العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

الهوة التكنولوجية بين الدول الصناعية والدول العربية ستؤدي إلى أزمات اقتصادية

حذرت دراسة عن دور القطاع الخاص في تحديث الاقتصاد العربي من أن تؤدي الهوة التكنولوجية بين الدول الصناعية والدول العربية إلى حدوث ازمات اقتصادية.

وتطرقت ورقة العمل التي قدمت ضمن دراسات الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عن دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية العربية والمشروعات القومية الاقتصادية إلى دور القطاع الخاص في تحديث الاقتصاد العربي.

وأكدت الورقة التي قدمت ضمن الملف الاقتصادي للقمة العربية ان الدول العربية أصبحت مهيأة في الوقت الحالي لإفساح المجال امام القطاع الخاص للقيام بدور رائد في الحياة الاقتصادية، وقالت: ان ما يعزز هذا الامر اهمية المبادرة الفردية في تحقيق التواصل مع التكنولوجيات العصرية وتطويعها للنهوض بالاقتصادات العربية ورفع كفاءتها التنافسية، ولذلك فان الدور المطلوب من القطاع الخاص الآن هو دور جديد غير تقليدي يستطيع ان يتفاعل مع التطورات ويكون بمستوى التحديات.

التنمية الاقتصادية - التكنولوجية

وذكرت ان الاهمية المحورية للقطاع الخاص تكمن في ريادة التنمية التكنولوجية - الاقتصادية بما يمتاز به من روح المبادرة، وحيازته عنصرا رئيسيا من عناصر التنمية وهو عنصر الابتكار. واشارت إلى ان التجارب اثبتت ان التنمية لكي تدوم وتتطور تحتاج إلى عنصر الابتكار، الذي من خلاله يستطيع القطاع الخاص ان يحلق في فضاء التنمية إلى مستويات وآفاق جديدة.

وقالت ان التطور السريع في العلوم والتطبيقات التكنولوجية يساهم في تعزيز قدرة المشروعات على الابتكار عبر إدخال تحسينات اساسية في سير الاعمال والاستراتيجيات الادارية والتسويقية، كما من خلال الاستفادة من المعارف المتاحة وادارتها لصالح المشروعات. وذلك يتطلب تعزيز البحث العلمي والتكنولوجي الهادف إلى تحقيق الكفاءة الانتاجية والقدرة على المنافسة مع الشركات والمؤسسات الدولية. فالاقتصادات الحديثة اصبحت اكثر من اي وقت مضى ترتكز على العلم والتكنولوجيا والمخزون المتراكم منها في الطاقات البشرية العلمية.

التطور التكنولوجي والسوق

وذكرت ان التكنولوجيا لكي تأخذ طابع الجدوى الاقتصادية تحتاج إلى سوق واسعة لتحقيق وفورات الانتاج، فالاختراعات عادة تحتاج إلى اقتصادات الحجم لكي تبرر الكلف العالية التي يتم تكبدها. وكذلك يعتمد حافز الابداع على وجود سوق واسعة، لان الابتكارات تنطوي على كلف ثابتة من نفقات ابحاث وتطوير، والسوق الواسعة مؤهلة اكثرمن غيرها لتوفير الحافز للانفاق. ولذلك فان فرص التطوير التكنولوجي في الدول العربية ترتبط إلى حد كبير بمدى النجاح في تحقيق منطقة التجارة العربية الكبرى، وصولا إلى السوق العربية المشتركة، التي تستطيع ان توسع آفاق النجاح امام المشروعات التكنولوجية الابتكارية.

وقالت: ان هناك تجارب حديثة لعدد من الدول التي انخرطت في التنمية التكنولوجية في فترات قياسية، مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية والهند وهونغ كونغ وغيرها. ولو نظرنا إلى البلاد العربية نجد أنها تتمتع بقواعد لا بأس بها للانطلاق في ركاب التنمية التكنولوجية. وما ينقصها هو العزيمة والارادة والرؤية السياسية بأهمية التكتل العربي والالتزام بخطة عمل تحقق هذا التكتل وتنقل البلاد العربية إلى الحداثة عبر استيعاب الطاقات وتنميتها وحفزها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح.

واضافت ان السوق الواسعة مهمة ايضا لحفز الاستثمار القطاعي التكنولوجي. وهذا يقود بالضرورة إلى أهمية التركيز على الجانب الاستثماري المتعلق بالتجارة، بحيث يكون تحرير المبادلات التجارية البينية في قطاعات او صناعات معينة ما هو الا لترسيخ التعاون الاستثماري التكنولوجي في هذه القطاعات او هذه الصناعات، وذلك لان المحصلة النهائية من تحرير المبادلات تنعكس في الاستثمارات. بل ان الغاية الاساسية هي خلق بيئة تستقطب وتنمي حركة الاستثمار التي تصب في بناء الكيانات الاقتصادية الحديثة وتغذي التجارة بانتاج متنام من السلع والخدمات.

واكدت ان فرص تطوير التجارة العربية البينية تعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة الدول العربية على تحقيق نوع من التكامل التكنولوجي بين مشروعاتها الانتاجية، بحيث تتمكن من تسويق منتجات هذه المشروعات في اسواق بعضها بعضا بحرية ولو نسبية.

مواكبة التكنولوجيا الحديثة

وقالت: ان مواكبة التكنولوجيا تتطلب بالدرجة الاولى توفير المخصصات الكافية للإنفاق على البنى التحتية الداعمة للتنمية التكنولوجية. فعلى سبيل المثال، تنفق دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» ما يزيد على 6,5 اضعاف ما تنفقه الدول العربية على بناء القدرات المعلوماتية للفرد الواحد، وما يزيد على 4,5 اضعاف ما ينفق على البحث والتطوير للفرد، اي على النشاطات العلمية والبحثية الخلاقة الهادفة إلى زيادة مخزون المعرفة وإلى استخدام هذا المخزون في ابتداع تطبيقات تكنولوجية حديثة.

والانفاق على التعليم لا يزال متدنيا نسبيا، ويقدر بحوالي 0,15 في المئة فقط من الناتج المحلي الاجمالي العربي للعام 1998، مقابل 3 في المئة في اليابان، على سبيل المثال.

اما الانفاق في مجال البحث والتطوير في البلاد العربية فلا يتجاوز نسبة 0,2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، إذ يقل عن 7/1 المعدل العالمي، ويعتبر المستوى الاقل بالمقارنة مع مختلف مناطق العالم، وحصة الفرد العربي من الانفاق على البحث العلمي تعادل 4 دولارات سنويا، وهو ما يقل بنسبة 300 مرة عنه في الولايات المتحدة.

كذلك فان محدودية وجود نشاطات للبحث والتطوير في اطار المؤسسات الانتاجية تحد كثيرا من الحاجة إلى استخدام الحواسيب. ويقتصر استخدام تكنولوجيا المعلومات في البلاد العربية بصورة اساسية على التطبيقات المكتبية، فيما يرتبط استخدام تكنولوجيا الاتصالات غالبا باستخدام شبكة الانترنت، ولايزال استخدام المعلوماتية في البلاد العربية اقل من اي منطقة اخرى في العالم، إذ لا تتجاوز نسبة مستخدمي الانترنت 0,6 في المئة ولا تتجاوز نسبة الذين يملكون اجهزة حاسوب شخصي 1,2 في المئة، من اجمالي السكان.

واشارت إلى ان التفاعل الابتكاري في الصناعات التكنولوجية الحديثة يجب ألا يقتصر على الاسواق. فالابتكارات الناجحة تحتاج إلى مؤسسات تدعمها، والابتكارات التكنولوجية اليوم هي نتاج امرين، اولهما الرؤية العلمية المتوافرة في نطاق ادارات الدولة والجهات الاكاديمية، وثانيهما الهندسة التطبيقية بقيادة القطاع الخاص، التي تساندها عادة براءات الاختراع.

وقالت ان الرؤية العلمية تعتمد على مراكز الابحاث الحكومية وعلى الجامعات التعليمية. واما الهندسة التطبيقية فهي من اختصاص القطاع الخاص الذي يسعى اليها لتحقيق الارباح. ومن هنا، فان الاختراعات الناجحة تتطلب تضافر جهود متكاملة بين الحكومات والجهات الاكاديمية والقطاع الصناعي الخاص. ولعل افضل مثل حاليا على ذلك هو الانترنت الذي بدأ في الاروقة البحثية الحكومية المرتكزة على خبرات اكاديمية، ثم تطور مع تضافر الجهود البحثية الحكومية والاكاديمية، حتى وصل اخيرا إلى قطاع الاعمال الذي اضاف الكثير من الابتكارات العملية بواسطته وتم تطوير الانترنت إلى الشكل الحالي.

واكدت الورقة ان غياب التفاعل بين القطاعات الصناعية والجامعات والمعاهد ينعكس ضعفا في القيمة المضافة للنشاطات الاقتصادية، وانخفاضا في معدلات النمو الحقيقي، كما ينعكس في استمرار ضعف التنوع في هيكلية الاقتصادات العربية، وهيمنة نشاطات وقطاعات ومنتجات محددة.

وقالت ان ذلك يؤدي إلى البطالة والهجرة المتواصلة لعوامل النمو الرئيسية، متمثلة بهجرة الادمغة وهجرة الرساميل الوطنية.

وشددت على اهمية التركيز على تحديث المؤسسات الانتاجية العربية وتحويلها من الأنماط التقليدية إلى الأنماط الحديثة، لكي تستطيع ان تزيد من انتاجية الرساميل المستثمرة فيها.

وذكرت الورقة ان الدول المتقدمة صناعيا، اعتمدت سواء في تحديث مؤسساتها الانتاجية او خلق مؤسسات تكنولوجية حديثة، على الحاضنات التكنولوجية التي مثلت أهم دعائم البنى التحتية المعلوماتية، وتقوم عادة بتمويلها الحكومات بالدرجة الاولى، والقطاع الخاص بالدرجة الثانية. كما تلعب المؤسسات الاكاديمية دورا مهما في اقامة الحاضنات التكنولوجية او في المشاركة فيها. ففي الولايات المتحدة اكثر من 900 حاضنة اعمال تكنولوجية اقيم معظمها خلال التسعينات، واستطاعت ان تخلق حوالي 19000 شركة جديدة، واكثر من 245000 وظيفة عمل. وفي المانيا حوالي 200 حاضنة تكنولوجية تضم 5000 مؤسسة أعمالية توظف حوالي 42000 من القوى العاملة، كما في المملكة المتحدة حوالي 100 حاضنة تكنولوجية ترعى 1660 مؤسسة وشركة خلقت حوالي 6800 وظيفة عمل، وحصلت 315 منها على معونات او رعاية او دعم من الجامعات والكليات العلمية.

وحذرت من ان يؤدي استمرار الهوة التكنولوجية واتساعها بين الدول الصناعية والدول العربية إلى حدوث ازمات اقتصادية، فيما تصبح الدول العربية إلى حد كبير غير قادرة على المحافظة على مستويات معيشة سكانها، وإلى حد اكبر غير قادرة على تحسين هذه المستويات. وفي العام 1998 قدرت نسبة البطالة في الدول العربية بحوالي 15 في المئة، اي ما لا يقل عن 13 مليون عاطل عن العمل. واذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، يتوقع ان يصل عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 25 مليونا بحلول العام 2010

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً