على رغم انضمام البحرين الأخير إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وبدئه في النفاذ مع حلول ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لا يزال ينظر إلى ملف تعويض ضحايا التعذيب باعتباره أحد أبرز الإشكالات التي لم تطبق فعليا على رغم أن ورودها في نص العهد صراحة. ومع تحفظ البحرين على النص الوارد في العهد الذي يتضمن تعويض الضحايا، تفتح إشكالات كثيرة ومتناقضة متعلقة بهذا الملف وغيره.
بدأت البحرين الاحتفال باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 يونيو/ حزيران 2001، ولكن منذ ذلك الحين لم يتحرك الملف إيجابيا على أرض الواقع. بدأت الحركة نشيطة، وخصوصا خلال الأعوام 2001 حتى 2002، حتى تم تشكيل لجنة تحضيرية للاجتماع العام لضحايا التعذيب في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002. ثم تدرج نشاط هذه اللجنة تفاعلا مع كل الجهات الرسمية والأهلية، حتى شكل انضمام مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية علامة فارقة في هذا الملف.
وأودع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في 19 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي وثيقة انضمام مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي كان اعتمده مجلسا النواب والشورى في يوليو/ تموز الماضي، وبعد ذلك صدر في الجريدة الرسمية باسم قانون رقم (56) للعام 2006 بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2006. واكتمل الانضمام بعد إيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة، كما تطالب بذلك في المادة (48) بند (4) من مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويبدأ نفاذ هذا العهد بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك الانضمام، بحسب المادة (49) بند (1)، أي في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكان من المؤمل أن يعطي توقيع البحرين للعهدين الدوليين إيقاعا جديدا لتحريك ملف الشهداء وضحايا التعذيب وهو الملف الأكثر تعقيدا، بالإضافة إلى طي صفحة الماضي في الكثير من الملفات العالقة ومنها ملف الشهداء وضحايا التعذيب وتعويض العائدين من المهجر، وتعويضات للمفصولين من الوظائف الحكومية، على اعتبار أن جميع هذه الملفات تقع تحت مظلة كفالة الحقوق السياسية والمدنية التي جاء العهد مناصرا لها. وخصوصا باعتبار أن ملف الشهداء وضحايا التعذيب من الملفات الحقوقية التي تمت المطالبة بحلها من خلال السلطة التشريعية بإجراء تسوية شاملة وعادلة وفقا للمرسوم بقانون بشأن العفو الشامل عن المواطنين المتهمين بجرائم ماسة بالأمن الوطني، وحق كل مواطن متضرر في اللجوء إلى القضاء لرفع الدعاوى والشكاوى ضد المتسببين في الاعتقال التعسفي وعمليات التعذيب غير الإنساني.
وصاحب انضمام المملكة إلى هذا العهد ترحيب من قبل الجمعيات الحقوقية التي طالما دعت إلى هذا الانضمام، غير أنها استمرت حتى بعد الانضمام بالمطالبة بانضمام المملكة إلى البروتوكولين الملحقين للعهدين (الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والثاني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، على اعتبار أن انضمام أية دولة إلى العهدين الدوليين والبروتوكولين الملحقين بهما مهم جدا، ناهيك عما تتطلبه هذه الخطوة من تغيير في قوانين الدولة المحلية لتتلاءم مع مواد العهدين الدوليين، وخصوصا أن ما يميز العهدين عن بقية الاتفاقات هو احتواؤهما على آليات للمتابعة والمحاسبة.
غير أن الملف لم ينتهِ عند الانضمام إلى العهد، إذ استمر الحقوقيون والبرلمانيون بمطالبتهم بضرورة تفعيل هذا العهد الدولي من خلال هيئة وطنية مستقلة تحظى بسمعة معتبرة، وتتم من خلالها مراجعة القوانين المحلية التي تتعارض مع العهد الدولي بهدف ضمان حقوق المواطنين المدنية والسياسية.
العدد 1751 - الجمعة 22 يونيو 2007م الموافق 06 جمادى الآخرة 1428هـ