لم يكن يعلم أولئك الأبناء الثلاثة أنهم على موعدٍ محتومٍ مع القدر المشئوم الذي سيحول بينهم وبين والديهم، لم يكونوا - بل لايزالون - لا يعلمون أو يدركون معنى العيش من دون أمٍ وأبٍ على وجه هذه الدنيا، وخصوصا أنهم أطفالٌ صغارٌ يحتاجون إلى الرعاية كل الرعاية، يحتاجون إلى حنان الأم وعطفها ومراعاتها لهم وخوفها عليهم، يحتاجونها بجانبهم عند فرحهم، كما أنهم يحتاجونها عند حزنهم وألمهم ومرضهم يحتاجون إلى حضنها الدافئ وصدرها العطوف، تقف بجانبهم تخفف من آلامهم.
نعم، كما أنهم وبلا أدنى شك يحتاجون إلى العيش بعزّ أبيهم وتحت رعايته ومتابعته لهم، يحتاجون إلى قسوته الرحيمة في تصويب أخطائهم وسلوكهم... نعم، إنهم يحتاجونهما في كل شيء.
حسين وسارة ومرام، أطفالٌ صغارٌ شاء قضاء الله وقدره أن يعيشوا حياتهم ذائقين - منذ نعومة أظفارهم - مرارة فراق الأحبة، وأية أحبة؟
إنهما الوالدان؛ أصل ومنشأ عِش الحياة الكريمة والهنيئة.
وهنا من أمام مبنى المحكمة في العاصمة المنامة، تتابع «الوسط» القضية المأسوية الحزينة لقدر هؤلاء الأطفال الثلاثة يتامى الأم والأب بعيدا عن الطرح والتفاصيل القانونية لها (القضية)، فحسين مقبلٌ على دخول الصف الأول الإعدادي، أما سارة فهي في الصف الثالث الابتدائي ومرام فلاتزال طفلة صغيرة جدا لم تدخل أية مرحلة من المراحل التعليمية.
وكان لقضاء الله في فراق الوالدين لأبنائهم وفلذات أكبادهم الثلاثة حكمة.
فبحسب ما صرّح به وكيل المجني عليها المحامي محمد المطوع لـ «الوسط» فإنّ حسين ومرام وسارة أصبحوا يتامى الأم والأب بعد أن توفي الأخير وهو يعمل حاجبا في المحكمة قبل عام ونصف العام، ليترك أمر تدبير أمور الحياة المعيشية لأبنائه الثلاثة على كاهل زوجته البالغة من العمر 44 عاما وهي تعمل بمركز كانو الصحي، والتي لحقته فيما بعد إثر حادث مروي أيضا، تاركة أبناءها لدى جدهم (والدها) الحاج ميرزا علي موسى ليتولى تربيتهم ورعايتهم وأمور معيشتهم.
ولكن السؤال المطروح: هل سيعوِّض الحاج ميرزا حنان الأم وعطفها على أبنائها، في حال ما إذا افترضنا أنه سيحلُ محل الأب؟
وتعود تفاصيل الحادث كما سردها المحامي المطوع لـ «الوسط» إلى أنه «وفي تاريخ الحادث، كان السائق المتهم في مقتل الأم وهو بحريني الجنسية متوجها بسيارته باتجاه جامعة البحرين، سالكا الطريق السريع (الهاي واي)، وتحديدا فإنه كان عند الإشارة الضوئية لدوار رقم 14 بمنطقة مدينة حمد، وهناك اصطدم بالمجني عليها، وقذف بها إلى الجانب الآخر من الشارع، حيث كانت الأخيرة متوقفة بسيارتها، وللتو قد تحركت بسيارتها بمجرد تغيُّر الإنارة الضوئية لإشارة المرور إلى اللون الأخضر، إلا أن السائق المتهم كان مسرعا باتجاه عمله ولم يستطع التوقف واصطدم بالمجني عليها التي فارقت الحياة على الفور تاركة خلفها أبناءها الثلاثة وحيدين».
وأشار المطوع إلى أن «القضية خلت من الشهود، إذ إن المتهم والمجني عليها كانا هما الوحيدين الموجودين بمحل الواقعة، ولم يكن هناك أحد يستقل الشارع من الناس أو المارّة، ليعتبر شاهد عيان ويُسهِّل عملية تحديد من هو المخطئ في تجاوز الإشارة الضوئية».
وأوضح المطوع «اصطدم السائق المتهم بوسط هيكل سيارة المجني عليها، وفي الجهة التي تجلس فيها، الأمر الذي أدى إلى وفاتها على الفور ومفارقتها الحياة».
وأضاف المطوع «هذا الحادث أدى إلى تيتيم أولادها الثلاثة بالكامل، وذلك بعد أن توفي والدهم قبل عام ونصف العام، ومن ثم توفيت والدتهم في الحادث المروري مباشرة، ما جعل الأطفال يتامى الأم والأب، ويعيشون الآن تحت رعاية جدهم لأمهم الحاج ميرزا علي موسى».
ولفت المطوع إلى أن «المحكمة الصغرى الجنائية الرابعة برئاسة القاضي خالد المدفع وأمانة سر ثابت الحايكي نظرت يوم أمس (الثلثاء) الدعوى الجنائية المرفوعة ضد السائق المتسبب في حادث وفاة المواطنة أم حسين، وأن المحكمة قررت استمرار حبس المتهم إلى الجلسة القضائية المنعقدة مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، إذ يمثل السائق كمتهم بالقتل الخطأ في هذه القضية».
إلى ذلك، حضر أبناء المجني عليها إلى المحكمة وحملوا لافتات كتبوا عليها «السرعة قتلت أمي، ونطالب بتطبيق العدالة ضد الجاني».
العدد 1818 - الثلثاء 28 أغسطس 2007م الموافق 14 شعبان 1428هـ