أكد رئيس مجلس بلدي العاصمة مجيد ميلاد أن مجمع 302 الواقع في قلب العاصمة (المنامة) عرف تاريخيا بأنه مقر لممارسة الدعارة والانفلات الأمني والأخلاقي، مرجعا سبب ذلك إلى وجود العزاب بأعداد هائلة - بحسب تعبيره - ما أدى إلى حدوث خليط غريب عن المجتمع البحريني المحافظ.
وأشار ميلاد في حديث خاص بـ «الوسط» إلى أن ظاهرة سكن العزاب أدت إلى إحداث شروخ في المنامة، موضحا أن المنطقة سجلت حوادث دخيلة كممارسة الدعارة جهارا في البيوت السكنية بالقرب من العائلات المحافظة، إضافة إلى التحرش بالفتيات والأولاد الصغار وتأثيرهم على مستوى النظافة عموما.
التأثـيرات السلوكية
ويبدأ ميلاد حديثه عن التأثيرات السلوكية للعزاب، قائلا: «هناك التجمعات الملفتة أمام وداخل البرادات المجاورة لسكن العوائل المحترمة، وتجوّل العاملات العازبات بملابس وسلوكيات تثير الخوف على الشباب وتُقلق أولياء الأمور، إلى جانب تعرّض أفراد الأسرة للتحرشات لاسيما البنات والأطفال الصغار، ولا ننسى مُشاركة أبناء وبنات العوائل الأجنبية من الجنسية نفسها في اللعب في الأزقة واستغلال ذلك في التحرشات والاعتداءات وإضافة مُضايقات وإزعاجات لاحتكاك الكبار الأجانب بالصغار، وتعرض الخادمات للتحرشات، وخلق أرضية مُناسبة لانحرافهن وفسادهن».
ويضيف «هذا الوضع أدى إلى إحداث إفرازات أمنية تتمثل في الخوف والخشية الدائمة من جارٍ ليس له كفيل أو راع، ولا يُرى إلا مخمورا أو في منازعات مع زملاء سكنه، وجلوس العمال أمام بيوتهم بأعداد كبيرة الأمر الذي يٌثير انتقال بنات ونساء الساكنين، والخوف من ترك البنات والأبناء لوحدهم في المنزل لكون حركة العائلة أصبحت مكشوفة في دخولها وخروجها لعدد كبير من العمال العزّاب، وخلق أرضية مناسبة لتعاون الخادمات والعصابات في السرقات والدعارة وغيرها، وتفشي العادات الإنحرافية، مثل: المخدرات، والمسكرات، والتبول في الطرقات، وارتفاع صوت الأغاني، والدعارة».
الإفرازات الاجتماعية
وينتقل ميلاد للحديث عما أسماه الإفرازات الاجتماعية لوجود مساكن العزاب، موضحا أن حضورهم يسهم في تعقيد ممارسة مناسباتنا العادية التي كنا نُمارسها سابقا، فنقلق من ترك أبناءنا لممارسة تقاليد «الناصفة» أو «المعايدة» أو غيرها، بل إن بعض العوائل جعلت أطفالها برفقة الخادمات في مناسبة الناصفة والمعايدة الأمر الذي جعل الخادمات عرضة للتحرشات من بيوت العمالة العازبة التي تتعمد فتح أبوابها في مثل هذه المناسبات، مشيرا إلى تفاقم المشكلات والعراكات بين العمالة العازبة والجيران نتيجة ممارسة التصرفات المرفوضة.
وقال: «كل ذلك أدى من دون أدنى شك إلى إفرازات اجتماعية، فحجم اجتياح العمالة العازبة سبب في تقليص نسبة الحصول على سكن ملائم في العاصمة، فأدى لإبعاد الأسرة الناشئة إلى مناطق بعيدة عن العوائل الأم وتمزيق روابطها الاجتماعية نتيجة لهذا البعـد، ولدينا أيضا مشكلة انعدام مواقف للسيارات القريبة أو البعيدة من البيوت، إذ ان بيتا واحدا لمجموعة من العمالة العاربة يتحكم في مساحة كبيرة من مواقف السيارات. هذا مُضافا لاستخدام العاملين والعاملات لمواقف العاصمة لقربها من الفنادق والسوق، الأمر الذي يُفاقم أزمة المواقف لدرجة لا تُحتمل».
وأوضح أن هذا الكم الهائل من البشر الذي يعيش في مساحة جغرافية محدودة، يُسبب في شحة المياه وقلتها الأمر الذي يخلق أزمة إضافية لمجموع الأزمات الأخرى.
«الأزمة» الصحية
ويتطرق ميلاد في ثنايا حديثه إلى إسهام العمال العزاب في خلق بيئة غير صحية تتمثل في الأوساخ والروائح الكريهة التي تؤثر على الجيران بصورة ملموسة، من خلال رمي القاذورات في الشارع بدل من رميها في برميل القمامة، وقال: «إن حجم الكثافة السكانية وعدد البيوت وحجم العمارات الاستثمارية وطبيعة الأزقة التي لا تنفذ لبعضها سيارة جعل مناطقنا مُغلقة وفاقدة للتهوية والإضاءة والمساحات المفتوحة، والأزقة تغلي كالبركان الذي يُقيد حركة المواطن في الخروج من بيته حتى لتأمين حاجاته البسيطة».
وعن أسباب الظاهرة، يطرح ميلاد مجموعة من الأسباب، إذ يرى أن قرب العامل الأجنبي من عمله سبب رئيسي «فوزارة الداخلية التي يعمل فيها الآلاف من الأجانب، هي في عمق العاصمة القديمة جغرافيا، ومن الطبيعي أن يسكن الكثير من الموظفين قرب مكان عملهم، إضافة إلى قرب الفنادق وهذا يجعل العاصمة القديمة محطة لسكان العاملات العازبات إضافة إلى قـرب السوق القديمة».
ويرى أن لهجرة عوائل العاصمة أثرا في وجود العزاب في مساكن المواطنين، وقال: «أدى الحصول على قسائم سكنية بعيدة عن مناطق سكن المواطنين وتأجير بيوتهم الآيلة للسقوط إلى توافد العزاب بغزارة في المنطقة، وكان الأحرى البدء ببناء بيوتهم الآيلة وتأمين مساكن في مناطقهم بدلا من تشتيتهم وإبعادهم عن ديارهم.بناء الوحدات السكنية الخاصة البعيدة عن منطقتهم لارتفاع أراضيها وقلة خدمات المنطقة».
ويقول ميلاد ان لتحالف المالك والمستأجر أثرا كبيرا في الظاهرة، وذلك من خلال قيام الأجنبي باستئجار العمارة كاملة واستثمارها بتأجيرها على أبناء بلده، وهذا الخيار أنسب للمالك فإنه يلاحق فردا في الإيجار لا أكثر، إضافة إلى تعاون العمالة الأجنبية العازبة في استئجار البيت الواحد، الأمر الذي يرفع من سقف المنافسة بينهم وبين العوائل الوطنية، أو تعاون عدة عوائل أجنبية في استئجار البيت الواحد، الأمر الذي يرفع من سقف المنافسة بينهم وبين العوائل الوطنية، ولا ننسى تفضيل المالك تأجير الأجنبي على المواطن مخافة المماطلة في تسليم الإيجار من قبله.
وقال: «بالنسبة الى اصحاب البيوت المتهالكة، فإنهم لن يجدوا صعوبة في الحصول على مستأجر أجنبي لديه الرغبة حتى في البيت المُترهل بحيث يُقلل من فرص حصول المواطن على شقة أو بيت رخيص بمواصفات جيدة، بخلاف العمالة العازبة فهي راضية ببيت مترهل وهذا أنفع للمالك، حيث لن يُلزم نفسه بمصاريف ترميم البيت وتعديله ليكون صالحا للسكن».
ويؤكد ميلاد أن انعدام التخطيط السليم لاستقبال العمالة الأجنبية الهائلة في البلاد هو السبب الأهم فلو كان هناك تخطيط لبناء مدينة عمالية أو تسكين العمال في مواقع العمل لتجنب المواطنون الدخول في هذه الأزمة مع العزاب.
ونوه ميلاد إلى ضرورة التصديق على قرار مجلس بلدي العاصمة الذي رفع إلى وزير شئون البلديات والزراعة السابق ولم يصدق عليه حتى اليوم، مشيرا إلى أن هذا القرار يحفظ الأمن والاستقرار للمواطنين ويحفظ للعازب كرامته الإنسانية وحقه في العيش كإنسان.
العدد 1834 - الخميس 13 سبتمبر 2007م الموافق 01 رمضان 1428هـ