ربما هي المرة الأولى التي أكتب فيها مشاعري على الورق الأبيض، وآخذ بنصيحة أقرب وأعز الناس وأنشرها للرأي العام... بعد طول معاناة كانت تبلغ ذروتها بعد كل صلاة فجر، منذ هزني النبأ المفاجئ الحزين بوفاة الأخ العزيز والصديق الصدوق، رفيق الدرب، الفقيد سمو الشيخ سلمان بن محمد بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.
في زنزانة الحزن وغيبوبة المفاجأة، أمسكت بالقلم أكثر من مرة، كتبت كلمات لا أدري كيف، لكنها كانت تتناغم مع مشاعري الحزينة، ونفسي المهزومة، وفكري الشارد لفراق أخي وحبيبي سلمان بن محمد، الذي مازلت في هول وغيبوبة فراقه ورحيله... هل ما حدث حقيقة؟... هل مات الشيخ المؤمن العزيز الصديق؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون. إنني مؤمن بقضاء الله وقدره... كما كان الفقيد الراحل يؤمن بالله وقضائه وقدره... هكذا عشت معه ووجدته وتعلمت منه... في أصعب المواقف وأكثر أمور الحياة صعوبة وتعقيدا.
كان يرحمه الله شيخا بمعنى هذه الكلمة وقيمتها ومضمونها، فالشيخ ليس له وطن ولا أسرة ولا زمن معين... الشيخ كما يقال من زانت معانيه... وبالنسبة إلي الشيخ إنسان فيه من الصفات والخصال الحميدة ما تجعله محبوبا وإنسانا متميزا عند الجميع... وهكذا كان الشيخ سلمان بن محمد بن سلمان آل خليفة، شيخا بالمعنى الحقيقي لمعاني هذه الكلمة، وكان - يرحمه الله - مثالا للإنسان البحريني الأصيل بتواضعه وكرمه وبساطته.
كنت تحب أن تراه في كل الأوقات والمناسبات، وتستمع إليه فتسرك كلماته ويحلو معه الحديث... يستمع إليك باهتمام واحترام ويسمعك ما يسرك.
أمثال سلمان بن محمد - رحمه الله - عندما يكثرون في أي مجتمع، يكثر صلاح المجتمع، وتعم فيه المحبة والخير.
متواضع... واصل ومتواصل مع أهله وأصدقائه وكل الناس، وأحيانا تستغرب من ذلك... ونتساءل: من أين لديه كل هذا الوقت لتأدية الواجب الاجتماعي؟!... إنها القناعة والنوايا الصادقة والأصالة وحبه للناس وحب الناس له. ولم يكن - رحمه الله - يقتصر في ذلك على داخل البحرين، لكن اهتمامه وتواصله وكرمه يمتد ليشمل معارفه وأصدقائه خارج البحرين.
من عرف سلمان بن محمد أحبه، ومن أحبه لن ينساه. لم أسمع منه قط كلمة (لا)، ولا أعتقد أنه قالها - رحمه الله - إلا إذا كان يمزح.
عاش حياته وكأنه يعلم بموعد مماته، وأن قضاء القدر يباغت الإنسان فجأة... من دون أن يدري... فكان - رحمه الله - مؤمنا محافظا على صلاته ومبادئ دينه... كريما عطوفا رحيما... فاعلا للخير في البحرين وخارجها... ولا يحب إشاعة ما يفعله ويقوم به لأنه - رحمه الله - يفعل الخير لوجه الله.
حرص على تربية وتنشئة أبنائه الكرام على مبادئ الدين الحنيف وتعاليم الإسلام، فعندما يسمعون الأذان يكونون السباقين...
علمهم الفروسية وحضور المجالس والعادات والتقاليد الإسلامية والعربية الأصيلة والسامية... يتابع دراستهم... ويقوم بتدريسهم... كان يعد أبناءه لخدمة مجتمعهم ووطنهم. كانت علاقتنا وطيدة وحميمة... في كل يوم يكون هو أول المتصلين... يسأل ويطمئن عليك. وكعادته، لا تستطيع أن تسبقه في عمل الطيب والخير. جمعتنا عدة سفرات إلى خارج البحرين، ولقاءاتنا وتواصلنا دائما في البحرين.
سأفتقد إنسانا مهما في حياتي ومشاعري وإحساسي، لا أدري كيف سأعيش ما تبقى من العمر من دون أن أسمع أو أرى سلمان بن محمد... من سيملأ فراغه... صعب... صعب جدا! سلمان بن محمد... أحبه الله فحبب خلقه فيه... واختاره في منزلة الشهداء.
عزائي الوحيد، وعزاء أهله وكل محبيه، أنه رحل من الدنيا الفانية إلى جنة الخلد والنعيم مع الأنبياء والصالحين بإذن الله تعالى. رحل وترك أطيب سمعة، ومكانته في قلوب الجميع خالدة، ونسأل الله أن يلهمنا وأهله وأبناءه وإخوانه الكرام ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه لراجعون.
أحمد بن علي بن عبدالله آل خليفة
العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ