أصدرت الحكومة البحرينية منذ العام 1941 حتى العام 2006 (66 عاما) نحو 12 مرسوما وقانونا وقرارا تشرع من أجل حماية خليجي توبلي والحياة البيئية والثروة البحرية والفطرية، إلا أن كل هذه القرارات لم تستطع الحد من التجاوزات والمخالفات التي يشهدها خليج توبلي حتى الآن.
يقول مدير الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية إسماعيل المدني في كتابه «خليج توبلي» الصادر في العام 2000 «بعد كل التشريعات وعقد الندوات، التي بدأت منذ الأربعينات حتى العقد الحالي، فإن خليج توبلي ليس بحاجة إلى مزيد من القوانين، أو من القرارات الوزارية، ولكنه بحاجة إلى تفعيل هذه القوانين والتشريعات والقرارات على أرض الواقع، كما هي بحاجة في الوقت نفسه إلى القليل من الحزم في تنفيذها وتطبيقها، حتى تتم المحافظة على ما تبقى من جسم هذا الخليج المنتج والحيوي».
وقال المدني: «إنه إيمانا من الدولة بأهمية خليج توبلي وقيمته كرافد لموارد الثروات البحرية وتنوع وغنى بيئاته من طينية ورملية وصخرية وعشبية وطحلبية، فقد قامت الدولة بإصدار القرارات الوزارية، ووضعت الإجراءات التنظيمية للمحافظة عليه».
وأشار المدني إلى أن هذا الاهتمام من جانب الدولة بحماية خليج توبلي والمحافظة على بيئاته بدا واضحا ومشهودا منذ الأربعينات من القرن الماضي، ففي 24 مايو/ أيار 1941 أصدرت حكومة البحرين آنذاك إعلانا حكوميا في العدد 16- 1360 من «الجريدة الرسمية» نصه ما يأتي: «ممنوع أخذ الطين والقرم من البحر ما بين مقطع توبلي وردم الكوري».
ونوه إلى أن التوجه الحكومي لصيانة وتنمية مواردنا والمحافظة على الحياة الفطرية ممثلة بتحديد القرم، كان بارزا وواضحا في ذهن المشرع البحريني منذ أكثر من ستة عقود.
وأضاف المدني أن الحكومة وضعت الكثير من الضوابط والمعايير للحد من نوعية المخلفات والملوثات الناتجة عن العمليات الصناعية والمصادر الأخرى للملوثات، والتي تصرف غسالاتها مباشرة في البيئة البحرية.
وأشار المدني إلى أنه علاوة على جهود الدولة الملموسة، قامت اللجنة الوطنية لحماية الحياة الفطرية ومنذ تشكيلها في العام 1993 إلى أن تحولت إلى هيئة، بتركيز جهودها على حماية خليج توبلي، ومن أهم إنجازاتها في هذا الميدان، التوصيات التي قامت برفعها إلى مجلس الوزراء بشأن حماية خليج توبلي ووقف عمليات الدفان في سواحله.
وبين المدني أنه استنادا إلى تلك التوصيات قام مجلس الوزراء في جلسته رقم 1341 المنعقدة بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 1995، بإصدار قرارات أهمها وقف جميع أنواع الدفان فورا في خليج توبلي، ومنع الإنشاء والتعمير في منطقة شجيرات القرم برأس سند باعتبارها محمية طبيعية من الفئة (أ)، وعدم السماح بالتعمير في المنطقة المتبقية من خليج توبلي باعتبارها محمية طبيعية من الفئة (ب).
كما اعتبر القرار الوزاري الشريط الساحلي المطل على خليج توبلي بما فيه سواحل جزيرة النبيه صالح منطقة تعميرية يسمح فيها بالمشروعات ذات الطبيعة الخاصة بعد موافقة وزارة الإسكان عليها ووضع الاشتراطات البنائية اللازم تحقيقها بحيث لا يسمح بالتعمير فيها إلا وفقا للاشتراطات الخاصة التي تصدرها الوزارة في ذلك الوقت.
ومنع القرار الوزاري أيضا التعمير في الأراضي الريفية المتاخمة لخليج توبلي إلا وفقا لمخططات تفصيلية معتمدة من وزارة الإسكان موضحة الاستعمالات المسموح بها.
ومع كل ذلك، حملت لجنة التحقيق في تجاوزات خليج توبلي والتي شكلت في الفصل التشريعي السابق (مع نهاية العام 2004) مسئولية التجاوزات والتدهور الذي وقع في الخليج ثماني جهات رسمية، هي: وزارة شئون البلديات والزراعة، وزارة الأشغال والإسكان، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الصحة، وزارة العدل والشئون الإسلامية (من خلال ما اعتبره بطء وتقاعس القضاء في تنفيذ العقوبات التي تنص عليها القوانين الخاصة بخليج توبلي) ، إدارة التسجيل العقاري، المجالس البلدية، والهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية.
كما حمّل تقرير لجنة التحقيق وزارة البلديات والزراعة كامل المسئولية عن إعطائها تراخيص للتعمير والبناء بعد صدور قرار مجلس الوزراء للعام 1995 والمرسوم الملكي رقم (19) للعام 2002 اللذين حرما أي نوع من الاستملاكات أو الدفان أو التصرف في خليج توبلي، وترى اللجنة أن مجمل عمليات الدفان العشوائي والاستملاكات تمت خارج القانون، إذ لا توجد قرارات أو قوانين تنقض ذلك، إلا أن الوزارة أكدت قبل أيام أن إجراءاتها المتبعة كفيلة بوقف مثل هذه التجاوزات.
كما حمّلها مسئولية مباشرة جراء تلكئها في الإسراع بتحديد خط دفان متفق عليه مع المجالس البلدية وبقية الجهات المعنية، بما يكفل وضع حد لعمليات الدفان والردم الجائر في خليج توبلي، ما أطلق العنان لأيدي جهات متنفذة للتطاول على ما تبقى من أراضٍ مغمورة في الخليج وزاد من تعقيد مسألة الاستملاكات وحجم تعويضاتها مع تقادم السنين، ما سيكلف الدولة أموالا طائلة ويضعها أمام مسئولية كبرى تجاه المتضررين من ملاك الأراضي، كما يتحمل جهاز المساحة والتسجيل العقاري كامل المسئولية عن تسجيل وتوثيق أية استملاكات في خليج توبلي وأعطيت بموجبها وثائق رسمية بعد صدور قرار مجلس الوزراء للعام 1995 والمرسوم الملكي رقم (19) للعام 2002.
وحمّل التقرير وزارة الأشغال والإسكان المسئولية كاملة عن تسببها في تلويث مياه خليج توبلي طيلة السنوات الماضية حتى الآن، جراء إخفاقها في التعامل مع القصور الواضح فيما تقوم به محطة توبلي لمعالجة مياه المجاري.
من جانبه، أكد النائب السابق ورئيس لجنة التحقيق في مخالفات خليج توبلي التي شكلت في الفصل التشريعي السابق عبدالنبي سلمان أن الحل من أجل إنقاذ خليج توبلي من الكارثة البيئية التي يعيشها هو توجه المجلس النيابي الحالي من خلال متابعة توصيات لجنة التحقيق البرلمانية في خليج توبلي وتنفيذ التوصيات، وليس المطلوب الخروج بقوانين جديدة، فالقوانين موجودة وبحاجة إلى تنفيذ.
كما دعا سلمان النواب الحاليين والكتل البرلمانية إلى مساءلة وزير الأشغال والإسكان عن أسباب عدم توقف محطة توبلي للمجاري من رمي نفاياتها في الخليج على رغم وعودها بذلك، وهو السبب الرئيسي في أزمة الخليج، بالإضافة إلى متابعة أسباب عدم تحديد خط الدفان والتي تساءل عنه وزارة البلديات والزراعة.
العدد 1763 - الأربعاء 04 يوليو 2007م الموافق 18 جمادى الآخرة 1428هـ