة مزايا التأمين الاجتماعي، وفي كل هذه الأحوال لم يناقش النواب الكلفة المترتبة على هذه الاقتراحات ولا كيفية تمويلها أو آثارها السلبية، موضحا أن هذه الرغبات بالموازنة المعروضة على المجلس منذ فبراير/شباط، والأجدى - بحسب رأيه - أن تناقش باعتبارها ملاحق للموازنة لا اقتراحات برغبة غير ملزمة للحكومة.
وأشار شريف إلى أن المجلس لا يمكن أن يحرك ديوان الرقابة المالية لأنه أصبح تابعا للديوان الملكي بعد أن كان يتبع المجلس في دستور 1973، لذلك فالمجلس ينتظر رد مؤسسة النقد على استفساراته بشأن قضية البنك البحريني السعودي بدلا من أن يطلب من ديوان الرقابة البحث عن الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسة في عملها الرقابي، كما أنه لا يستطيع أن يوجه الديوان للتحري عن صفقة برامج التكنولوجيا للجمارك، ولا يستطيع أن يعين أو يعزل رئيس الديوان أو حتى يستشار في تعيينه.
وبخصوص قرض الـ 500 مليون دولار، أوضح شريف أن مجلس الشورى لن يقف ضد الحكومة إلا في القضايا الشكلية، كما أن مجلس النواب لا يملك الخبرة الكافية ولا الإرادة القوية للتحقق من تفاصيل هذه المشروعات، كما حصل في تقرير لجنة الشئون المالية والاقتصادية تعليقا على المشروعات الأربعة، والذي خلا من وجود قلق لديها من الفساد الذي يتحدث عنه الناس في المشروعات الكبيرة، ما عدا التلميح في مشروع السيف، داعيا النواب إلى توظيف كوادر متخصصة لمجاراة مشروعات الحكومة.
ولفت شريف إلى أن تركيبة المجلس النيابي الحالي تمنع التصادم في القضايا الكبرى، على رغم وجود عدد من النواب الوطنيين الذين يحترمون أنفسهم ويعتقدون أن بإمكانهم أن يحققوا شيئا للمواطنين، فهؤلاء النواب سيحرجون الحكومة، على حد قوله، إلا أنه أشار إلى وجود نواب يزايدون للحصول على شعبية، وآخرون يريدون تصفية حساب مع وزير معين، من دون أن يضر ذلك بموقف الحكومة التي ستتعلم من اللعبة الديمقراطية، وتقدم أعضاؤها الصغار لقمة سائغة إلى البرلمان ليثبت رجولته أمام المواطن، إلا أن كل هذا من دون التشريع سيكون مجرد لعبة للتسلية، فنحن في المعارضة نعتبر المجلس ظاهرة صوتية لن نأسف على عدم المشاركة فيها
العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ