العدد 1806 - الخميس 16 أغسطس 2007م الموافق 02 شعبان 1428هـ

أسماء «التدليل»... خطر يهدد مستقبل أطفالنا

يحذر منها الخبراء:

هل يمكن أن تكون أسماء التدليل التي يطلقها الآباء على أطفالهم مصدر خلل نفسي واجتماعي للأطفال؟ السؤال غريب ولكنه واقعي فنحن نرى الكثير من الشباب يتأففون من أسماء كانت تطلق عليهم حينما كانوا أطفالا بالأمس وهو ما يسبب لهم حرجا خصوصا أمام الآخرين وقد ينتهي بهم إلى عزلة وابتعاد عن المشاركة في الحياة الاجتماعية، فكيف يفطن الآباء لخطورة أسماء «التدليل» على مستقبل أولادهم؟ بل وما تأثير تلك الأسماء على أبنائنا من الناحية النفسية؟ ويبدأ أستاذ الصحة النفسية صبحي الحديث مؤكدا أن التنشئة الاجتماعية في الأساس تعنى بغرس مجموعة من السلوكيات في نفوس الأطفال لتشكل اتجاهاتهم وسلوكياتهم في المستقبل وتفيدهم في جميع مراحل حياتهم التالية، وظاهرة أسماء التدليل التي تطلقها الأسرة على أطفالها لها عدة اعتبارات، منها أن يكون الولد الوحيد من بين الإناث، وخوفا عليه من الحسد تبالغ الأم في تدليله إلى الحد الذي تعامله كأنه أنثى بل إنها تجعله يرتدي ملابس فتاة، وبالتالي ينعكس ذلك على شخصيته وسط أقرانه الذكور عندما يكبر، ما سيشعره بشيء من التدني الذي يؤدي إلى الانطواء عن المجتمع في المستقبل.

ويلفت صبحي النظر إلى ظاهرة خطيرة أخرى تتمثل في تبادل تدليل الآباء لبعضهم بعضا أمام أبنائهم، ما يساعد على مسخ الحقيقة عند الصغار، كما أن هناك اعتبارا آخر خاصا بالأم نفسها عندما تطلب من أبنائها أن ينادوها بأسماء تدليلية عوضا عن لقب ماما، وبالتالي نجد أن المجتمع الذي يخسر كلمة ماما أو بابا فإنه يخسر أشياء كثيرة. ويؤكد صبحي ضرورة احترام اسم الطفل الحقيقي وعدم إطلاق اسم التدليل عليه لأن ذلك يحرمه من معنى اسمه لذلك فدقة اختيار الاسم وتجنب مسخه بالتدليل من الأمور الضرورية التي يجب الانتباه إليها وخصوصا أن الأسماء غير ذات المعنى أصبحت مرفوضة، فاسم مثل فاطمة له بعد ديني ونفسي ولكننا نجد أنه قد تم إغفال مثل هذه الاعتبارات النبيلة بتحريف الاسم تحت مسمى التدليل، وفي اعتقادي أن هذا نوع من التزييف والتشويه للحقائق ولو زادت فستصبح حالة من الأمية الثقافية تنعكس على أذواقنا وتقاليدنا.

آثار سلبية أحمد المجدوب «الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية» يقول: «أسماء التدليل معروفة لدينا منذ فترة طويلة وقديما كانت هناك بعض الأسماء الشائعة تطلق على الذكور مثل «حمادة» و»حمودة «، ولكن بعد الاختلاط بالغرب، بدأنا نستعير أسلوبهم في تدليل الأبناء فأصبحنا ندعوهم بأسماء جديدة علينا مثل «ميدو» بدلا من محمد أو «دودي» بدلا من عادل أو «ميمي» على ممدوح، إلى أن وصلت عملية تدليل الأطفال إلى ظاهرة بين الأسر وعلى رغم الخطأ القاتل لها في كونها تثبت الولد عند مرحلة طفولية، خصوصا إذا لم يعترض عليها لأن الطفل في هذه الحال يعتقد أن اسم الدلع يساعده على نطق اسمه الذي يناديه الآخرون به بشكل أسهل من اسمه الحقيقي». ويشير المجدوب إلى الآثار السلبية لظاهرة التدليل، والتي تظهر مع بلوغ هؤلاء الأطفال مراحل الرجولة، إذ إن بعض أسماء التدليل المبالغ فيها للذكور تتساوى مع تدليل الإناث، ما يشعرهم بزوال الفوارق الاجتماعية بينهم، ويصيبهم بضعف الشخصية أمام الجنس الآخر، بالإضافة إلى أن ذلك يسبب حرجا شديدا للطفل بين أقرانه عندما يجد الأطفال في المدرسة يسخرون منه، وتزداد المشكلة تعقيدا إذا كان الاسم أنثويا، إذ يحاول أصدقاؤه التحقير من شأنه باعتباره لا ينتمي إلى الذكور، ما يتسبب في ميله إلى العزلة والانطواء، وبالتالي تكون شخصيته سلبية. ويفصح الخبير الاجتماعي أحمد المجدوب عن أنه يسمح بمناداة الطفل باسم التدليل حتى 7 سنوات، والتي لا تشكل خطورة على الطفل في المستقبل، أما بعد هذه السن فلا بد من إعداده ليكون ناضجا وينادى باسمه الحقيقي، والطفل يدرك ذلك جيدا ويبدأ في مقارنة نفسه بالآخرين، ومن هنا يرفض أسماء التدليل لأنه يشعر أن هناك خطرا يمس رجولته الاجتماعية، مؤكدا أن أسماء التدليل مرفوضة في إطار الثقافة الإسلامية، لأن الإسلام ينمي قيم الرجولة لدى الطفل منذ صغره، لذلك نرى أن الطفل في سن الحضانة ينضم لوالده لكي يكتسب منه صفات الرجولة، كما أن الرسول (ص) قد حث في أحاديثه على اختيار أسماء تكون مصدر تفاؤل واعتزاز الإنسان بنفسه وألا تتضمن نوعا من السخرية أو الحط من شأنه». مرحلة الطفولة أما عزة كريم «الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية» فتقول: «من المقبول تدليل الأبناء في مرحلة الطفولة لأن الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة، ومنها اسمه وهل يسبب له إحراجا أم لا؟ ولكن عندما يصل الطفل إلى سن المراهقة وتبدأ شخصيته في التكوين، يبدأ في مراجعة اسم التدليل بنوع من الرفض، لأنه يشار إليه بهذا الاسم وخصوصا أمام الجنس الآخر، نظرا الى انه يسبب نوعا من الإحراج له أمام زملائه الذين يتهكمون به ويسخرون منه، ما يحدث لديه تأثير نفسي سيئ». وتشير عزة إلى نقطة مهمة، وهي الصراع الذي ينشأ داخل نفسية المراهق من جراء اطلاق اسم تدليل عليه فيدخل المراهق في صراع مع هذا الاسم الذي يحبه لأنه أعطاه ميزة نفسية وأسرية خاصة ولكن في نفس الوقت يكرهه لأنه يسبب له ألما نفسيا مع تقدمه في العمر ويتذبذب ما بين الإبقاء على الاسم أو رفضه والآثار المترتبة على كلا القرارين، ومن هنا فالصراع سيكون شديدا داخل نفسية الطفل، لذلك يجب على الأسرة أن تجنب أطفالها مثل هذه المواقف الصعبة بألا تطلق عليه أسماء تدليل تكبر معه. وتؤكد عزة أنه إذا كانت أسماء التدليل تسبب مشكلة لدى الذكور فإن التأثير على الفتاة يكون أسوأ لأن الفتاة أكثر حساسية من الولد فنجد أن هناك أسماء لا تليق تطلق على الفتاة تلك الأسماء التي لم تكن تمثل مشكلة قديما ولكن مع انتشار التعليم، بدأت الفتاة تشعر تدريجيا بالفرق بين اسمها القديم وأسماء زميلاتها العادية، وهو ما يعرضها للسخرية من زميلاتها لذلك لابد على الأسرة أن تدقق جيدا في اختيار أسماء مناسبة لبناتها حتى لا يخجلن منها بعد ذلك. دلالة على الحبو يقول يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي: « يستخدم الكثير من الآباء أسماء التدليل لأطفالهم كدلالة على الحب وإبداء الاهتمام، إلا أن ذلك له آثار نفسية واضحة تظهر عند تخطي الابن لمرحلة الطفولة، فيقوم زملاء الابن باستخدام هذا الاسم كوسيلة للاستهزاء منه». ويضيف عبدالمحسن قائلا إن تدليل الطفل في مراحله العمرية الأولى من أجل مساعدته على سهولة نطق الاسم شيء مطلوب، بينما يصبح هذا الأمر غير مرغوب فيه مع دخول الأبناء إلى مرحلة الشباب، إذ ان الأبناء سيتعودون على التدليل المستمر ويصبحون غير قادرين على تحمل المسئولية، وخصوصا إن كانوا ذكورا وهو ما يؤدي إلى استسلامهم للواقع، وتتفاقم المشكلة إذا تشابهت أسماء التدليل للذكر مع مثيلاتها في الإناث، ما يشعره بالخجل ويدفعه للعزلة والانطواء، ويصاحب هذا شعور بالدونية مقارنة بباقي الأصدقاء الذين يحقرون من شأنه بشكل دائم.

ويحذر عبدالمحسن من استخدام أسماء التدليل بعد عمر 7 سنوات، إذ إن إدراك الطفل يكتمل في هذه السن ويبدأ في التعامل مع الواقع.

العدد 1806 - الخميس 16 أغسطس 2007م الموافق 02 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً