قدمت أمس خلال اجتماع الدورة الـ «94» لمجلس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة في البلاد العربية ورقة تحت عنوان «نحو استراتيجية جديدة للعمل الاقتصادي العربي المشترك»، وتضمنت الاهداف الاقتصادية الكلية للعمل العربي المشترك، ونتائجه الاقتصادية والاجتماعية.
ورأت الورقة ان تطوير استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك تشكل ضرورة ملحة في ضوء التطورات الاقتصادية الحاصلة في الدول العربية بما يسمح للقطاع الخاص العربي من توسيع دوره، والسعي لتأمين مناخ تشجيعي واقتصادي يسمح بحرية المبادرة، واعداد الدراسات المتخصصة عن الأنشطة الجديدة التي تسهم في انعاش القطاع الخاص.
ودعت الورقة الحكومات العربية الى دعم ورعاية المبادرة الخاصة لتقوم بدورها في ظل بيئة اقتصادية مناسبة، فضلا عن تبني مناهج وسياسات عملية فعالة لتنمية روح المبادرة، على ان يتم تحديث سياسة التعلم وتطوير مناهج التعليم والتدريب.
وأكدت الورقة دورها الذي أصبح له دور مركزي في النشاط الاقتصادي في الدول العربية وفي عملية التعاون والتكامل الاقتصادي بينها. وقالت ان برامج الخصخصة والاصلاح الاقتصادي في الدول العربية من شأنها تعزيز دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، وهذا أمر يستوجب اشراك هذا القطاع في وضع الحلول المناسبة لتنفيذ الاهداف الاقتصادية المرجوة. وبالتالي فإن المستقبل الاقتصادي للدول العربية يعتمد على مدى الاستعداد لوضع استراتيجية تحقق تكاملا اقتصاديا، يكون منفتحا تجاه العولمة والتفاعل مع التقدم التكنولوجي.
وأضافت ان من شأن مثل هذا التكامل ان ينقل الاقتصادات العربية من النظام التقليدي الى النظام الحديث، وذلك بالاعتماد على بنية تحتية معلوماتية، وقدرة مجتمعية تستظل بالقيم وتمتلك الإرادة للتطوير والتغيير. على ان يتعزز ذلك ويقوى بالمشاركة الموسعة لمختلف شرائح المجتمع في صنع القرارات الاقتصادية، بما في ذلك تعزيز دور المرأة في النشاط الاقتصادي وفي مواقع القرار.
تطوير الاستراتيجية
وقالت الورقة انه على رغم الاهداف العريضة التي رسمتها «استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك»، فإنه لم تحصل ترجمة واسعة لهذه الاهداف من خلال إقامة برامج ومشروعات عربية مشتركة لتحقيقها. انما كانت هناك بداية تمثلت بـ «اتفاق تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية والاتفاق الموحد لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية» اللذين وقعا في العام 1981. وقد جاءت مختلف احكام هذين الاتفاقين ترجمة لبعض الاسس والمبادئ التي وضعتها الاستراتيجية في مجال العلاقات التجارية وتبادل الاستثمار بين الدول العربية.
أما بالنسبة إلى اتفاق «تنمية وتيسير التبادل التجاري بين الدول العربية»، فقد تم تعزيزه من خلال وضع «برنامج تنفيذي» لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى في اطارها. وقد روعي لدى وضع هذا البرنامج التطورات الحاصلة في نظام التجارة الدولية الذي تمخض عنه إقامة منظمة التجارة العالمية في مطلع العام 1995، وذلك بغرض تحقيق العولمة في مجالات التجارة والاستثمار والخدمات.
وأكدت أهمية تفعيل «استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك» من خلال تحديثها وتطويرها بما ينسجم مع المستجدات، وخصوصا الدور المتزايد للقطاع الخاص في التنمية والتكامل الاقتصادي العربي، ولمراعاة ومواكبة التحولات المهمة في البيئة الاقتصادية الدولية لجهة التحرير التجاري، وترشيد استخدام الموارد، واستخدام التكنولوجيات الحديثة في العمليات الانتاجية للسلع والخدمات ومواكبة التحولات التكنولوجية، وخصوصا في مجالي المعلومات والاتصالات، وزيادة الوعي بالبيئة. وقالت ان ذلك يتطلب قيام الحكومات العربية بالتعاون والتنسيق فيما بينها من أجل رسم السياسات القادرة على تلبية احتياجات القطاع الخاص وتفعيل دوره على أفضل وجه ممكن.
وقالت ان منطلق تطوير الاستراتيجية يجب ان يكون من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، باعتبارها مشروعا يستهدف بداية توحيد الاسواق العربية وتشجيع الاستثمار على أساس السوق الموحدة، بما يمكن من ايجاد قواعد انتاجية تلبي احتياجات الدول العربية وتعزيز قدراتها التصديرية. ولذلك فإنه لابد من العمل على تحقيق وازالة العقبات التي تواجه عملية التنفيذ، ما يستدعي الاهتمام والمعالجة على أعلى المستويات في الدول العربية.
عراقيل
وذكرت الورقة أن أهم العراقيل تتلخص في عدم الالتزام الكامل بتطبيق التخفيضات على الرسوم الجمركية بالنسبة إلى السلع العربية، وكذلك عدم الالتزام بالغاء القيود غير الجمركية المماثلة للرسوم الجمركية بالنسبة إلى هذه السلع.
وجود قوائم سلعية تقضي بالاستثناء من التخفيض على الرسوم الجمركية.
والتأخر في اقرار قواعد المنشأ التفصيلية للسلع التجارية العربية. وعدم الاهتمام اللازم بالنسبة إلى تحرير الخدمات المتعلقة بالتجارة العربية البينية.
وأكدت انه اذا ما أريد لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ان تنجح، فلابد من تعزيزها بالبرامج الانمائية والآليات القطرية التي تؤدي الى اعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية، تحقيقا لنقلة نوعية في الانتاج وفي القدرة التنافسية. وقالت ان انخفاض التجارة العربية البينية، بالنسبة الى التجارة الاجمالية العربية مع الخارج، الى جانب ضعف حركة الاستثمار العربي البيني والمشترك، يؤشران الى محدودية النتائج حتى الآن للمنطقة على رغم انها دخلت مرحلة متقدمة نسبيا من تنفيذها. كما أكدت الورقة أهمية فتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة فيما بين الدول العربية، من خلال ايجاد ترتيبات وآليات توفر الضمانات المناسبة لها. وقالت آن الأوان للعمل على تطوير «الاتفاق الموحد لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية»، الذي يحوي عناصر جيدة يمكن ان تعمل من أجل تشجيع الاستثمار المشترك وخصوصا في المشروعات الانتاجية الحديثة.
وقالت «ان التلازم بين الثورة العلمية والتكنولوجية والعولمة يتطلب التركيز على تنمية المهارات البشرية وتعزيز الابحاث العلمية والتعاون العلمي، وكذلك تعميق فهم التحول التكنولوجي ومتطلباته».
تفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك
من جانب آخر أكدت الورقة ان تطوير استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك بما يتجاوب مع حاجات القطاع الخاص وتطلعاته، يستوجب في الوقت نفسه تفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك، وإعادة رسم دورها لمواكبة تطلعات القطاع الخاص واحتياجاته.
وقالت ان المرحلة المقبلة ستكون مهيأة أكثر من السابق لهذا القطاع لكي يأخذ دورا رياديا في تحقيق التنمية الاقتصادية - التكنولوجية في الدول العربية. كما أكدت أهمية ان تركز مؤسسات العمل العربي المشترك على البرامج والمشروعات التي تعم القطاع الخاص وتتفاعل مع تطلعاته. وقالت ان ذلك يستدعي إعادة النظر في برامج العمل لتتجاوب مع احتياجات هذا القطاع للقيام بدوره التنموي، ما يتطلب الاهتمام بقضايا محددة ومهمة، مثل معالجة تراجع الانتاجية بشكل قطاعي تخصصي، أو معالجة مشكلات النقل وارتفاع كلفتها، وغيرها من الامور الحيوية لتعزيز التنافسية وتوسيع سلة التجارة العربية البينية. وأضافت ان القطاع الخاص يحتاج إلى ان تكون مؤسسات العمل العربي المشترك بمثابة مراكز تكنولوجية تساهم في البحث والتطوير التكنولوجي التطبيقي، وبتعاون مستمر ودائم مع القطاع الخاص، بما يؤمن مواكبة ورعاية احتياجاته ودعمه وتشجيعه على المبادرات الخلاّقة وعلى وضع استثماراته فيها. فالمطلوب هو نقلة نوعية تنسجم مع التحديات التي تنطوي عليها التنمية التكنولوجية - الاقتصادية التي شقت طريقها في انحاء كثيرة من العالم. وهو ما يقتضي اكتساب ثقة القطاع الخاص بهذه المؤسسات، وتجاوز النظرة التقليدية للأمور بتطوير أهدافها لمواكبة احتياجات التقدم، وذلك برسم صورة استشرافية للمستقبل ولدور كل مؤسسة من مؤسسات العمل العربي المشترك في هذا الاطار
العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ