عقد اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» الطارئ بفيينا أمس (الخميس) وسط مخاوف وتكهنات عن الاحتمالات التي ترددت بقوة عن الانخفاض المتوقع في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتعتزم «أوبك» في اجتماعها برئاسة وزير الطاقة والصناعة القطري عبدالله بن حمد العطية بحث السيناريوهات المحتملة لسوق النفط العالمية والاتفاق على اجراءات لتحقيق استقراره بعد الانتهاء من الحرب على العراق.
وكانت «أوبك» قد رفعت انتاجها قبيل اندلاع الحرب لتجاوز أي نقص محتمل ما جعل رئيس المنظمة يعترف بأن دول المنظمة أفرطت في الانتاج.
ويعقد الاجتماع وسط خلافات داخل المنظمة بين من يؤيد خفض حصص الانتاج وبين من يدعو الى اقناع أعضائها بالكف عن تجاوز حصههم الحالية، ومن بين السيناريوهات التي ستطرح على «اوبك» هل تعتزم المنظمة تخفيض انتاجها من النفط أم سيظل انتاجها محتفظا بمستوياته الحالية في ظل الظروف الدولية الحالية الناجمة بعد الحرب على العراق ويطلق المراقبون على الاجتماع شعار «النفط، الشكوك في أسواق النفط واستراتيجية مواجهتها».
بعد أربع سنوات من العائدات المربحة بات المتشددون في أوبك في موضع الدفاع، وتنصب مخاوف الاعضاء على ان شركات النفط الاميركية العملاقة ستدخل في إثر الدبابات الى بغداد ما يؤدي الى زيادة كبيرة في انتاج النفط الخام في ظل الحكومة العراقية الجديدة.
وعلى مدى سنوات اعتمدت المنظمة على العراق في ظل صدام حسين الذي كان مكبلا بالعقوبات في رفع أسعار النفط الخام.
وزادت المنظمة انتاجها للحيلولة دون خروج الأسعار عن نطاق السيطرة اثناء الهجوم الأميركي على العراق، ولكنها تحاول الآن منع المزيد من انخفاض الأسعار بعد هبوطها أكثر من 30 في المئة منذ مطلع مارس/ آذار.
وقال وزير النفط والموارد المعدنية الاماراتي عبيد بن سيف الناصري ان أوبك يجب ان تحد من فائض الانتاج فوق مستوى حصصها الرسمية والذي بلغ 1,8 مليون برميل يوميا الشهر الماضي.
ويخشي بعض المتعاملين في سوق النفط ان تؤدي عودة الانتاج العراقي الى تقويض السعر المستهدف لـ «اوبك»، وهو 25 دولارا للبرميل والذي حافظت عليه بنجاح منذ 2000 بفضل نظام الحصص.
ويرى وزير النفط والثروة المعدنية السعودي علي بن ابراهيم النعيمي ان منظمة «اوبك» ستعمل على المحافظة على النطاق السعري للمنظمة ما بين 22 و 28 دولارا للبرميل.
وأوضح النعيمي ان الهدف من هذا الاجتماع هو التشاور بين كل الوزراء وذلك من أجل التأكد من استقرارالسوق تبعا لقرارات أوبك الأخيرة، وأكد أن السعودية تتخذ قراراتها الخاصة بالانتاج ليس بشكل منفرد ولكن بالتنسيق مع منظمة «أوبك» وحسبما تقتضيه مصالحها.
أما وزير النفط المصري سامح فهمي فيعتبر عوامل العرض والطلب العالميين على مصادر الطاقة أحد أهم الأسباب الرئيسية التي لها دور في تحديد مستويات الأسعار العالمية للنفط ارتفاعا وانخفاضا بالاضافة الى المتغيرات العالمية الأخرى مثل معدل النمو الاقتصادي العالمي والحوادث العالمية والاقليمية وسياسات الطاقة في الدول المنتجة والمستهلكة بالاضافة الى ارتفاع تكاليف البحث والانتاج بمناطق أكثر صعوبة مثل البحث في المياه العميقة.
وينفي فهمي ما يتردد عما يهدد المنظمة، مؤكدا ان «اوبك» ستظل تلعب دورا رئيسيا في أسواق النفط، بالاضافة الى بزوغ أهمية منظمات أخرى مثل منتدى الدول المصدرة للغاز. في الوقت نفسه يحذر وزير النفط الجزائري خليل شكيب من أن أسعار النفط قد تهبط الى 20 دولارا للبرميل اذا لم يعد منتج أوبك الى السقف الانتاجي المقرر البالغ 24,5 مليون برميل، واكد ان «اوبك» ستتخذ قرارا من شأنه العمل على استقرار أسعار النفط.
وقال شكيب ان الاجتماع سيقرر «عودة أعضاء المنظمة إلى الحصص التي كانت محددة في 11 مارس الماضي مع الأخذ في الاعتبار عودة نفط فنزويلا ونيجيريا إلى الاسواق العالمية»، وأضاف أن «هدف المنظمة مازال هو الحفاظ على أسعار النفط بين 22 و28 دولارا للبرميل وإذا أمكن عند 25 دولارا».
وقال شكيب إن عودة صادرات النفط العراقي المرتقبة لن يؤثر على الأسعار واستقرار الأسواق العالمية على المدى القريب، ويرى ان العراق لن يتمكن من العودة إلى الانتاج بقدرات كبيرة قبل مرور ثلاث سنوات أي انه لن ينتج إلا ما يتراوح بين مليونين أو ثلاثة ملايين برميل يوميا. وقال شكيب إن هؤلاء المستثمرين سيفكرون مليا قبل خوض مغامرة الاستثمار في النفط العراقي إذا واصلت الأسعار تراجعها المطرد.
أما وزير النفط الايراني بيجان نمدار زنغنه فيدعو «أوبك» الى ضرورة خفض انتاجها في الربع الثاني من العام 2003 لخلق توازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية، وقال زنغنه انه يوجد في الوقت الحالي فائض في اسواق النفط محذرا من انه اذا استمر هذا الوضع بلا ضوابط فإن سعر النفط سيتدهور على المدى الطويل، واشار الى انه بعد انتهاء الأزمة العراقية عاد الانتاج اليومي لبلاده الى سابق معدله قبل الحرب وهو ثلاثة ملايين برميل يوميا لافتا الى ان العراق بامكانه زيادة الانتاج بمقدار خمسمئة ألف برميل اخرى خلال اقل من عام.
بينما يتوقع وزير النفط الهندي رام نايك انخفاض أسعار النفط بصورة ملحوظة خلال الفترة المقبلة وخصوصا بعد انتهاء الحرب في العراق والحديث عن دخول النفط العراقي بعد استنئاف انتاجه بشكل أكبر.
وتمثل عودة النفط العراقي تهديدا لكثير من الدول من بينها روسيا التي تخشى أن ينعكس ذلك على آلة الاقتصاد الذي قد ينكمش على المدى القصير، وعليها - على الأجل الطويل - أن تواجه المنافسة مع العراق.
ورجحت مصادر نفطية ان تخفض أوبك انتاجها من النفط الخام في حال انخفاض سعر البرميل عن 22 دولارا.
وقد التزمت «أوبك» خلال اجتماعها الأخير الذي عقد بفيينا فى 11 مارس الماضي بضمان تغذية السوق في حال حدوث أزمة نفطية مع مراعاة عدم ادخال أي تعديل على الحصص المحددة للأعضاء وقدرها 24,5 مليون برميل يوميا.
ويتعرض مستقبل «اوبك» للتهديد بعد الحرب على العراق، وخصوصا ان المراقبين يرون انها حرب هدفها الاول هو النفط فقد قال مدير المؤسسة الصحفية الاميركية المتخصصة «اينرجي اينتليجانس» التي تصدر عنها مجلة «بتروليوم اينتليجنس» الاسبوعية وصحفية «زي اويل ديلي» اليومية يوسف ابراهيم في حديث إلى صحيفة «لوموند» الفرنسية أخيرا ان معركة النفط الحقيقية تستهدف العودة إلى الظروف التي حكمت أسواق النفط العالمية في اعقاب الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه سنة 1945 الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت ومؤسس السعودية الملك عبدالعزيز بن سعود.
واعتبر ابراهيم أن هذا الاتفاق الذي استمر يؤتي ثماره لصالح اميركا لمدة 20 سنة أدى إلى تحول اميركا إلى غول اقتصادي، وجعل من شركاتها النفطية حيتان تسيطر وتحتكر كل الاسواق العالمية غير أن هذا الاتفاق الذي ساهم فى بناء العملاق الاميركي بدأ يتراجع عن تأدية واجبه على الوجه الاكمل منذ سنة 1960 بانشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التي بدأت فى التحكم في أسعار النفط العالمية.
وقال ان أكثر ما يضايق الاميركيين من أوبك هو انها نشرت فكرة «النفط نفطنا»، وهي الفكرة التي بدأت تقوى بمرور الأيام لتشمل دولا نفطية أخرى بما فيها المكسيك الجار الملتصق باميركا إضافة إلى مساهمة هذا الفكر فى انشاء شركات نفطية عامة في الجزائر مثل سوناتراك وشركة النفط العراقي الوطنية في العراق.
يذكر أن سعر 22 دولارا الذي يقترحه البعض يشكل السعر الأدنى «لآلية ضبط»، والذي اتخذته «أوبك» في شهر مارس من العام 2000، وبمقتضى هذه الآلية فإنه يمكن للمنظمة خفض انتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا في حال انخفاض سعر البرميل عن 22 دولارا وبوسع المنظمة زيادة الانتاج اذا زادت الأسعار
العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ