بين بقايا البيت المتناثرة... بين غبار الأبواب... وعند الزهور اليانعة، وأمام الأوراق المصفرة، وفراشة خضراء تطير، تأملتها ووجدتها جالسة هناك، كانت تجلس هنا، كانت تحكي وتضحك هنا وهناك، تغني وترقص معي، تستمع لأحلى الأناشيد، في فجر كل يوم كنا نصلي معا.
في صباح كل يوم نتناول فطورنا معا، وعند الظهيرة موعد آخر للصلاة والغداء أيضا، وفي العصر راحة واستجمام وتسوق،
وفي المغرب دعاء وتسبيح يترنم مع آخر اليوم مرة أخرى، وعند الليل سمر وضحك وقصص طريفة، وعبر وحكايات تتردد حتى الانهماك في النوم، وفي اليوم التالي تتكرر الحكاية، تتكرر أجمل حكاية، يتكرر يوم جميل وحياة أحلى مع أحلى النساء،
مع أطهر قلب بين قلوب النساء، وأطيب روح اعتادت على ذكر الرحمن صباحا ومساء، مع عقل كان يعظني دائما لطريق الرب الكريم، ويدعو إلي بالهداية أينما رحلت وأتيت.
تمر الأيام وتمر ونحن أحلى وأحب ثلاثي على وجه الأرض، ويأتي سواد الليل الحالك المظلم شديد الغبرة والحمرة، ويأتي ربيع جديد في الربع الأول من هذا العام، أمطار وسحب ورياح وبرق ورعد، وكوثر أغلى امرأة عرفتها في حياتي، تقاسي المرض والآلام وتدعو الله صابرة. تزداد آلامها وتهدأ، كما المطر يزداد يوما ويهدأ يوما آخر.
وفي ليلة ما هدأ المطر، واختفت السحب، وظهرت أحلى نجوم الدنيا تجمل السماء، صافية قد غطت أفق العالم كله، غطت سماء البحرين، في هذه الليلة المباركة وبعد سكون المطر، سكنت روحها الطاهرة إلى بارئها الكريم، واختطفت منا الأيام أحلى وردة وأجمل وجه مشرق يفعم بالابتسامة دائما وأبدا، افتقدت وجها صبيحا يدعو إلي بالخير، افتقدت روحا مرحة، افتقدت قلبا جمع بيني وبينه حب الله ورسوله، قلبا أحب صوت الأذان، وأذنا استمعتعت لسماع القرآن والدعاء.
أحبت كوثر دائما صوتي بالقرآن، لطالما استمتعت به وقالت هداك الله وأثابك، لوكان بمقدور الإنسان أن يعطي روحا وقلبا وصحة لمن أحبهم لأعطيتك ذلك، ولكن ما حيلتنا أمام قدرة الله، فهو الشافي وهو المعافي.
وداعا حبيبتي، وداعا روحي، وداعا يا أنا أنت وأنت أنا، وداعا يا من كان اسمها في أجمل آيات القرآن، وداعا يا من قال فيها رب السماء «إنا أعطيناك الكوثر»، أولم تكن فاطمة الزهراء هي الكوثر، ألم تكن هدية الرب لرسوله الكريم، هل علمت الآن لماذا أنا أنت وأنت أنا؟
إلى اللقاء يا حبيبتي في جنان الخلد، إلى اللقاء يا عزيزتي عند ربك الكريم، إلى اللقاء يا أختي عند رسول الله وآل بيته، إلى اللقاء يا روحي عند حوض الكوثر. واعلمي أن هناك قلوبا تحبك وتدعو إليك من وراء الجدار حية كنت أو ميتة، وداعا يا أغلى وأحلى كوثر، وعهدا لك سأسير على دربك وطريقك النير، فالعبرة ليست في الحياة إنما العبرة في النهاية، العبرة في العاقبة، والعاقبة للمتقين.
فاطمة السيد علوي شبر
العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ