على رغم أن المدير العام لحلبة البحرين الدولية البريطاني مارتن ويتاكر، أكّد قبل أيام أن الحلبة جاهزة لاستضافة الجولة الأولى من بطولة العالم لسيارات فورمولا 1 للعام 2008 بدلا من حلبة «البرت بارك» الاسترالية، إلا أن ثمة سرا خلف تلك الأجواء غير الإيجابية تماما والآتية من البحرين ازاء هذا الاختيار الذي بات «عابرا بالتخصص».
وكان القيّمون على جائزة استراليا الكبرى قد اعلنوا في الآونة الأخيرة أن السباق الذي كان مقررا في ملبورن في 16 مارس/ اذار 2008 قد تم تعديل موعده على روزنامة البطولة ليصبح الجولة الثانية (بعد البحرين) على أن يقام في توقيت يراعي الحضور في القارة الأوروبية.
ولا شك في ان البريطاني بيرني ايكلستون، مالك الحقوق التجارية للبطولة، يقف خلف هذا التحول او ربما هو المتسبب به، اذ يعرف جيدا اهمية السابق الافتتاحي بالنسبة الى «القارة العجوز» والمردود المادي الناتج عن بيع حقوق النقل التلفزيوني للحدث ومن الإعلانات.
ومعلوم ان المشكلة الاساسية التي واجهها منظمو السباق الاسترالي مع القيمين على رياضة الفئة الاولى تمثلت في توقيت السباق اذ طالب الطرف الثاني بتعديل الموعد التقليدي للانطلاق او الاتجاه نحو اقامة سباق ليلي.
وبالفعل جرت دراسة إمكان إقامة سباق ليلي للمرة الأولى في تاريخ الفئة الأولى على رغم عدم تحبيذ معظم السائقين للفكرة، وكادت استراليا ان تخسر سباقها لصالح سباق ليلي يقام في «كوينز لاند» التي كانت قد أعربت عن نيتها في بناء حلبة تتوافق وشروط السباق تحت الاضواء الكاشفة.
وكان رون والكر، رئيس مجلس ادارة سباق استراليا، صرح قبل ايام قائلا: «بعد الدراسات التي قمنا بها وبالاستناد الى المعطيات المتوافرة حاليا، خرجنا باستنتاج يؤكد ان مساوىء اقامة سباق ليلي اكثر من محاسنها»، وبذلك تكون حلبة «البرت بارك» مستعدة للتنازل عن الجولة الافتتاحية مقابل «الهروب» من تنظيم سباق ليلي قد لا يلقى الإجماع المطلوب.
وكان عدم استقبال خبر الاختيار «المفترض» بحماسة من قبل الجسم العامل في حلبة البحرين دليلا على احد الأمرين التاليين: اذ اما ان تكون الحلبة غير جاهزة للاستضافة وبالتالي ارتأى ويتاكر عدم اعطاء النبأ صفة رسمية على ان يحاول رفض القرار في ما بينه وما بين الاتحاد الدولي، وهذا امر مستبعد، واما ان تكون الحلبة قد سئمت بالفعل واقع ان تكون الساحة البديلة الدائمة عندما يتعذر على استراليا استضافة السباق الافتتاحي وتسعى بالتالي الى تكريس نفسها محطة دائمة لانطلاق البطولة العالمية.
واللافت أن ويتاكر ركز في حديثه الاخير على حقيقة ان حلبة البحرين سبق لها ان استضافت السباق الافتتاحي للموسم 2006 بعد اعتذار حلبة ملبورن نفسها عن احتضانه نظرا لتنظيمها دورة ألعاب الكومنوولث وأصابت نجاحا كبيرا، الا ان ردود الفعل الايجابية ازاء الاختيار الذي وقع على المملكة في المرة الأولى لم تكن نفسها اليوم، مع العلم ان المدير العام للحلبة لم يشر بتاتا الى أنه سبق للبحرين أن تقدّمت بطلب صريح كي يجري تثبيتها كجولة افتتاحية دائمة غير انها لم تحصل على الضوء الأخضر، وها هي قد رضيت بالوقوف خلف استراليا وماليزيا في بطولة العام الجاري.
ولا يخفى على احد اهمية الجولة الافتتاحية لبطولة العالم للفورمولا 1 والتي من شأنها تقليديا أن تحظى بمتابعة واسعة لا يمكن التنكّر لها خصوصا لناحية التعريف الحي بالسائقين وقدراتهم وقدرات سياراتهم.
ويمكن أن تكون حلبة البحرين قد رحبت على لسان ويتاكر «باستضافة السباق الافتتاحي للموسم المقبل وأي موسم آخر لو ارتأى الاتحاد الدولي منحها هذا الشرف»، ولكن الى متى لعب هذا الدور البديل؟
واذا كانت حلبة البحرين «جاهزة دائما لاستضافة اي سباق»، فلم تقدمت بطلب لاستضافة الجولة الافتتاحية بصفة دائمة قبل فترة؟
وفي حال ارادت الحلبة نفسها لعب ورقة الضغط، وان بهدوء وحكمة، من اجل تنظيم الجولة الأولى بصورة مستمرة، فهي تبدو محقة في مطلبها، وخير دليل على ذلك حصولها على جائزة الاتحاد الدولي للسيارات لافضل تنظيم لسباق جائزة كبرى للفورمولا 1 العام 2004 عندما استضافت الحدث للمرة الأولى في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، كما حازت في العام الحالي على جائزة مؤسسة «الامتياز» التابعة للاتحاد الدولي للسيارات «فيا» والتي تمنح للحلبات التي تتلاقى مع اعلى المعايير من حيث التكنولوجيا والتنظيم والطاقم الطبي ومراقبي سلامة السباق، وهي اليوم مركز للاتحاد الدولي في مجالي التطوير والصيانة، مع العلم انه جرى تمديد عقد استضافتها للسباق لاعوام عدة مقبلة، فضلا عن ان الحلبة أسست لنفسها مكانة خاصة لدى الفرق والسائقين، وللدلالة على ذلك قيام تسعة من أصل أحد عشر فريقا بإجراء تجاربهم على السيارات الجديدة قبل انطلاق الموسم الحالي استعدادا لجائزة استراليا الكبرى، في حلبة المملكة.
اضف الى كل ذلك اعلان الحلبة نفسها ان مجموع عدد الزيارات التي شهدها موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت تعدى 692 الفا خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي فقط بمعدل نحو 23 زيارة في اليوم واحد، علما أن معظم الزيارات جاءت من الولايات المتحدة الأميركية تلتها الزيارات من داخل مملكة البحرين، كما أن قرابة 550 مليون متفرج حول العالم تابعوا سباق العام الجاري عبر الاقمار الصناعية فيما حضر أيام السباق الثلاثة ما مجموعه 90 ألف متفرج.
فإذا كان القيمون على حلبة البحرين اكتفوا بتأكيد استعدادهم لاستضافة الجولة الافتتاحية في المستقبل القريب من دون حتى التفكير في طلب ترسيخ هذا الواقع في السنوات المقبلة، فإن الفرصة للقيام بهذه الخطوة لن تلوح بالطبع مع طلوع كل فجر.
العدد 1797 - الثلثاء 07 أغسطس 2007م الموافق 23 رجب 1428هـ