عند بزوغ القرن التاسع عشر على الهند واجه المراثا - القوة الرئيسية في الهند آنذاك - المستعمرين الانجليز. وكانت توجد مجموعات أخرى تتمتع ببعض القوة، مثل الافغان والمسلمين الهنود والسيخ. وقد ادخل الانجليز الى الهند اسلوبا جديدا في الحرب مازال يجهله الهنود حتى اليوم.
وسنلقي نظرة دقيقة على كلا الجانبين كما يأتي:
المراثا
كان المراثا يشكلون أكبر قوة في الهند. وقد كان جيش المراثا يتمتع بسمعة قوية كآلة قتال صلبة ذات قدرات عالية.
أما الأسرة الملكية للمراثا فلم يكن أداؤها جيدا. لقد كانت ضحية حوالي خمسين عاما من العمليات البريطانية السرية. وعملت السياسة الشهيرة «فرّق تسد» لشركة شرق الهند على تقسيم المراثا إلى 4 أو 5 زعماء بدلا من قوة مركزية رئيسية.
لقد نصب البريطانيون الفخ لقوات المراثا. عندما خلقوا مسرحية «معركة بانيبات الثالثة، وأقامت شركة شرق الهند شبكة تجسس امتدت من كلكتا إلى كابول ووصلت حتى كيفا وبوكاره، وتم ادخال معظم هؤلاء الجواسيس في الفترة من العام 1740 إلى 1750 على أنهم رجال أعمال جعلوا من أنفسهم أعضاء في الطبقات الاجتماعية العليا في جميع المدن من كابول إلى بونه. لقد كانت الخطة البريطانية واضحة: إشعال الحرب بين الأفغان والمسلمين في شمال الهند من ناحية والمراثا في شمال الهند من ناحية أخرى وتدمير جيش المراثا ثم توقيع معاهدة مع المراثا لحمايتهم من قوات الأفغان والسيطرة الكاملة على الأمور بصورة تدريجية.
إن ما حدث في بانيبات ليس ما كان يساوم عليه البريطانيون.
لقد تم تقسيم المراثا من قبل الجواسيس الانجليز الذين استطاعوا فصل المشاة من المراثا عن سلاح الفرسان.
وكان الانجليز على ثقة بأن ادارتهم الخفية لميدان المعركة ستؤدي الى اشتباكات صغيرة لمدة تتراوح بين اسبوعين وثلاثة اسابيع بين المشاة من المراثا ورجال الفرسان الأفغان بحيث تستنزف قوة الطرفين. وسيتم تسلم جيش المراثا وسيضطر بشوا الى دفع فدية كبيرة لانقاذ أخيه وابنه. واعتقد أحمد شاه ان الغنائم من معسكر المراثا والفدية التي سيأخذها من بشوا والعائدات من نيودلهي وما أصبح يعرف حديثا بولاية أوتر براديش سيجعله ثريا أكثر مما كان يحلم مع خسائر بسيطة أو لا تكاد تذكر في جيشه.
واتخذت معركة بانيبات منعطفا مختلفا عندما اختار القائد العسكري لمراثا ساداشيف راو بها وطريق المواجهة بدلا من تضييق الخناق على العدو بشكل تدريجي. واسندت قيادة المدفعية الى باثان دروجاها الذي عرضت عليه رشوة كبيرة لكي يخذل ساداشيق راو في حال نشوب المعركة. وتظاهر بأنه يواصل المعركة التي كانت قصيرة. ويحاول المؤرخون البريطانيون أن يصوروا ان المراثا قد ابيدوا في المعركة تماما.
وكانت الحقيقة أن المراثا كان لديهم ما بين 100 و150 مدفعا تدعمهم وحدات مشاة النخبة التي كانت تقدر بما بين 12,000 و15,00 رجل قاموا بالاشتباك مع الجيش الأفغاني والمسلمين الهنود الذين كان لديهم ما بين 60 و80 مدفعا و15,000 من رجال الفرسان و20,000 من المشاة.
كانت تلك هي الوحدات القتالية الفعلية التي يمتلكها الطرفان، ولكن كان هناك 30,000 مدني من المراثا وحوالي 20,000 أو ما يقارب من مشاة المراثا الذين لم يتم اختبارهم في الحروب والذين اسندت اليهم مهمة حراسة المدنيين أثناء العودة الى دلهي أو الى مناطق أبعد منها.
وكان هناك تفوق واضح لمدفعية المراثا المدعومة بالمقاتلين الأشداء من حاملي الرماح على قوات أحمد شاه التي قامت بالدور الرئيسي في القتال. ولم يشترك المسلمون الهنود وانتظروا حتى حانت الفرصة للسلب والنهب.
لقد أعاق نقص سلاح الفرسان سيطرة ساداشيف على ميدان المعركة، ولكن مع الصيحة التي اطلقت في مقدمة الجند «هارهار مهاديف مع صيحة علي علي» تمسك المراثا بمدافعهم وقضوا على المشاة الأفغان واستطاع مشاة المراثا المسلحون بالحراب صد هجمات سلاح فرسان العدو. ولم يكن واضحا ما اذا كان قد تم التخطيط لكسر طوق الحصار عن المدنيين أم لا لأن ساداشيف راو لم ينجُ من المعركة. وواصلت مدفعية المراثا القتال حتى بعد غروب الشمس مدعومة بالمشاة. ونجا الكثير من المشاة الذين اشتركوا في المعركة وانسحبوا بحلول الليل. وفشل أحمد شاه في أسر أي أمير من المراثا حيا حتى يستطيع ان يطالب بفدية وفشل في تعقب جيش المراثا المهزوم للدخول في معركة أكثر ملاءمة. لقد تقلصت قوة المراثا ولكنها لم تتحطم إذ لم يجرؤ البريطانيون على مهاجمة قوات المراثا بصورة مكشوفة.
وقام الانجليز بتنفيذ عمليات سرية طيلة أربعين عاما بهدف تقسيم واضعاف المراثا قبل أن يجرؤوا على مهاجمتهم بشكل مباشر.
القوة البريطانية
بعد احتلالهم للبنغال حاول الانجليز احتلال الهند كاملة وآسيا الوسطى. ومع ان الانجليز انتصروا على اعدائهم الأوروبيين فإنهم كانوا قوة هامشية على الأرض. لقد ذكر سيروس العظيم في العام 400 ق . م عبارة كانت تنطيق على الانجليز آنذاك كما تنطبق عليهم اليوم. قال سيروس: «ان الأقطار الناعمة اللطيفة تخلق رجالا ناعمين وليس من خواص أية تربة ان تنتج ثمارا جيدة وجنودا جيدين أيضا».
كانت لدى انجلترا مجموعة من الرجال يتسمون بشجاعة تفوق الوصف، ولكن لم يكن لدى الانجليز قوات مشاة تضاهي مشاة المراثا. وتم تعويض النقص في عدد المحاربين بالادارة الجيدة والقدرة على السيطرة. كما كان لديهم السلاح السري المتمثل في المكر.
إن الانجليز أسياد اساليب الحرب السرية واستطاع عملاؤهم التغلغل داخل الطبقات الاجتماعية العليا للمراثا واحدثوا الشقاق الداخلي بين هذه الطبقات.
ويحاول المؤرخون الانجليز ترديد النغمة الخاصة بتفوق القوات الأوروبية بالمقارنة مع الآسيوية مع ان الانجليز - في معظم المعارك - كانوا يهاجمون فقط عندما يكون تفوقهم العددي بنسبة 3 إلى 1. ويثبت الانهيار الكامل للانجليز في سنغافورة أمام الهجوم الياباني الفعالية البسيطة لمقاتليهم.
وباتباعهم اسلوب «فرّق تسد» في الساحة حققوا أكثر من التعويض الذي ينقصهم في ميدان المعركة، ويتميز الانجليز بالقدرة على فهم الطبيعة البشرية بشكل يفوق بقية الدول.
كما يتسم الانجليز بالاعتدال عندما يكونون منتصرين ويكونون قساة فقط عندما يصبحون جشعين، وبامكانهم خلق مسرحيات تشبه الواقع تتسبب في هزيمة عدوهم بوسائل عجيبة.
ومن ضحايا هذه المسرحيات الانجليزية ياشفانت راو هولكار الذي استخدمه الانجليز لمهاجمة عدوهم التالي (السيخ)
العدد 225 - الجمعة 18 أبريل 2003م الموافق 15 صفر 1424هـ