العدد 232 - الجمعة 25 أبريل 2003م الموافق 22 صفر 1424هـ

رعاة كينيون يستثمرون تعويضاتهم لشراء الزوجات والماشية

يداعب لجابايون ليسامانا الجالس الى جانب زوجته الجديدة داخل كوخهما الصغير جهاز الراديو البرّاق الذي يعلقه على ساعده الأيسر المبتور.

الزوجة المراهقة الخجولة مانتينيا والراديو المقلد وعشرات الأبقار والماعز هي أولى ثمرات مبلغ 128,500 دولار الذي حوّل ليسامانا من شخص نكرة لا يكترث إليه أحد الى «لقطة» عظيمة في مجتمعه.

لقد جاءه المبلغ من وزارة الدفاع البريطانية كتعويض بعد أن أقام هو وآخرون من قبيلتي سامبورو وماساي دعوى على الوزارة على أساس انهم ضحايا ذخائر حية تركها جنود بريطانيون بعد انتهاء تدريباتهم قرب ارتشرز بوست ودلدول الى الجنوب الغربي.

في شهر يوليو/تموز الماضي وافقت بريطانيا على دفع مبلغ اجمالي مقطوع قدره 7,4 ملايين دولار لـ 233 ضحية. وذهب أكبر مبلغ وقدره 411,675 دولارا إلى الفتى ايلموليون ليكورباني البالغ من العمر تسع سنوات الذي أصيب بالعمى نتيجة انفجار ذخيرة حية في العام 2000.

وسويت الدعاوى في شهر اكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأودعت غالبية المخصصات في حسابات مصرفية لآجال محدودة كيلا ينفق الفقراء والأميون من المستفيدين كل تعويضاتهم دفعة واحدة، وأصبح حوالي 130 منهم وبينهم ليسامانا بين عشية وضحاها أصحاب ملايين بالشيلينغ الكيني.

لقد أصبح ما بات يعرف باسم «أموال البم بم» الشغل الشاغل لبلدة ارتشرز بوست المغبرة المؤلفة من عدد من الشوارع الرملية التي تمتد على جوانبها أكواخ وبسطات مهلهلة على بعد 150 ميلا شمال شرقي العاصمة نيروبي.

لقد تضاعفت أسعار لحم الماعز، وتم افتتاح عدد من الدكاكين - بعضها من قبل الضحايا والاخرى من قبل تجار اجتذبتهم رائحة المال - لبيع أجهزة الراديو والمسجلات والبضائع الأخرى.

ومعظم الضحايا هم من الرعاة البدو الذين يعيشون في أكواخ مصنوعة من جلود الأبقار وأكياس البلاستيك المنسوجة، وهم يقيسون ثرواتهم بعدد الزوجات ورؤوس الأبقار والماعز.

ويتذكر ليسامانا، الأمي في أواخر الاربعينات من عمره، انه عندما كان راعيا شابا، أخذ يلهو بقطعة معدنية انفجرت ومزقت يده اليسرى، يرجح انها قنبلة هاون أو قذيفة مدفعية خلفها وراءهم الجنود البريطانيون الذين اجروا تدريبات في حقل عسكري مفتوح غير مسيّج في المنطقة منذ أيام الحرب العالمية الثانية.

النساء يعشقونني الآن!

قبل حصوله على التعويض كان ليسامانا شحاذا يتنقل من قرية الى أخرى، وكان يريد ان يتزوج غير انه لم يكن يملك مالا لشراء الابقار والماعز لدفعها مهرا للعروس.

ولما سمع عن الدعاوى سجل اسمه لدى مؤسسة «لاي. وآي وشركاه» للمحاماة في لندن، والتي كانت وكيلة أصحاب الدعاوى، وبعد زهاء سنة واحدة أودعت حصته من التعويضات في أحد مصارف بلدة نانيوكي التي تبعد 60 ميلا عن ارتشرز بوست والتي لم يسبق له ان زارها.

ويقول ليسامانا بحسرة: «لم يكن لي زوجة من قبل، ولم أكن أملك حتى معزة واحدة، بل ولا دجاجة». ولكنه ابتسم ابتسامة عريضة وأضاف: «والآن هناك كثير من النساء يتقاتلن عليّ. والجميع يحبونني»!

وبمساعدة قريب له تعلم في مدرسة ابتدائية سحب ليسامانا 15 ألف دولار من حسابه المصرفي الجديد، وتزوج من مانتينيا في يناير/كانون الثاني الماضي بعد ان وافقت عائلتها على قبض مبلغ 195 دولارا وتسعة أبقار مهرا. كما اشترى عددا من رؤوس الماشية لنفسه، وكذلك جهاز الراديو البراق وحذاء!.

وبعد دفع كلفة ما يصفه بأنه أكبر عرس شاهده، لايزال في حوزة ليسامانا من أصل المبلغ الذي سحبه 3,856 دولارا يخبئها في علبة. والشيء الوحيد الذي يريد ان يفعله بثروته هو اقتناء المزيد من الزوجات لاسيما ان قبيلة السامبورو التي ينتمي اليها تسمح للرجال باقتناء كل ما يستطيعون من الزوجات اذا كانت احوالهم المادية تسمح بذلك.

ليسامانا، الذي يرتدي زيا تقليديا مزركشا تشتهر به قبيلته، وينتعل خفين من البلاستيك، يقول: «انني سعيد جدا، لانني سأنجب أطفالا وستكون لديّ ثروة».

أما مانتينيا، التي تطوق عنقها ورسغيها وكاحليها بعقد من الخرز الملون، فهي لم تذهب الى المدرسة. وقد تولت عائلتها ترتيب زواجها، وقد قالت بخجل - بعيدا عن أذني زوجها - إنها لا تحبه، ولكنها لن تهرب منه لأن اللعنة ستلاحقها. ويقول المحامي مارتي داي ان الضحايا الذين حصلوا على التعويض تم نصحهم بكيفية التصرف في ثرواتهم الحديثة، وتراقب المحكمة العليا البريطانية المدفوعات التي تقدم إلى الأطفال حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة.

ويضيف داي - الذي تم الاتصال به هاتفيا في لندن - ان هذه الطريقة كانت ايجابية الى حد بعيد، ولا يخفي ان هناك استثناءات، كالأشخاص الذين انفقوا اموالهم على الكحول و«لكن ليس بيدنا حيلة، فالأمر يتعلق بالفرد نفسه».

ثروة هبطت من السماء

وقد تم تسجيل حوالي 3,300 شخص كمجموعة ثانية من المطالبين الذين بدأت الاجراءات القانونية الخاصة بهم في 31 يناير/كانون الثاني، ويتوقع داي قبول طلبات حوالي 900 منهم بعد ان يملأوا الاستمارات وتجرى لهم فحوص من قبل الاطباء وخبراء الذخائر. وكان معظم المتقاضين اطفالا عندما اصيبوا بالجروح نتيجة فضولهم بالعبث بقطع معدنية غريبة أو محاولة استعمالها زينة أو لعبة، أو قذف الذخائر بالحجارة والعصي.

وقد أجرى جنود بريطانيون ثلاث عمليات تنظيف في ارتشرز بوست خلال السنوات الماضية، وعثر على حوالي 300 قذيفة هاون ومدفعية في كل مرة، وتبلغ مساحة حقل التدريبات 580 ميلا مربعا.

أما الشعور تجاه البريطانيين فمختلف... فوالد الطفل الذي أصيب بالعمى، يشكو من أن المال لا يكفي ويقول ان الجنود البريطانيين طرودهم من أرضهم ثم غادروا من دون ان ينظفوا الارض والممتلكات من مخلفاتهم، وانه لن يصدق ان ابنه منح 411,000 دولار قبل ان يرى المال نقدا وعّدا.

والبعض يعتبر المال المخصص لهم مجرد ثروة هبطت عليهم من السماء لأن أفراد قبيلة السامبورو معتادون على الموت المفاجئ من الامراض وقطاع الطرق والافيال والاسود التي تجوب مراعيهم.

السيدة انجيكو لينغاينا قتل قطاع الطرق زوجها كريستوفر في السبعينات، وقتل ابنها في انفجار في الثمانينات، تقول: «اذا حان يوم موتك ستموت. ولذلك مات ابني عندما حان يومه وانا حصلت على المال»!

وقد حصلت على 10,925 دولارا وأقامت ثلاث بسطات صغيرة لبيع السكر والملح والسجائر والبطاريات والأقلام!.

خدمة أ.ب

العدد 232 - الجمعة 25 أبريل 2003م الموافق 22 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً